مقابر جماعية... دفن شهداء غزة في الطرق والساحات

مقابر جماعية... دفن شهداء غزة في الطرق والساحات

20 يناير 2024
لا بديل عن المقابر الجماعية في قطاع غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

تتزايد أعداد المقابر الجماعية في أنحاء قطاع غزة مع تواصل العدوان الإسرائيلي لتحتل مساحات أكبر في محافظات القطاع الخمس، في مقابل تقلص مساحة "المناطق الآمنة" المزعومة، ويكتظ مئات آلاف النازحين من جميع مناطق القطاع في الجنوب، خصوصاً في مدينة رفح التي بات أكثر من مليون نازح محشورين فيها رغم أنها أصغر محافظات القطاع.
تضم مدرسة "حليمة السعدية" في بلدة جباليا النزلة في شمالي قطاع غزة، مقبرة جماعية أنشئت في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول، ودفن فيها نحو 250 شهيداً من بلدة ومخيم جباليا، وبعضهم مجهولو الهوية، في مشهد أصبح متكرراً في القطاع، خصوصاً في المنطقة المحاصرة التي أجبر سكانها على دفن جثامين الشهداء داخل قبور جماعية عشوائية.
نزحت عايدة أبو وردة (56 سنة) إلى المدرسة بعد أن دمر القصف منزلها والكثير من منازل جيرانها، واستشهد تحت الأنقاض عدد من أفراد العائلة والأقارب. تقول لـ"العربي الجديد": "تعرض محيط المدرسة لاستهدافات إسرائيلية عدة، وعايشنا فيها حصاراً صعباً، لكن التواجد في داخل المدرسة يظل أفضل من البقاء في العراء، ودفن الشهداء في المقبرة جماعية بساحة المدرسة أفضل من ترك جثامينهم من دون دفن".
تضيف أبو وردة: "قمنا بدفن عدد كبير من أفراد العائلة في تلك المقبرة، ووضعنا لافتات خاصة على قبور مجهولي الهوية. أصبحنا جيراناً مع قبور الشهداء، وهناك روائح منتشرة في المدرسة لأن عملية الدفن لم تتم بالشكل الأمثل. لكن هذا ما أتيح لنا، وحالياً لم تعد القبور مخيفة بالنسبة للأطفال، ولدي حفيد عمره 5 سنوات كان في السابق يرتعب من فكرة الاقتراب من القبور، واليوم يقف أمام قبور الشهداء، ويتحدث إليهم، ويسألني إن كانوا يسمعونه".

الصورة
أحزان أهالي الشهداء تتفاقم في قطاع غزة (محمد الحجار)
أحزان أهالي الشهداء تتفاقم في قطاع غزة (محمد الحجار)

وأنشئت في سوق جباليا، في السابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي، مقبرة جماعية تضم جثامين أكثر من 100 شهيد، في حين تعتبر مقبرة مجمع الشفاء الطبي أول المقابر الجماعية التي أقيمت في شمالي غزة، إذ أنشئت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن عجزت وزارة الصحة عن تأمين أماكن للدفن مع امتلاء المقابر النظامية بالشهداء، فضلاً عن حصار وقصف الاحتلال الإسرائيلي للمجمع، ومنع وصول المركبات والناس إليه، وصولاً إلى اقتحامه لاحقاً وتدمير مبانيه وإحراق أجهزته ومعداته.
في 18 نوفمبر، دفنت إدارة المستشفى الإندونيسي أكثر من 200 شهيد في مقبرة جماعية بالقرب من ساحة المستشفى، كان من بينهم جثامين الشهيد زكريا الرفاعي وثلاثة من أفراد عائلته. يقول شقيقه أحمد الرفاعي (30 سنة) لـ"العربي الجديد": "تضم مناطق شمالي قطاع غزة الكثير من المقابر الجماعية، وقام الاحتلال بتدنيس الكثير من القبور، ومن بينهم قبر شقيقي زكريا، والذي لا نعرف حالياً مكانه، ولا نستطيع العودة إلى المنطقة في الوقت الحالي، فبعد انسحاب الاحتلال عاد عدد من الأشخاص، لكن جرى قصف المنطقة. الناس تقوم بدفن الشهداء في المقابر الجماعية على أمل نقل جثامينهم عندما ينتهي العدوان إلى المقابر النظامية".

ووثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكثر من 120 مقبرة جماعية عشوائية في محافظات قطاع غزة، تنتشر في الأحياء السكنية وأفنية المنازل والطرق، وفي ساحات المستشفيات والمدارس والمساجد، وحتى في صالات الأفراح والملاعب الرياضية، ويكتب البعض على القبور أسماء الشهداء، ليتم نقلهم إلى مقابر نظامية بعد انتهاء الحرب.

الصورة
إيجاد مكان لدفن الشهداء مهمة صعبة في قطاع غزة (محمد الحجار)
إيجاد مكان لدفن الشهداء مهمة صعبة في قطاع غزة (محمد الحجار)

وخلال شهر ديسمبر الماضي، زادت أعداد المقابر الجماعية في المنطقة المحاصرة التي كان يعجز سكانها عن التنقل بسبب الحصار الإسرائيلي، وتكرار الاحتلال الاعتداء على المقابر، وتدنيس القبور، ثم بدأت تظهر في جنوبي القطاع بعد تزايد أعداد الشهداء، ما اضطر السلطات إلى إنشاء مقبرة قريبة من الحدود المصرية، ودفن فيها نحو 80 شهيداً، بينما تضم مقبرة ثانية في مدينة خانيونس جثامين 111 شهيداً، بحسب المرصد الأورومتوسطي.
في 22 أكتوبر/تشرين الأول، أنشأت مقبرة "البطش" الجماعية في حي التفاح شرقي مدينة غزة، ودفن فيها أكثر من ألف من شهداء العدوان الإسرائيلي، وجرى الاعتداء على المقبرة قبل انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة في بدايات الشهر الحالي، ووصل الناس إلى المقبرة في 5 يناير/كانون الأول، ليكتشفوا تجريف جيش الاحتلال المقبرة بالكامل، وأدت عملية التجريف إلى إلحاق أضرار جسيمة بالمقبرة، ونبش عشرات القبور، وكانت بعض رفات الشهداء متناثرة.

الصورة
تعرضت عدد من مقابر غزة لانتهاكات إسرائيلية (محمد الحجار)
تعرضت عدد من مقابر غزة لانتهاكات إسرائيلية (محمد الحجار)

نزح أحمد السعودي من وسط مدينة غزة إلى مجمع الشفاء الطبي، ويقول لـ"العربي الجديد": "قام سكان حي التفاح بإعادة دفن جثامين الشهداء، وكانت الكثير منها متحللة، وتم التعرف على هوية البعض. لكن الكثير من الناس لا يستطيعون التعرف على مكان دفن ذويهم من جراء الدمار الحاصل وتناثر الجثامين. نشعر بالعجز أمام انتشار المقابر الجماعية في كل مكان، ويحاول السكان حماية تلك المقابر للحفاظ على حرمة الموتى، لكن الاحتلال لا يحترم الأحياء ولا الأموات، ويدمر المقابر وينبش القبور".
وتعتبر مقبرة البطش هي المقبرة الجماعية الأكبر التي تم إنشاؤها خلال العدوان الحالي، وتضم أكثر من ألف شهيد، بينما تعتبر مقبرة الهدد القريبة من سوق مخيم جباليا أصغر المقابر الجماعية، وهي تضم جثامين 28 شهيداً.

ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، لـ"العربي الجديد": "حين واجهتنا أزمة دفن الشهداء اضطررنا إلى فتح مقابر جماعية في مناطق مختلفة، وضمن أي مساحة متاحة رغم صعوبة توفر المساحات، وتواصل طواقم الدفاع المدني والطواقم الطبية محاولات إيجاد أماكن للدفن في أنحاء القطاع في ظل صعوبة الحلول المتاحة في مقابل أعداد الشهداء الكبيرة، وقد تعرضت العددي من المقابر لاعتداءات مباشرة، ورصدنا سرقة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 150جثماناً، ونبش مقابر بالكامل، كما دنش عشرات القبور، ودخل بآلياته إلى مقبرة البطش في شرقي مدينة غزة ودمرها".
يضيف الثوابتة: "كرر الاحتلال جريمة تدنيس المقابر أكثر من مرة، وهو يتعمد الاعتداء على المقابر الجماعية أيضاً حين يعلم بأماكن وجودها، رغم أن بعضها مقابر جديدة، وعندما قام الاحتلال بتسليمنا 80 جثماناً كان قد سرقها من محافظتي غزة وشمال غزة، كانت الجثامين مُشوَّهة، وقمنا بدفنها في مدينة رفح، وقد فضحنا مراراً عمليات سرقة الجثامين، ونواصل إدانة ما تتعرض له المقابر من تدمير وتدنيس، وجميعها كانت ولا تزال في خطر كبير".

المساهمون