نفاد الأوكسجين والأنسولين... مرضى وجرحى غزة مهددون بالموت

13 يونيو 2024
يتلقى العلاج في مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- القصف الإسرائيلي على غزة يؤدي إلى نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يهدد حياة المرضى والجرحى بسبب توقف خدمات الرعاية الصحية ونقص الوقود لتشغيل المستشفيات.
- تدمير البنية التحتية الطبية، بما في ذلك محطات الأوكسجين، يعرض حياة الآلاف للخطر، خصوصًا المعتمدين على أجهزة التنفس ومرضى السكري، مع تحديات في تبريد الأدوية وتشغيل الأجهزة الطبية.
- وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية تحذران من تدهور الوضع الصحي بشكل كبير، مع تهديد بتوقف المستشفيات بسبب نقص الوقود والأدوية، مما يضع أكثر من 1300 مريض بحاجة لغسل الكلى وآلاف المرضى المزمنين أمام خطر الموت.

بالإضافة إلى احتمال الموت المستمر جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يواجه مرضى وجرحى غزة نقصاً في أدوية ومستلزمات طبية أساسية مثل الأوكسجين والأنسولين، ما يهدد حياتهم.

يعيش عشرات الآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة والجرحى تحت تهديد توقف خدمات الرعاية الصحية بسبب نقص الوقود الذي يشغل عدداً محدوداً من المستشفيات والمراكز الصحية داخل قطاع غزة، في ظل عدم تمكن الجهات الطبية من إدخال الوقود والعمل على استمرار تشغيل محطات الأوكسجين لتبريد بعض أنواع الأدوية الضرورية على رأسها الأنسولين لمرضى السكري.
ويقدّر عدد الذين يحصلون على خدمات أجهزة التنفس الاصطناعي بالمئات يومياً، علماً أن الحاجة الأسبوعية بحسب وزارة الصحة في غزة تقدر بالآلاف، ويتلقون العلاج في عدة مراكز صحية ومستشفيات. ومن بين 60 ألف مصاب بمرض السكري مسجلين لدى وزارة الصحة في غزة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أكثر من 20 ألفا منهم يعتمد على علاج الأنسولين المهدد بالنفاد والفساد في حال انقطاع الكهرباء. إلا أن جميع المؤسسات الصحية في القطاع، بما فيها المؤسسات الصحية الدولية، عاجزة عن إدخال الوقود لإبقاء خدماتها. 
تعيش الستينية عائشة رضوان في مستشفى شهداء الأقصى على أجهزة التنفس الاصطناعي كونها تواجه نقصاً في الأوكسجين بالدم. تعرّضت للإغماء خلال الأيام الأخيرة، وبدأت تحصل على علاج مستمر داخل مستشفى شهداء الأقصى وسط اكتظاظ كبير في غرف العلاج، علماً أنها لا تستطيع التنفس. وفي بعض الأحيان، تحتاج إلى الأوكسجين لأكثر من 6 ساعات متواصلة، وتعبر عن قلقها الكبير من نقص الوقود وبالتالي عدم حصولها على الأوكسجين.
حاول أبناء رضوان عدم إبلاغ والدتهم عن أزمة الوقود التي قد تهدد علاجها. يقول نجلها مصطفى (34 عاماً) إن الجميع يتحدث عما هو متداول في الأخبار وفي أقسام العلاج والمرافق الصحية. ومهما حاولوا إخفاء بعض الأخبار، فإن التكدس الحاصل في المستشفيات غير مسبوق، والجميع يسمع الأخبار ويعيش حالة من القلق. يقول مصطفى لـ "العربي الجديد": "والدتي تعاني نقصاً في آلات الأوكسجين كما أخبرنا الطبيب، كما تعاني من صعوبة وصول الأوكسجين للدم وصعوبة في التنفس. وتواجه تسارعاً في ضربات القلب وخصوصاً أثناء النزوح، ما أدى إلى إصابتها بحالة إغماء بسبب مشاكل في الرئتين. وبدأت حالتها تتدهور كثيراً".
يضيف: "تتعالج والدتي في قسم يتضمن 20 مريضاً، بينما كان العدد لا يتجاوز الخمسة مرضى في الأوقات العادية. أخبرنا الطبيب أن مهمتهم هي الحفاظ على روح المريض في الوقت الحالي بعيداً عن جودة العلاج في ظل محدودية الأدوية وغير ذلك. كما تعاني نقصاً كبيراً بما لا يقل عن ثلاثة أنواع من الأدوية، علماً أنها أصيبت بالمرض منذ بداية العدوان".
يتعرّض المرضى الذين يعالجون في مناطق التهجير لضغوط خطيرة في ظل صعوبة تأمين العلاجات وخصوصاً من أصحاب الأمراض المزمنة والجرحى الأكثر حاجة إلى أجهزة التنفس الاصطناعي. كما يواجه مرضى السكري نقصاً في الأنسولين، وكان بعضهم يتلقى شهرياً زجاجتي أنسولين، فيما تلقى أعداد منهم زجاجة واحدة فقط خلال الشهر الأخير مثل سمير صبيح (54 عاماً).
ويعجز صبيح عن حفظ حقنة الأنسولين في مكان بارد، ويدرك تماماً أن عدم تبريدها خطر. إلا أنه يضطر إلى وضعها في الخيمة على الرغم من درجة الحرارة المرتفعة. وهذا حال عشرات آلاف مرضى السكري المتواجدين في مناطق الخيام في منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس جنوباً وغرب مدينة دير البلح وسط القطاع. يقول لـ "العربي الجديد": "أعاني من مرض السكري وأجد صعوبة في تأمين العلاج خلال الأسبوعين الماضيين. بالإضافة إلى السكري، أعاني من مرض ضغط الدم. كما أن سوء التغذية والحر الشديد يجعلاني أصاب بدوار شديد وقلق حاد، وأعرف تماماً أنني سأواجه خطورة في الحصول على الأنسولين في حال انقطع. وفي المرة الأخيرة التي حصلت عليه من عيادة أونروا لم يكن بارداً".
يضيف: "سألت الطبيب عن الأنسولين، وأخبرني أنه من الجيد أن أحصل على أنبوبة صغيرة. وبدلاً من تناول حقنة كل صباح، أصبحت أتناول حقنة واحدة كل يومين حتى أحافظ على حياتي. منذ أسبوعين، أشعر بدوار شديد لأنني اضطررت إلى تقليص العلاج. لا أشعر بأنني أحافظ عليه جيداً في ظل ارتفاع درجات الحرارة".

دمّر الاحتلال أكثر من عشر محطات أوكسجين في المنطقة الشمالية في قطاع غزة، والتي تضم محافظة غزة ومحافظة شمال القطاع. ومع استمرار العمليات العسكرية، يقول الطبيب محمد نوفل وهو أحد الطواقم الطبية الفنية المشرفة على عمل وحدات الأوكسجين في مجمع الشفاء الطبي، إن حياة الآلاف ممن يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي تعرضت للخطر. 
وتعمل محطة واحدة حالياً في المنطقة الشمالية ومحطتان في المنطقة الجنوبية في قطاع غزة. يذكر نوفل أن محطة مجمع الشفاء الطبي لتوليد الأوكسجين كانت الكبرى في قطاع غزة قبل المجزرة الإسرائيلية وتدمير عدد من المباني فيه وإلحاق دمار في المباني الأخرى في مارس/ آذار الماضي، بالإضافة إلى محطة الأوكسجين في مستشفى الشهيد محمد الدرة شرق مدينة غزة.
وبسبب عدم توفر الوقود، يقول نوفل إنهم يعملون ثلاث ساعات لإنتاج قارورتين من الأوكسجين في اليوم، وهما غير كافيتين لأعداد المرضى الذين يحتاجون إليه. ويضيف لـ "العربي الجديد": "لدينا ضعف في تأمين الوقود. ومنذ شهر كامل لم نحصل على ليتر واحد. في المقابل، تعمل الثلاجات بطاقة محدودة جداً لحفظ بعض من الأدوية والعلاجات وعلى رأسها الأنسولين. وحين نفصلها عن الكهرباء للحفاظ على الوقود، نحرص على عدم فتحها للإبقاء على البرودة فيها". 

غزة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
يتعرّض المرضى الذين يعالجون في مناطق التهجير لضغوط خطيرة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

"داخل المستشفى المعمداني يحصل عدد من المرضى على القليل من ساعات الأوكسجين. وتعمل محطة واحدة ويتم تزويدنا بكميات قليلة جداً، وتوفي البعض نتيجة عدم تمكنهم من الحصول على الأوكسجين"، كما يقول طبيب الطوارئ أسامة يحيى. ويسعى المستشفى إلى تبريد الأنسولين قبل منحه للمرضى. يتابع يحيى حديثه لـ"العربي الجديد": "توليد الطاقة هو من الحقوق الأساسية التي لا يناقشها العالم في مستشفياته في كل دول العالم، ويتم استثناء قطاع المستشفيات في النزاعات إلا في قطاع غزة. ندخل الشهر التاسع للعدوان ولم نشهد 10 أيام بلا أزمة علاج حقيقية ووبلا نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية الأساسية".
يضيف: "في ما يتعلق بالأنسولين، من المعروف أنه حين تفتح الزجاجة، لا يكون هناك خطر إذا تواجدت في غرفة درجة حرارتها لا تتعدى الـ30 درجة. لكن هذا الأمر مستحيل في مناطق الخيام المنتشرة في قطاع غزة، حيث ترتفع درجات الحرارة في بعض الأحيان إلى 37 درجة. بالتالي، يتلاشى مفعولها. نحرص على إخبار المرضى بضرورة حفظها في زجاجة أو مكان بعيد عن الشمس".

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أنه في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي وسيطرته على المعابر، باتت المستشفيات والمراكز الصحية مهددة بالتوقف، بالإضافة إلى محطة الأوكسجين الوحيدة في محافظة غزة التي تزود المرافق الصحية وأصحاب الأمراض المزمنة بالأوكسجين، وخصوصاً في المستشفيات التي تعمل بشكلٍ جزئي مثل كمال عدوان في منطقة مشروع بيت لاهيا بشمال القطاع، والمستشفى المعمداني في البلدة القديمة بمدينة غزة.
وتؤكد الوزارة تعرض عشرات من المرضى والجرحى للموت المحتم يومياً، بالإضافة إلى تعرض الأدوية في الثلاجات للتلف لعدم إدخال الوقود لتشغيل المولد الذي يغذي محطة الأوكسجين وثلاجات حفظ الأدوية، بالإضافة إلى غسل الكلى في محافظات القطاع بالكامل وسيارات الإسعاف المتبقية التي أصبحت مهددة بالتوقف التام نتيجة عدم توفر الوقود الضروري.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت في بيان من أزمة تواجه أصحاب الأمراض المزمنة في غزة مع وجود أكثر من 1300 مريض بحاجة إلى غسل الكلى للبقاء على قيد الحياة، وهم مرتبطون بشكلٍ أساسي بالوقود، بينما يقدر مجموع أصحاب الأمراض المزمنة بحوالي 350 ألفا وهم في خطر بسبب منع إدخال الأدوية. وتشير إلى وجود أكثر من عشرة آلاف مريض يتعالجون من السرطان في القطاع، و45 ألفا يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألفا يعانون من السكري، منهم من لا يستطيع تحمل ظروف النزوح من دون أدويتهم الضرورية على رأسها الأنسولين.

المساهمون