للأطفال النازحين في مخيمات شمال سورية أحلام يتطلعون إلى تحقيقها. والنشاطات التي تهدف إلى كسر عزلة هؤلاء الأطفال محدودة، لكنها اختلفت مع إطلاق فعاليات بطولة كأس العالم للمخيمات شمال غربي سورية، التي تشارك فيها شريحة واسعة من الأطفال، وسبقت تنظيمها شهور من الإعداد والتدريب. وبلغ عدد الأطفال، الممثلين خمسة وعشرين مخيماً للنازحين وسبع مناطق صناعية في إدلب، 300 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 10 و14 عاماً، بعضهم كان يعمل ويدرس ويخضع للتدريب. وشكلو 32 فريقاً يحمل كل منه اسم منتخب يشارك في مونديال قطر 2022.
ويقول عبد الناصر زعيب الذي هجر من مدينة حمص مع عائلته ويعيش في مخيم قرب بلدة عقربات بريف إدلب الشمالي، لـ"العربي الجديد"، إن حبّه لكرة القدم يفوق حبّه للدراسة. يضيف: "يومي مثل أي يوم اعتيادي، أذهب إلى المدرسة ثم أعود إلى المخيم، وألعب كرة القدم عند المساء قبل أن تغيب الشمس. الحياة صعبة جداً هنا. نعيش أزمة اقتصادية كما أخبرنا الأستاذ في صف علم الاجتماع. والاقتصاد أساس الدولة". ثم يعود إلى الحديث عن كرة القدم ليقول: "أحب الكرة أكثر من الدراسة، بل أحب الرياضة لأنها تتيح لي التعرف إلى أصدقاء جدد وتحسن لياقتي البدنية. وأكثر ما أحبه في المونديال هو التعاون بين الفرق. إنه لأمر جميل أن يشجعنا الناس. لكنني توترت داخل الملعب وهذا شعور جديد علي. أحسست أن جميع الناس على المدرجات ينظرون إلي، وكأنني كبرت فجأة".
ويقطن مخيمات شمال غرب سورية نازحون من كافة المناطق السورية، ومنهم الطفل محمد يوسف، النازح من مدينة القامشلي والذي يقيم في بلدة عقربات بريف إدلب. وجد في المونديال فسحة للمنافسة وعيش أجواء جديدة. يقول لـ"العربي الجديد": "المونديال جميل جداً، وهناك منافسات قوية بين الفرق. نمثل السعودية في المونديال، وقد خسرنا في المباراة الأخيرة بخمسة أهداف في مقابل ثلاثة. أدهشني وجود الكثير من المصورين. كنتُ فرحاً للغاية بأنني سأظهر في لقطات للكاميرات. الفرق المنافسة قوية للغاية، وهناك فرق ستحرز الانتصارات بسهولة. إنه شعور رائع ولا يوصف. أول مرة أكون تحت أنظار الناس في الملعب. أحسست أن الجميع يساندنا".
يعمل بعض الأطفال المشاركين في البطولة في مهن شاقة لا تناسب أعمارهم، وقد تشكل خطراً على حياتهم، في وقت يعيش البعض الآخر في مخيمات الشتات من دون أدنى مقومات للحياة، وهم محرومون من أبسط حقوقهم في اللعب والتعليم والصحة. ويُعد هؤلاء الأكثر ضعفاً بين أطفال شمال غرب سورية. وكان الأطفال المشاركين يترقبون التدريبات للمونديال بفارغ الصبر، وينتظرون في نقاط حيث يُقلّون للتدريب من قبل المنظمين عند الصباح الباكر.
يقيم الطفل زيدان موسى حمدان مع عائلته في مخيم دير حسان، ويقول لـ"العربي الجديد": "الحياة جيدة. تهجّرنا بسبب القصف واعتدنا على حياة المخيم. كنا نمثل المكسيك وقد خسرنا في اللحظة الأخيرة. القصف والتهجير بالنسبة إلي أبشع من الخسارة. أذكر أنني كنت في المدرسة حين سقطت قذيفتان مدفعيتان. انهارت المدرسة من دون أن يصاب أحد بأذى. كنت ألعب الكرة في خان شيخون (تتبع إدارياً لمحافظة إدلب). اعتدت على الحياة في الخيمة، لكن الحياة في البيت أفضل. الشعور جميل وأصبح الناس يفتخرون بي. حين نزلت إلى الملعب، شعرت بالخوف في البداية، لكنني اعتدت الأمر. إنه شعور لا يوصف... أحسست أنني في مكان آخر".
وتعد كرة القدم بالنسبة لبعض الأطفال حلماً، ويطمح عدد من الأطفال لأن يكونوا لاعبين في المستقبل، في وقت هي هواية بالنسبة لآخرين، يمارسونها للتسلية والترفيه عن النفس والهرب من واقع الحياة في مخيمات النزوح. في هذا الإطار، يقول أحمد الحسين، الذي يتحدر من سهل الغاب (محافظة حماة) لـ "العربي الجديد": "أعيش في مخيم الحرية بدير حسان. أنا في الصف الثامن والدراسة أولوية بالنسبة إلي. في الوقت نفسه، أحب كرة القدم كثيراً للترفيه ولا أطمح لأن أكون لاعباً. الدراسة أكثر أهمية بالنسبة إلي. المباراة التي شاركت فيها كانت رائعة والتشجيع كان رائعاً جداً. أحب أن ألعب الكرة في سهل الغاب وأدرس في منزلي، وألعب مع أصدقائي في أوقات الفراغ".
من جهته، يقول عضو فرق الحماية في منظمة بنفسج عمران الحسين لـ" العربي الجديد": "عانى هؤلاء الأطفال كغيرهم من آلاف الأطفال السوريين مرارتي النزوح والتهجير، وما زالوا حتى الآن يعيشون ظروفاً حياتية قاسية في خيامهم المهترئة، وهم محرومون من أبسط مقومات الحياة وأبسط حقوقهم. نحاول بإمكانيات بسيطة مساعدتهم لإخراجهم من جو الحرب وتعزيز ثقتهم في أنفسهم ودمجهم بأقرانهم من الأطفال".
بدوره، يقول منسق برنامج الحماية في منظمة بنفسج إبراهيم سرميني، لـ"العربي الجديد": "كانت هناك استجابة بين الأطفال. خرجوا من أجواء المخيم. يبدأ تدريبهم عند الساعة السابعة صباحاً. دائماً ما نجدهم على أتم الجهوزية والاستعداد. الرياضة تقوي بنيتهم وترفههم". ويلفت إلى أن "هؤلاء الأطفال، وحتى الموجودين في المدن، لا يعيشون حياة طبيعية". يتابع: "الأطفال يحتاجون إلى أي شيء يخرجهم من أجواء الحرب ليشعروا بوجودهم وأنهم على صلة بالمحيط خارج المخيم وخارج المنطقة الصناعية. ويعيش الأطفال أحوالاً قاسية في ظل نقص الخدمات في المخيمات من تعليم وصحة وغذاء، عدا عن الأعباء النفسية".
ويوضح سرميني: "ساهم الجمهور في إعطاء الأطفال الكثير من الدعم المعنوي. ووفرت البطولة مساحة للأطفال للبحث عن الإبداع والتميز ليكونوا أشخاصاً فاعلين. الهدف تعليم الأطفال أن يكونوا مؤثرين في المجتمع وقادرين على البناء. نحتاج إلى جيل يبني سورية".
ويقول الطفل المشارك في البطولة محمد عبد الهادي الناصر، الذي يعيش في مخيم مورك (إدلب) ويعمل في نقل مياه الشرب ضمن المخيمات، لـ"العربي الجديد": "نعيش حياة قاسية للغاية في المخيمات. هناك فقر شديد إلى درجة أن البعض يأكل من مكبات النفايات. أعمل ساعات عدة يومياً لتأمين الطعام لعائلتي. لكن البطولة جعلتني أعيش أجمل أيام حياتي".
ومن بين المشاركين أطفال ولدوا خلال الحرب أو كان عمرهم بضع سنوات حين اندلعت. عاش هؤلاء القصف والدمار والنزوح. ويقول محمود العشي (14 عاماً) المقيم في مدينة إدلب، والمشارك في البطولة بزي المنتخب الفرنسي، لـ"العربي الجديد": "أعمل بمهنة نجارة الباطون من الساعة السابعة صباحاً وحتى المساء. أصبحت رب الأسرة بعد وفاة والدي لأنني الأخ الأكبر. أعشق كرة القدم وأطمح لأن أكون لاعباً عالمياً. سعادتي لا توصف لمشاركتي في هذه البطولة".
ويتجاوز عدد الأطفال النازحين في مخيمات الشمال السوري مليون طفل، بينما يبلغ عدد المخيمات 1633 مخيما، ويتجاوز عدد قاطني هذه المخيمات 1.8 مليون نسمة، بحسب إحصائيات فريق "منقسي استجابة سورية" الصادرة في 26 أغسطس/ آب 2022.