سكان مخيمات شمال غربي سورية ينتظرون كارثة السيول

ريف إدلب

عامر السيد علي

avata
عامر السيد علي
08 أكتوبر 2024
مع اقتراب الشتاء مخيمات الشمال السوري على موعد جديد مع السيول
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني المخيمات العشوائية في شمال سوريا من ظروف قاسية خلال الشتاء، حيث تتعرض الخيام للغرق والتلف بسبب الأمطار والسيول، مما يزيد من معاناة النازحين الذين يفتقرون للموارد لتحسين أوضاعهم.
- نشأت المخيمات نتيجة موجات النزوح بين 2018 و2020 بسبب العمليات العسكرية، حيث لجأ نحو مليوني مدني إلى أراضٍ زراعية منخفضة، مما جعلهم عرضة للسيول.
- تواجه القرى السكنية البديلة انتقادات لسوء التنفيذ وافتقارها للبنية التحتية، وتبقى الحلول الجذرية بعيدة المنال بسبب التحديات المالية واللوجستية.

غرقت وتضررت خيام كثيرة للاجئين في السنوات الأخيرة بفعل العواصف والأمطار والسيول خلال الشتاء في الشمال السوري لكنهم لا يزالون داخلها، وتتهددهم مآسٍ جديدة لأنهم لا يستطيعون تغيير واقعهم.

في العادة ينتظر كل المزارعين شمال غربي سورية موسم الأمطار والشتاء لتأمين محصول وافر، لكن سكان المخيمات العشوائية قرب أراضي هؤلاء المزارعين باتوا يتوجّسون شراً من تلك الأمطار بعدما كان يعتبرونها مصدر خير في السابق.
في مخيم "الليث" العشوائي بريف مدينة معرة مصرين قرب مدينة إدلب، يعيش أحمد المحمد مع عائلته، بعدما نزحوا إليه إثر دخول قوات النظام قريتهم في ريف إدلب الجنوبي. وهو يُخبر "العربي الجديد" بأن الوضع المأساوي يتكرّر في المخيم كل شتاء حيث يواجه مع أفراد عائلته البرد والأمطار والسيول والعواصف التي تقتلع الخيام التي تصبح هشّة جداً أمام الطقس السيئ. ويقول: "تشكل الأمطار الغزيرة في كل شتاء بحيرةً صغيرةً داخل مخيمنا فتغرق بعض الخيام، ويحتجز بعض الناس في خيمهم من دون أن يستطيعوا الخروج. ويتكرر هذا الوضع في حين لا نملك القدرة المالية على تغيير المكان أو شراء خيام جديدة أكثر قدرة على مواجهة عوامل الطقس، لا سيما العواصف، فالأمطار تخترق الخيام كلها من دون استثناء".
ويذكر أحمد أنهم يحصلون على تدفئة عبر إحراق ما يجمعونه من مواد بلاستيكية رغم أنها تضرّ بالصحة، لا سيما لدى الأطفال، وقد انقطعت المساعدات عن مخيم الليث العشوائي على غرار كثير من المخيمات العشوائية شمال غربي سورية، لا سيما في ريفي إدلب وحلب. وهذا الأمر مستمر منذ ثلاثة أعوام، وبعضها أكثر.
وتعتبر المخيمات العشوائية تجمعات وصل إليها النازحون على فترات متعاقبة منذ عام 2012 بعد عمليات القصف والتوغل التي نفذتها قوات النظام، خصوصاً في مدن وبلدات ريف حماة الشمالي وحلب الجنوبي والغربي وإدلب الجنوبي. وحصلت أشدّ موجات النزوح بين عامي 2018 و2020 حين شن النظام بمساندة الطيران الروسي والمليشيات التابعة لإيران عمليات برية واسعة في ما يعرف بـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب ومحيطها)، ما شرّد نحو مليوني مدني وأخرجهم من ديارهم تحت وابل القصف واقتحام البلدات والقرى، فافترشوا أراضي المشاع أو تلك الزراعية. ومع الأيام تجمعوا في مخيمات عشوائية بعدما نصبوا خياماً عليها".
وفي بداية العام الماضي ناهز عدد المخيمات العشوائية 514 يقطنها نحو 311 ألف نازح، بحسب إحصاءات أجراها فريق "منسقو استجابة سورية"، لكن بعد زلزال فبراير/ شباط عام 2023 الذي ضرب شمال سورية وجنوب تركيا وصل عدد هذه المخيمات إلى نحو 800، علماً أنه لا يوجد إحصاء لتحديد هذا العدد.
واختار النازحون الكثير من هذه التجمعات لكونها أراضي منبسطة يسهل نصب خيام فيها، لكنها أراضٍ منخفضة أيضاً تجد السيول والأمطار بسرعة طريقاً إليها.
ويشير حسن الحسن الذي يسكن في مخيم "الليث" إلى أن سكاناً في المخيمات يرفعون خيامهم باستخدام حجارة أو بلوكات من أجل تفادي السيول، لكن ذلك لا يمنع اختراق الأمطار الخيام.

يسهل دخول السيول والأمطار المخيمات خلال الشتاء (العربي الجديد)
يسهل دخول السيول والأمطار إلى المخيمات خلال الشتاء (العربي الجديد)

ويكرر الحسن، في حديثه لـ"لعربي الجديد"، ما قاله أحمد المحمد، ويتحدث عن أنه "إذ لم تقتلع العواصف خيامنا، فإن غزارة الأمطار والسيول وتشكل الطين وانقطاع الطرق تحجزنا داخل الخيام ربما لأيام في فصل الشتاء. ونحن لم نعد نستطيع الانتقال بسبب شراء أشخاص الأرض التي توجد خيامهم فيها، وغالبية المقيمين في المخيم أقرباء أو من قرية واحدة".
وتقول المسنّة فضة الياسين لـ"العربي الجديد" خلال وجودها داخل خيمتها الهشّة والمتهالكة: "الشتاء قاسٍ، وأنا لا أستطيع التحرك خلال الأيام العادية إلا بصعوبة فكيف الحال خلال الشتاء مع الطين والسيول. وعندما تمطر نضع أواني في أرجاء الخيمة كي تستوعب المياه، لكن من دون جدوى".
وفيما ينخر الفقر عائلة فضة التي تضم أيتاماً وأرامل، تناشد المنظمات العاملة في منطقة المخيم تأمين مدفأة للشتاء قبل أن يداهم البرد الخيمة.

رفض الانتقال

ويقول أحمد قطيش، وهو منسق تمكين الشباب في منظمة "بنفسج" الإنسانية التي تعمل شمال غربي سورية، لا سيما في محافظة إدلب، لـ"العربي الجديد": "يحتاج تفادي الكارثة بالكامل إلى إمكانيات ضخمة غير متوفرة". 
يتابع: "بنت العديد من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات في السنوات الأخيرة قرى سكنية لعائلات في المخيمات الأكثر عرضة للسيول ومياه الأمطار من أجل تقليل المخاطر، كما نفذت مشاريع لمعالجة تصريف مياه الأمطار، لكن بعض المخيمات لا تزال تعاني من خطر التعرّض لفيضانات ومياه الأمطار، لأن عدد المخيمات العشوائية كبير، ولا يزال بعض سكان هذه المخيمات يرفضون الانتقال لأنهم يعملون في مدن قريبة".

مشكلة المساكن البديلة

وبالانتقال إلى القرى السكنية التي تعرف بـ"مساكن الطوب"، أي المبنية من طوب، والتي أنشئت لنقل سكان المخيمات العشوائية إليها، واستيعاب المرحلين من تركيا تنفيذاً لفكرة روجتها أنقرة، فنفذت بطريقة سيئة بسبب الفساد ونقص المواد المستعملة في عمليات البناء والتجهيز. 
وكانت الحكومة التركية قد روّجت لهذه التجمعات المبنية من طوب في الشمال كحل لإغلاق المخيمات وإعادة اللاجئين طوعاً، لكن هذه المساكن لا تصلح، بحسب القاطنين فيها، للاستخدام الآدمي بسبب إنشائها بطريقة سيئة، ما يجعل مياه الأمطار تتسرّب إليها في الشتاء، وتخترقها الحرارة في الصيف، في حين أنها تفتقر إلى مرافق وبنى تحتية، لا سيما شبكات المياه والصرف الصحي والطرقات المؤدية إليها وعمليات ترحيل القمامة وغيرها، ما دفع الكثير ممن سكنوا فيها إلى المغادرة".
وتُشير معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" إلى أن التجمعات بنتها شركات بإشراف منظمات تركية من بينها "آفاد" لإدارة الطوارئ والكوارث، ووقف الديانة التركية، باستخدام أموال قدمها مانحون، لا سيما من دولة قطر بشكل رئيسي وأوروبيين. وقد احتكرت الحكومة التركية إنشاء هذه التجمعات عبر شركات ومنظمات تابعة لها من دون أن تسمح للمنظمات السورية بالمشاركة فيها، لكن تركيا لا تعترف بسوء تنفيذ هذه التجمعات من قبل منظماتها وشركاتها.

التدخل عند الكارثة فقط

يتحدث وائل العبد الله، المسؤول في منظمة "شفق" للإغاثة الإنسانية، لـ"العربي الجديد"، عن أن التدخل في هذه التجمعات والمخيمات العشوائية يحصل في حالات الطوارئ بحسب ظروف كل مشكلة. ويقول لـ"العربي الجديد": "مع كل تحذير من منخفض جوي نرفع جاهزية فرقنا للمواجهة والاستجابة، لكننا لا نستطيع القيام بالكثير قبل ذلك".
يتابع: "ننفذ حالياً مشروعاً لإنشاء شبكة صرف صحي في تجمع كبير لمخيمات تل الكرامة شمالي محافظة إدلب، ما قد يساعد في استيعاب موجة السيول، لكن الحلّ النهائي يتمثل في إنهاء حالة المخيمات العشوائية. في العام الماضي وضعنا خطة لنقل مخيم المشاميس شمالي إدلب، لكن أهالي المخيم رفضوا الانتقال إلى وحدات سكنية، لأنهم من مربي المواشي. وواضح بالتالي أن السعي وراء الرزق يشكل أحد الأسباب التي تدفع سكان المخيمات إلى البقاء في أماكنهم، رغم ما تحمله ظروف الشتاء وعوامل الطقس السيئ إليهم".
وتقع معظم المخيمات العشوائية في طرقات مجرى السيول، لأنها أنشئت في أراضٍ منخفضة. ويتحدث متخصصون لـ"العربي الجديد" عن أن الحل يتمثل في تغيير مجرى السيل، وهو أمر مكلف ويحتاج إلى إمكانات كبيرة، أو نقل سكان المخيمات الذي يحتاج بدوره إلى إمكانات كبيرة، ويواجه الكثير من التحديات". 

ذات صلة

الصورة
فلسطينيون في مخيم نزوح عشوائي في رفح - جنوب قطاع غزة - 2 فبراير 2024 (محمد عابد/ فرانس برس)

مجتمع

تأتي أمطار فصل الخريف الأولى لتضاعف معاناة النازحين الفلسطينيين الذين هجّرتهم الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ نحو عام.
الصورة
الحرب والفقر والتلوث يقضي على حياة السوريين (العربي الجديد)

تحقيقات

لا خيارات أمام النازحين في الشمال السوري، إذ تحاصرهم نفايات المصافي النفطية البدائية المعروفة بـ"الحراقات" ويتراكم تأثيرها الملوث في الهواء والماء ليقتلهم
الصورة
تتكرر الفيضانات في اليمن (محمد حمود/ Getty)

مجتمع

يواجه اليمنيون مأساة تلو الأخرى، وكان آخرها السيول والفيضانات التي اجتاحت محافظة الحديدة وخلفت قتلى وأضراراً كبيرة.
الصورة
السيول شردت النازحين (فرانس برس)

مجتمع

تزيد الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات آلام السودانيين المنكوبين أصلاً في ظل الحرب المستمرة منذ إبريل/ نيسان 2023 والنزوح واللجوء.
المساهمون