حذّرت اللجنة الصحية في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بقطاع غزة، في بيان أصدرته في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، المدارس من استقبال التلاميذ الذين تظهر عليهم أعراض حرارة أو عطس أو آلام في البطن أو اصفرار أو تقيؤ، بعد رصد انتشار كبير لفيروسات الشتاء بين الأطفال في الصفوف المكتظة، خصوصاً في المراحل الابتدائية.
وعموماً أثار الانتشار الواسع والسريع للفيروسات الشتوية في منازل ومدارس غزة ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أجمعت على أن هذا الانتشار يخالف الوضع في أي وقت مضى، وأنّ الأعراض لا تشبه تلك لفيروس كورونا ومتحوراته.
وبعدما أصيب جميع أفراد أسرة محمود سكيك (40 عاماً) بالفيروس، اعتقدوا في البداية أنهم يعانون من كورونا، لكن الأعراض الجديدة اختلفت عن أعراض كورونا التي كان بعضهم أصيبوا بها قبل عام ونصف العام. وحين اتصل سكيك بالرقم الساخن للطب الوقائي علم أنّ أعراضه تتشابه مع كثير من الأسر التي تعاني من الفيروسات الموسمية، وتنتشر في الشتاء الحالي بشكل غير مسبوق.
يقول سكيك لـ "العربي الجديد: "لا تتوفر أدوات سلامة أو تدابير لفرض التباعد بين الأطفال في المدارس الحكومية وحتى وكالة الأونروا. التقط طفلاي بهاء (9 أعوام) ومجد (11 عاماً) فيروسات من المدرسة التي أبلغني مسؤولوها أن الكثير من التلاميذ يعانون من الأعراض، فلماذا لا توضع خطط طوارئ للفيروس السريع الانتشار، والذي يترافق مع أعراض صحية سيئة، ويشكل خطراً كبيراً أيضاً على كبار السن؟".
وفيما يضم مخيم الشاطئ أربع مدارس متلاصقة مع بعضها البعض ومع منازل في المخيم، أصيب عدد كبير من التلاميذ بالفيروس، واضطرت إدارتها إلى فحص التلاميذ، ومنح إجازة لمن تظهر عليهم الأعراض. وباعتبار أنّ سعيد نوفل يعيش مع عائلته التي تضم نحو 20 فرداً منذ سنوات في منزل من طابقين، أصيب غالبيتهم بأعراض الفيروس المخلوي التنفسي.
ويقول نوفل (45 عاماً)، وهو عاطل عن العمل، لـ "العربي الجديد": "إذا عطس أي شخص في المخيم ينقل العدوى إلى الشارع كله. أصبح المخيم صندوقاً مغلقاً. لا مشاريع لتطوير المنازل ولا مساكن، ووضعنا سيئ في مواجهة أي أمراض، ولا نستطيع منع أطفالنا من مخالطة أقرانهم في الخارج أو المدارس، ولا نعرف أساساً ما هي وسائل الحماية".
ويربط طبيب الأمراض الصدرية عمر الشياح، في حديثه لـ"العربي الجديد" انتشار الفيروسات الشتوية في قطاع غزة باختلاط الناس والتلاصق والكثافة السكانية التي تزداد مع مرور السنين "ما يجعل المجتمع في قطاع غزة يتعرض لانتشار سريع للأوبئة المعدية. ويوضح أن فيروس المخلوي التنفسي يصيب الجهاز التنفسي، ويسبب مخاطر كبيرة في حالات طبية معينة تشمل كبار السن، وأصحاب المناعة الضعيفة، وأمراض الأورام والربو.
ويحذر من فعالية وانتشار الفيروس، خصوصاً في أماكن التجمعات والمدارس، وأجساد الأطفال تحديداً تظهر عليهم أعراض نزلات البرد والرشح. وهم يتأثرون بمحيطهم وبسرعة انتقال الفيروس الذي يلحق ضرراً كبيراً أيضاً بكبار السن. ويقول: "المشكلة أن مجتمع قطاع غزة يستخدم وسائل تدفئة بدائية، وتعاني عائلات من البرد داخل المنزل وحتى من برد المياه المستخدمة، كما أن بعض الأطفال يميلون إلى عدم غسل أياديهم".
ويعتبر مدير دائرة الطب الوقائي في وزارة الصحة بغزة، مجدي ضهير، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ انتشار الكثير من الفيروسات في فصل الشتاء يندرج ضمن أنواع الأنفلونزا الموسمية، لكن الملاحظ حالياً استناداً إلى حالات تواصل المرضى مع الطب الوقائي، وتوجه كثيرين لإجراء فحوص في ظل اعتقادهم بإصابتهم بكورونا، أن أكثر الأنواع المنتشرة هو الفيروس المخلوي التنفسي. ويوضح أنّ "الاكتظاظ داخل المدارس والمنازل والكثافة السكانية في قطاع غزة والشوارع الضيقة تنشر الفيروس بسرعة، وهذا سبب آخر ساعد في انتشاره مثل قلة التهوية في المنازل، ما لا يسمح بتنقية الأجواء الداخلية، خصوصاً للأطفال المصابين بعدوى".
يضيف: "مشكلة الفيروسات عامة في غزة، وترتبط تحديداً بعدم وجود تدابير للأزمات الصحية بسبب ضعف الإمكانات. وفيما نوصي مثلاً بتناول أغذية تحتوي على فيتامين سي، لا تستطيع عائلات شراء كيلو ليمون من شدة الفقر. وبحسب ما شاهدناه ليس سهلاً الوقاية من العدوى، ورصدنا معاناة كثير من أصحاب الأمراض المزمنة من الفيروس بشدة، لكن ليس بدرجة مميتة".