ما إن دخل فصل الصيف وبدأت درجات الحرارة بالارتفاع حتى عادت مشكلة تأمين مياه الشرب في منطقة الباب شرقي حلب، شمال غربي سورية، نتيجة لازدياد الطلب على المياه، وجفاف أربع آبار كانت تغذّي المنطقة بشكل مؤقت، بعد أن سيطرت قوات النظام السوري على محطة عين البيضا، التي كانت تروي المنطقة بمياه نهر الفرات منذ عام 2017.
ويقول الناشط وابن مدينة الباب، عمار نصار، لـ"العربي الجديد" إن سكان مدينتي الباب وبزاعة وريفيهما وبلدة قباسين وريفها يعانون من تأمين مياه الشرب بسبب سيطرة قوات النظام على محطة عين البيضا، التي تبعد عن مدينة الباب نحو 12 كيلومتراً، ولا يمكن حل هذه المشكلة إلا بتشغيل هذه المحطة أو استجرار خط جديد من نهر الفرات أو حفر آبار إرتوازية واستجرار المياه من بحيرتين قرب قرية الراعي.
وأضاف أن نحو نصف مليون نسمة من السكان والنازحين ناشدوا مرات عديدة لحل هذه المشكلة القديمة - الحديثة، لكن المنظمات المحلية كانت تحاول الحل عبر مشاريع مؤقتة اكنها لم تجدِ نفعاً، حيث وضعت مخططاً لري المدينة لمدة خمس سنوات من آبار تم حفرها حديثاً، لكنها فوجئت بجفافها مع بدء دخول فصل الصيف.
النازح من مدينة الحمصي مهند الحمصي، المقيم في مدينة الباب، قال لـ"العربي الجديد" إن المياه تصل إلى منازل المدينة مرة في الأسبوع لنحو ساعتين، وهذه الكمية لا تكفي السكان، وهناك كثيرون يحتاجون لشراء صهريج مياه مرتين في الأسبوع، حيث يصل سعر الصهريج الذي يحوي خمسة براميل إلى ما بين 40 و50 ليرة تركية.
وبدوره قال النازح علي الأحمد لـ"العربي الجديد" إن أي عائلة تحتاج لتعبئة المياه مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع وآبار المنظمات مهددة بالجفاف، والعمال يعملون من أجل توفير المياه لعائلاتهم فقط، حيث إن أجر العامل اليومي ما بين 30 و40 ليرة، ما يعني أنه سيتمكن من توفير المياه لعائلته فقط.
وارتفعت أخيراً وتيرة التحذيرات من كارثة محتملة قد تشهدها مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، نتيجة نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة، وسط مطالب بتحركات عاجلة لتأمين المياه النظيفة لمئات آلاف السكان، خاصة وأن أزمة المياه ليست جديدة على المنطقة، إلا أن خروج بعض الآبار عن الخدمة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، خلق ظروفاً جديدة، تمثلت بشح المياه وغلاء سعر المتوفر منها.
وكانت كلفة 10 براميل من المياه (2000 لتر) 12 ليرة تركية، ثم ارتفعت تدريجياً إلى 18 ليرة، ووصل سعرها بعد الأزمة الحالية إلى 35 و40 ليرة حسب نوعية ونظافة المياه، لكن هناك مخاوف لدى الأهالي من كارثة صحية وانتشار مرض اللشمانيا أو الجدري أو غيرها، نتيجة بيع مياه ملوثة غير صالحة للاستخدام.
وقال فريق "منسقو استجابة سورية"، في بيانٍ، الثلاثاء الفائت، إن أزمة المياه الصالحة للشرب ما زالت مستمرة في مناطق الباب وجرابلس وتادف والقرى المحيطة بها، والواقعة ضمن ما تعرف بمنطقة "درع الفرات"، شمال شرقي محافظة حلب، وسط غياب أي نوع من الحلول الجذرية التي تخفف معاناة المدنيين.
وأشار بيان الفريق إلى أنه على الرغم من تدخل العديد من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة والسلطات المحلية، "إلا أنها لم تقدم حلولا كافية لإنهاء أزمة المياه في تلك المناطق مع مخيماتها"، مؤكدةً أنه "وصل سعر برميل المياه إلى 11 ليرة تركية (نحو نصف دولار) في المنطقة، عدا عن الاعتماد على مياه الآبار غير المعقمة".
وأوضح الفريق أن "الاعتماد على مياه الآبار أدى إلى جفاف معظمها وتلوث أخرى، وانخفاض واضح في منسوب المياه الجوفية في المنطقة، الأمر الذي يعرضها إلى خطر الجفاف بشكل أكبر"، وحذر كافة الجهات المعنية من استمرار أزمة المياه في ظل تفاقم الظروف المعيشية للأفراد وارتفاع أسعار مياه الشرب في العديد من المدن والأرياف، لافتاً على أن "هناك نسبة كبيرة من السكان لا تحصل على مياه الشرب النظيفة بشكل منتظم، والتي ستشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان في أماكن وجودهم، أو ستجبرهم على النزوح إلى أماكن أخرى بحثاً عن الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه بجودة مقبولة".
وطالب الفريق "كافة المنظمات العاملة في مناطق ريف حلب الشمالي بالعمل على توحيد الجهود بشكل كامل وإيجاد حل جذري لتلك القضية من خلال العمل على نقل مياه الشرب من مناطق نهر الفرات إلى تلك المناطق وإنشاء محطات لمعالجة المياه".