تستمرّ معاناة قطاع غزة في تزويد المستشفيات الحكومية والجمعيات الخيرية وغيرها بالأدوية منذ سنوات، أضيفت إليها مشاكل شملت القطاع الخاص الذي يبيع أدوية لا تندرج ضمن تغطية التأمين الصحي أو البرامج الطبية للاجئين الفلسطينيين، عدا عن اختلاف أسعار الأدوية من صيدلية إلى أخرى، في ظل غياب الرقابة. ويضطر البعض إلى قطع مسافات كبيرة لشراء أدوية توفرها صيدليات بأسعار أقل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم أهالي القطاع.
يقول سعد حجازي (56 عاماً): "أعاني من أمراض مزمنة كالسكري والضغط. وخلال العامين الماضيين، كنت أجد صعوبة في تأمين الأدوية، ولاحظت اختلاف أسعارها من صيدلية إلى أخرى. نسمع عبر الراديو أن وزارة الصحة تراقب الأسعار"، لافتاً إلى أن بعض العائلات تعجز عن شراء الدواء. وحاله ليس أفضل كونه متقاعداً ويتقاضى راتباً حكومياً.
ويعتمد الكثير من سكان القطاع على عيادات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) للحصول على الأدوية في إطار برامج طبية، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة. كما يتكل آخرون على العيادات الصحية التابعة لوزارة الصحة في القطاع. لكن بين الحين والآخر، يواجهون انقطاعاً في الأدوية. ويضطر البعض إلى شراء الأدوية من الصيدليات في وقت يحاول آخرون الحصول عليها من أي مصدر متاح كالأطباء أو المتبرعين أو جمعيات خيرية، على غرار عماد الحداد (60 عاماً). قبل أسابيع، تكفلت إحدى الجمعيات بتزويده بأدوية نتيجة إصابته بمرض "قدم الفيل"، بعدما كان قد عانى لتأمين المال لشراء الأدوية اللازمة، ولاحظ اختلاف الأسعار بين الصيدليات.
ويقول الحداد لـ "العربي الجديد": "أخيراً، وصلت كلفة علاجي إلى نحو 87 دولاراً أميركياً، علماً أنني كنت أدفع أقل من ذلك المبلغ بكثير في أحيان أخرى، وكأن كل صيدلي يعمل على هواه. أحتاج إلى أدوية ومسكنات طوال الوقت"، لافتاً إلى أن جميع أبنائه عاطلون عن العمل.
وفي فبراير/ شباط الماضي، نشرت الإدارة العامة للصيدلة التابعة لوزارة الصحة في قطاع غزة أنه "في ظل التغير الملحوظ في أسعار الأدوية في سوق الدواء العالمي، سيتم تعديل أسعار الأدوية في القطاع". وهذا التغير هو الذي أدى إلى ارتفاع سعر الدواء. ويبرر الصيدلي مؤمن العجل ارتفاع أسعار الأدوية واختلافها بين صيدلية وأخرى، بالقول إن الأدوية تدخل القطاع من خلال منافذ ومصادر مختلفة، بالإضافة إلى زيادة الضرائب الحكومية، عدا عن صعوبة إدخالها أحياناً. يضيف أن وزارة الصحة الفلسطينية لا تراعي المواطنين كثيراً وتفرض ضرائب مرتفعة، مشيراً إلى أنه يضطر أحياناً إلى شراء أدوية من المسافرين لتأمينها لبعض مرضاه في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
ويشدد على ضرورة فرض الرقابة على بعض الصيدليات التي تبيع أدوية بسعر مرتفع نتيجة حصولها على وكالة حصرية، وخصوصاً تلك التي تحتاج إليها المستشفيات خلال العمليات الجراحية أو غير ذلك. ويقول العجل لـ "العربي الجديد": "يبيع البعض الصيدليات أدوية لا يحتاج إليها. ويجلب مسافرون أدوية لمرضاهم وأحياناً يبيعونها للصيدليات، من دون أن تكون هناك أية رقابة. نعيش حالة من عدم الاستقرار ولا أحد يستطيع منع المواطن من بيع الأدوية لأن الحجة غالباً هي الحاجة إلى المال".
يضيف العجل: "نظام الرقابة الذي تفرضه وزارة الصحة جيد، وإن يشوبه ضعف في ما يتعلق بالصيدليات". ويوضح: "يعاني الناس بسبب الغلاء الذي يشمل كل مقومات العيش. واضطررنا إلى رفع أسعار بعض الأدوية بنسبة 15 في المائة قبل فبراير/ شباط الماضي".
وأخيراً، أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة أنه في ظل عدم الحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، يعاني القطاع الصحي نقصاً حاداً في الأدوية من جرّاء تقليص الدعم والمساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية بشكل كبير، الأمر الذي أثر في تقديم الخدمات العلاجية للمواطنين في المستشفيات والمراكز الطبية، وأدى إلى نقص حاد في الأدوية. أضافت أن "القطاع الصحي الفلسطيني يعاني كباقي القطاعات بشكل كبير نتيجة الحصار المالي الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرضه، ونقص الدعم والمساعدات الدولية"، داعية دول العالم والمنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية، إلى "لجم الممارسات الإسرائيلية، وتوفير بيئة صحية للمعتقلين في السجون الإسرائيلية، وتوفير العلاج اللازم لهم".