جمعيات نسوية في الداخل الفلسطيني: العالم يهمل نساء غزة في يوم المرأة

08 مارس 2024
فلسطينيات قطاع غزة في رحلات نزوح لا تنتهي (محمد صابر/ EPA)
+ الخط -

يحلّ يوم المرأة العالمي هذا العام في وقت تتواصل فيه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، علماً أنّ عدد الفلسطينيات اللواتي استشهدنَ منذ ذلك الحين يُقدَّر بنحو 9000 امرأة.

وقد عبّرت جمعيات نسوية في الداخل الفلسطيني عن تضامنها مع نساء قطاع غزة اللواتي يعانينَ لليوم الـ154. "السوار- حركة نسوية عربية" واحدة من هذه الجمعيات، وقد راحت تجمع وتنشر شهادات لنساء فلسطينيات من غزة، في ظلّ الحرب وتداعياتها الكبيرة. وتُعرّف "السوار" عن نفسها بأنّها تعمل في إطار مكافحة ظواهر العنف عموماً، والاعتداءات الجنسية على النساء خصوصاً، في المجتمع العربي الفلسطيني.

تحكي مديرة جمعية "السوار" لمياء نعامنة لـ"العربي الجديد" عن "شعور بالحزن والكآبة والخيبة من البشرية جمعاء في يوم المرأة العالمي، وذلك وسط العدوان المستمرّ على قطاع غزة"، مشيرةً إلى أنّ هذا هو شعورها بصفتها امرأة في الدرجة الأولى وبصفتها متحدّثة باسم جمعيتها النسوية.

تضيف نعامنة أنّه "انطلاقاً من أنّنا بنات شعب واحد ومن مسؤولياتنا بعضنا تجاه بعض، من المهمّ أن نوثّق رواياتنا وأن يبقى صوتنا بصفتنا نساء مسموعاً اليوم". وتتابع: "نحن نوثّق قصص نساء نكبة 48، وما تبقّى من ذكريات جداتنا وأمهاتنا عن النكبة. واليوم من منطلق مسؤوليتنا تجاه ما يحدث مع نساء غزة وسط الحرب القائمة، تمكنّا من جمع 20 شهادة رغم صعوبة الوصول إلى النساء. ففي حين كان عدد منهنّ في القطاع، كانت الأخريات قد خرجنَ منه".

وتوضح نعامنة: "وثّقنا رواياتهنّ وقصصهنّ بالتفصيل عن الحرب البشعة". وتؤكد أنّ "الحروب ليست فقط الموت والأشلاء، إنّما كذلك الفقد"، متحدّثة عن "الفقد الكبير جداً، إذ إنّ النساء غير قادرات على توديع موتاهنّ".

كذلك تخبر مديرة جمعية "السوار" عن "الخصوصية التي تفتقر إليها النساء في قطاع غزة"، لافتةً في سياق متصل إلى فقدان مستلزمات النظافة الشخصية وتلك الخاصة بالمرأة من قبيل الفوط الصحية، بالإضافة إلى الوقوف في طوابير طويلة من أجل استخدام الحمامات أو دورات المياه.

وتتابع نعامنة مشيرةً إلى "معضلة" تتعلّق بمن يحسم قرار البقاء في المنزل أم لا عند التهديد بالقصف، مبيّنةً أنّ "ثمّة نساء قرّرنَ هنّ الخروج من البيت مع أولادهنّ، فيما يلازم الزوج المنزل".

في الإطار نفسه، تتحدّث منسّقة مشروع توثيق شهادات النساء الفلسطينيات في قطاع غزة "نعيش ونحكي - شهادات نساء من غزة" آية زيناتي عن أهمية المشروع، وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "أهمية التوثيق تكمن في سماع صوت النساء، من بينهنّ زميلات لنا". وتشدّد على أنّ "دور النساء الفلسطينيات في الداخل مهمّ جداً في هذه المرحلة؛ دورنا في إيصال صوت نساء شعبنا في قطاع غزة".

وتؤكد زيناتي: "وجدنا في هذه الطريقة وسيلة لإسماع صوتهنّ ولسماع منحى آخر لتجارب الحرب التي تمرّ بها النساء، من قبيل الصعوبات وانعدام الخصوصية". تضيف أنّ ثمّة "تعاوناً في هذا الخصوص مع مركز شؤون المرأة - غزة".

وتشير زيناتي إلى أنّ "امرأة أكدت في شهادتها أنّها ما زالت تتعرّض لعنف (أسري) من قبل زوجها، على الرغم من النزوح". وتبيّن أنّ "من خلال خبرتي في البحث ونقل الشهادات والتواصل المستمرّ مع نساء غزة منذ عام 2012، كلّما كان الحصار والعدوان خانقَين، تزايد العنف في حقّهنّ أكثر".

ولا تخفي منسّقة مشروع توثيق الشهادات أنّ "ثمّة تحديات كبيرة واجهناها في تواصلنا مع النساء في قطاع غزة وسط الحرب. وكان الأمر واضحاً لنا"، علماً أنّ "العمل على هذا المشروع بدأ في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي". وتشرح زيناتي أنّ التحديات شملت "انقطاع شبكة الاتصال، بالإضافة إلى أنّ النساء لا يستطعنَ التحدّث عن أوضاعهنّ وهنّ في حالات نفسية صعبة. كذلك فإنّ ثمّة نساء نازحات محرومات من الخصوصية، بالتالي يطلبنَ الاتصال مجدداً في أوقات أخرى".

شهادة من غزة: الموت يقترب منّا أكثر فأكثر

في إحدى الشهادات التي نشرتها جمعية "السوار- حركة نسوية عربية" في إطار "نعيش ونحكي - شهادات نساء من غزة"، تحت عنوان "نزحنا، ولكن لا أمان هنا"، تقول امرأة فلسطينية في قطاع غزة إنّ "الموت يقترب منّا أكثر فأكثر.. نحن نعيش أياماً لم نعشها من قبل". وتخبر المرأة البالغة من العمر 40 عاماً أنّه "بين ليلة وضحاها، أصبحتُ نازحة ومشرّدة. من يعرف كلمة نازحة يعلم تماماً أنّها تعني أنّنا بلا بيت يؤوينا ولا فراش (...)، ويدرك أن لا وجود للخصوصية ولا للأمان، وفيها تفقد أدنى مقوّمات الحياة والكرامة".

وتبيّن المرأة نفسها أنّها "من سكان مدينة غزة (شمال)" في الأساس، غير أنّها تقيم في الوقت الراهن "في مدينة رفح (أقصى الجنوب) بعد رحلة نزوح مدّتها شهران، تنقّلتُ فيها ما بين غزة وخانيونس ورفح، بسبب القصف الإسرائيلي وتهديد المناطق بالإخلاء واللجوء إلى رفح". وتشير إلى أنّ رفح "بحسب ادّعائهم (القوات الإسرائيلية) منطقة آمنة، لكنّني لا أشعر بالأمان ولو للحظة واحدة، فالقصف ما زال مستمراً. عشرات الصواريخ الثقيلة تنهال على البيوت بمن فيها، وأصوات المدفعية لا تتوقّف وتُخيفنا ليلاً ونهاراً".

تضيف المرأة الفلسطينية في شهادتها: "أقضي يومي في إعداد الطعام لأسرتي على نار الحطب التي لجأنا إليها بديلاً من غاز الطهي"، لافتةً إلى أنّ "صدري ما زال يؤلمني بسبب ما أستنشقه من دخان يومياً".

وتحكي المرأة الأربعينية عن "رحلة البحث عن المياه وتأمينها" التي تعدّها "حكاية أخرى". وتشرح: "علينا أن ننقل المياه كما الجميع. نصطفّ في طوابير لساعات أمام آبار المياه، ليأتي أخيراً دورنا. ننقل المياه ونمشي مسافات طويلة ونحن نحملها بين أيدينا وعلى رؤوسنا لنستخدمها في غسل ملابسنا والاستحمام".

وتؤكد المرأة، في شهادتها، أنّ "هذا كله يرهقنا"، لا سيّما أنّ ثمّة "مهام لم نعتد عليها. هذه الأشياء كانت متوفّرة لدينا قبل النزوح، عندما كانت لنا حياة آمنة. نعمل وندرس ونخرج للتنزه وزيارة الأقارب والأصدقاء". وتتابع: "كان لي بيت، تعبتُ كثيراً عند بنائه، كلّ محتوياته اشتريتها بنفسي، أشياء أطفالي وألعابهم"، وتتحسّر: "ذكرياتنا هناك. كلها ذهبت من دون عودة، نتيجة تدميرها من قبل الاحتلال".

وتكمل المرأة الفلسطينية سردها قائلةً: "ساعات كثيرة أقضيها في التفكير بما هو آتٍ. هل ستنتهي هذه الحرب؟ هل سننجو منها؟ وإن نجونا، كيف سنعود إلى (مدينة) غزة التي تغيّرت ملامحها وشوارعها؟ هل سأنام في خيمة أنا وكلّ من دُمّرت بيوتهم؟ أسئلة لا أجد لها إجابات، ولا أحد يستطيع الإجابة عنها. فما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حقّنا كنساء وأطفال، يحدث على مسمع وتحت نظر العالم كله".

أين مواثيق الغرب ممّا يحدث لنساء غزة؟

من جهتها، أصدرت جمعية "كيان - تنظيم نسوي" إلى جانب "منتدى جسور النسائي القطري" بياناً تحت عنوان "يوم المرأة العالمي يتجاهل نساء غزة". وأوضحت المؤسستان أنّ يوم المرأة العالمي يتزامن هذا العام مع استمرار العدوان على قطاع غزة بقتل نسائه ورجاله وأطفاله من جميع الأجيال، وتحويله إلى جحيم غير صالح للحياة، فيما تستمرّ الحكومات المتواطئة بترديد شعارات مجرّدة من الإنسانية، بعد أن جُمّدت المعاهدات والاتفاقيات وشُلّت المؤسّسات التي كان في إمكانها تغيير المعادلة الإنسانية في غزة. وتعلن الأمم المتحدة الثامن من مارس/ آذار يوماً للاحتفاء بإنجازات المرأة حول العالم، فيما تتجاهل قطاع غزة، حيث أصبح أكبر إنجاز هو البقاء على قيد الحياة والحصول على كيس طحين في حرب إبادة وتجويع ممنهجة".

ورأت "كيان" و"جسور" في بيانهما أنّه "كان من الأوجب أنّ يُخصَّص هذا اليوم للدفع في اتجاه الحدّ من معاناة النساء اللواتي يصارعنَ من أجل البقاء؛ المحاصرات في مرمى النار، واللواتي يلدنَ في العراء من دون تخدير، والطبيبات اللواتي يجرينَ العمليات الجراحيّة من دون تخدير، والجريحات والثكالى واليتيمات والمهجّرات والأرامل وآلاف البنات الصغيرات اللواتي قُصفت بيوتهنّ ومدارسهنّ وأحلامهنّ، واللواتي اضطرّتهنّ الحرب إلى تبنّي إخوتهنّ بعد فقدان أهلهنّ".

وممّا جاء في بيان "كيان" و"جسور": "نقف أمام مسؤوليّتنا كمؤسسات مجتمعية ونسوية فلسطينية تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني وعن النساء والنسوية الفلسطينية، التي لا يمكنها إلّا أن تشمل الجميع أو لا تكون، لنسأل بصراحة: أين تلك المواثيق التي صاغها الغرب بصناديقه وجمعيّاته ومجالسه وهيئاته السياسيّة المختلفة ممّا يحدث لنساء غزة؟".

أضافت المؤسستان: "كلّ هذا الموت والدمار والنزوح والفقدان والعذاب التي تعيشها النساء في القطاع لم تحرّك ساكناً في تلك الأجسام الدولية لتوليهنّ (نساء قطاع غزة) الأهمية والأولوية في يوم المرأة العالمي. تلك الأجسام التي صدعت رؤوسنا بقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والأسرة، وقفت على مدى أكثر من خمسة أشهر إمّا عاجزة حيال الإبادة وإمّا متواطئة معها، حتّى باتت كلّ هذه الكلمات خاوية والمواثيق عاقر"، وبيّنتا أنّها "لم تثمر حتّى إدانة واضحة ومطالبة صريحة بوقف المجازر ومحاسبة المجرمين. ولم تثمر للأسف أيّ قرار أو خطوة أكبر من الشعور بالقلق إزاء إبادة أكثر من 30 ألف إنسان ومحو المدن عن بكرة أبيها".

وطالبت "كيان" و"جسور" حكومات العالم، في يوم المرأة العالمي، بأن "تنصاع للحقّ والعدالة ومواثيق حقوق الإنسان وإرادة شعوبها"، وأن "تفعل اللازم لوقف الجرائم ضدّ شعبنا في غزة".

المساهمون