أبعاد المأزق اللبناني

14 ديسمبر 2016
الحروب لا تنتهي بين عشية وضحاها (ماهر عطار/فرانس برس)
+ الخط -

توقفت الحرب الأهلية في لبنان نظرياً مع توقيع اتفاق الطائف في المملكة العربية السعودية عام 1989، وهو الاتفاق الذي دخل في مقدمة وصلب الدستور الراهن في العام 1990. لكن الحروب لا تنتهي بين عشية وضحاها. والحروب الأهلية أشد قسوة وعنفاً، باعتبار أن معاهدات جنيف وأحكامها لا تسري عليها، وتتواصل في الذاكرة الجمعية أجيالاً طويلة، ثم إنها لا تختتم على زغل وتدخل في مضمار العلاقات الدبلوماسية، خصوصاً إذا لم تكن المجتمعات قد توصلت إلى حلول حقيقية للمعضلات التي كانت في أساس انفجار العنف.

كل ما في لبنان يحمل التأكيد على أن الحرب ما تزال احتمالاً ممكن التجدد، فالظروف الملائمة لمعاودة الاشتعال متوفرة. المسألة أكبر من نار تحت الرماد. كل عناصر الحريق جاهزة في الداخل والمحيط على حد سواء.

ذكرنا شيئاً عن الحياة السياسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية التي باتت مصادرة بالكامل طوائفياً. كل طائفة تملك حزبها الحصري أو شبه الحصري. تنشب منازعات من هنا أو هناك على الوكالة، إلا أن هذا لا يغيّر في الصورة. الأحزاب العلمانية غادرت منذ عقود خشبة المسرح وباتت قطعاً نادراً بين الطلاب والعمال والمثقفين. باختصار أصبحت خارج المعادلات الفاعلة.

المجتمع يتعمق انقسامه في مختلف الاتجاهات. لا يستطيع مسلم أن يشتري منزلاً في منطقة مسيحية، إلا بعد وساطة من حزب مسيحي نافذ. ولا يستطيع سني أن يشتري في منطقة محسوبة على الطائفة الشيعية، والعكس صحيح. وما إن تحصل عملية بيع عقارية وتتسرب أخبارها حتى تنطلق الأسئلة المشككة بالدوافع الخفية. ما يصح على شراء مسكن يصح على الإيجارات وعمل الشركات التي تملك فروعاً تخصص لكل فريق عمل ينسجم مع هوية الطائفة في دائرة النشاط.

يجب أن تضاف الهواجس التي يتركها وجود أكثر من مليون ومائتي ألف لاجئ سوري من مخاوف توطين وضغط على الخدمات العامة وفرص العمل النادرة. يصرف وجود هذا العدد من اللاجئين الفلسطينيين في رصيد السُنة، ويعبر المسيحيون الذين تتراجع أعدادهم عن مخاوفهم بالكثير من الأشكال.

الألوف من اللبنانيين هم خارج بلادهم بالهجرة، والذين نزحوا وتم دفع مليارات الدولارات لعودتهم إلى قراهم وبلداتهم يزورون منازلهم في عطلة نهاية الأسبوع فقط... الضائقة الاقتصادية تعبر عن مسلسل من المعضلات المتراصفة دون حد أدنى من الحلول لها. اقتصاد يعاني من الترنح، ارتفاع المديونية على الدولة بما يقارب الـ75 مليون دولار، تراجع في الدخل الوطني وعجز في ميزان المدفوعات وبطالة مستشرية وقطاعات ومواسم كاسدة... وأسئلة تعلن أن الأزمة أعمق من أزمة نظام ... إنها أزمة كيان يترنح وسط العاصفة الجامحة.

*أستاذ جامعي

دلالات
المساهمون