قوانين تونس لم تحمِ الأطفال من الاغتصاب

29 سبتمبر 2018
ربّما يكون ضحية (سيمونا غراناتي/ Getty)
+ الخط -
قليلون هم الذين يجرؤون على الحديث عن تعرّضهم إلى الاغتصاب، أقلّه هكذا كانت الحال في الماضي. وتداوُل ما يتعرّض له الضحايا لطالما كان عاراً، لذلك فضّل كثيرون الصمت. لكن مع تطوّر المجتمع، انطلاقاً من تطوّر القوانين الضامنة لحقوق الإنسان في تونس، باتت جرائم الاغتصاب تكتسح عناوين بعض الصحف ووسائل الإعلام.

تبيّن آخر الإحصاءات الصادرة عن وحدة الطب الشرعي الاستعجالي (الطوارئ) في مستشفى "شارل نيكول"، تسجيل 800 حالة اغتصاب سنوياً، 65 في المائة من الضحايا أطفال لم يتجاوزوا 18 عاماً و80 في المائة منهم إناث. يذكر أنّ مكتب المندوب العام لحماية الطفولة كان قد أشار إلى ارتفاع نسب اغتصاب الأطفال، مع تلقّي أكثر من 300 بلاغ عن اعتداءات جنسية بحق أطفال في عام 2014 في مقابل 56 بلاغاً فقط خلال عام 2010. وتبيّن إحصاءات لوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ تلقي نحو 10 آلاف إشعار بحالات اعتداء على أطفال، 64 في المائة منها عنف منزلي، عدا عن العنف المادي وكذلك المعنوي والجنسي في مؤسسات تربوية في عام 2016.




ربّما تكون هذه الأرقام مقلقة. لكنّ الأرقام الحقيقية قد تثير خوفاً أكبر، نظراً إلى ما يحيط بهذه الجرائم من كتمان وتستر. فالناس بغالبيتهم لا يبلّغون عن مثل تلك الحالات التي يتعرّض لها أبناؤهم. وكانت جريمة الاغتصاب الجماعي التي حدثت أخيراً، والتي وقعت ضحيتها طفلة لم تتجاوز 15 عاماً، انتهت بوفاة جدّة الفتاة وأمها بعد تعرضهما للعنف من قبل المغتصبين، قد أثارت بلبلة في تونس. وقد تلتها بعد أيام فقط جريمة اغتصاب طفلة لم تتجاوز عامها الثالث.

ومع تكرر جرائم الاغتصاب التي طاولت الأطفال خصوصاً، في داخل المحيط العائلي أو المدرسي أو الشارع، طالب عدد كبير من التونسيين بفرض عقوبات قاسية بحق مرتكبي تلك الجرائم تصل إلى حد الإعدام شنقاً، وسط دعوات المجتمع المدني وبعض الأطراف السياسية إلى إلغاء عقوبة الإعدام. يُذكر أنّ القانون التونسي ينصّ في الفصل 227 من المجلة الجزائية على أنّه "يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به. ويعاقب بالسجن بقية العمر كل من واقع أنثى من دون رضاها من دون استعمال العنف أو السلاح. فيما يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى من دون عنف سنّها دون 15 عاماً، وإن كان سنّ المجني عليها فوق 15 ودون العشرين فالعقاب يكون بالسجن مدّة خمسة أعوام. كما يعاقب بالسجن مدة ست سنوات كل من اعتدى بفعل الفاحشة على شخص ذكراً كان أو أنثى من دون رضاه. ويرفع العقاب إلى 12 عاماً إذا كان المجني عليه دون 15 عاماً".

وانضمّت تونس إلى قوانين ومعاهدات واتفاقيّات دولية عدّة تتعلّق بحماية حقوق الطفل، آخرها اتفاقية "لانزاروت" مع مجلس أوروبا وتتعلّق بحماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسيين. وتونس أوّل دولة عربية وأفريقية يقبل انضمامها إلى الاتفاقية، علماً أنّها من خارج الاتحاد الأوروبي. وقد أُعلن عن الاتفاقية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2007، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يوليو/ تموز من عام 2010، ووقعت عليها 47 دولة، وانضمت إليها 42 أخرى. وتهدف الاتفاقية إلى دعم البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والمتعلق بمكافحة بيع الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية والتجارة الجنسية.

على الرغم من حزمة القوانين التي تبنتها تونس، وتلك الدولية التي صادقت عليها وانضمت إليها، تشير منظمات المجتمع المدني إلى ارتفاع ظاهرة استغلال الأطفال في داخل المحيط الأسري أو المدرسي، في مقابل غياب مراكز تؤوي الأطفال ضحايا الاغتصاب في مختلف مناطق البلاد.

ويتحدث رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز الشريف، لـ "العربي الجديد"، عن "مبادرة وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن إلى استحداث مركز إنجاد في قسم الطب الشرعي الاستعجالي في مستشفى شارل نيكول قبل عامَين، الذي يستقبل النساء والأطفال الذين تعرضوا إلى عنف جنسي نهاراً وليلاً. ويقدّم الرعاية النفسية والصحية من قبل الأطباء الشرعيين، والمساعدة الاجتماعية من قبل مرشدة اجتماعية. ويضمّ مختبراً لفحص عيّنات ضرورية في مثل تلك الحالات". ويشير الشريف إلى "إجراءات اتبعتها وزارة الداخلية، منها إنشاء وحدة متخصصة لاستقبال ضحايا العنف من الأطفال في كل مراكز شرطة على كامل أراضي الجمهورية، علماً أنّها كانت موجودة في القصبة فقط على مقربة من قصر الحكومة. وتضم الوحدة شخصَين يتمتعان بالتكوين والتأهيل اللازمَين لاستقبال شكاوى الأطفال المعنّفين وعائلاتهم". يضيف الشريف أنّ ثمّة تطوّراً "إنّما ليس بالشكل الذي نتمناه"، مؤكداً أنّه "لطالما كان الاغتصاب موجوداً لكنّ التكتّم كان كبيراً. أمّا اليوم، فقد صارت الأخبار أكثر تداولاً بين الناس بفضل الإعلام والمجتمع المدني. والاغتصاب لا يقتصر على تونس".




ويوضح الشريف أنّ "في تونس قوانين جيدة، لكن المشكلة تكمن في التطبيق وتفعيل تلك القوانين، نظراً إلى غياب الإرادة لدعم المجتمع المدني بالعاملين لتفعيل تلك القوانين، بالإضافة إلى غياب التمويل اللازم، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم كل أشكال العنف، خصوصاً الاغتصاب". وفي ما يتعلّق بالمبادرة التي دعت إليها وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، والتي تتمثّل في إدراج التربية الجنسية من ضمن البرنامج التربوي في داخل المؤسسات التعليمية، يقول الشريف إنّ "وزارة التربية معنيّة، لكنّها لم تبذل أيّ جهد في هذا الإطار. ولا يوجد أيّ تطوير أو تغيير في المحتوى التربوي أو إدراج التربية الجنسية. كذلك فإنّ مجلس النواب أقرّ أنّ النضج الجنسي يكون في سنّ 16 عاماً. وبعد تجاوز هذه السنّ، يصير الأطفال مسؤولين عن حياتهم الجنسية". ويسأل: "ما الذي أُعدّ لمن هم دون 16 عاماً من تربية جنسية، علماً أنّ العائلات التونسية محافظة ولا تتحدث عن المواضيع الجنسية مع أطفالها؟ لذلك، فإنّ المؤسسة التربوية معنية بتوفير الأطر اللازمة لتوعية الأطفال، حتى يصيروا ناضجين جنسياً عند بلوغ السادسة عشرة".
المساهمون