- يُظهر الوثائقي تفاني البرش في عمله تحت الحصار، ويسلط الضوء على استشهاده في سجون الاحتلال، مما أثار موجة من الحزن والتضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- تتوالى ردود الفعل الدولية معبرة عن التعازي والإشادة بشجاعة البرش، وتدعو لمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية وضرورة العدالة لضحايا الاحتلال.
في تسجيل وثائقي قديم، انتشر أمس الخميس على موقع إكس، كان الجرّاح الفلسطيني عدنان البرش يخبر عن أطباء زملاء له استشهدوا. ويستذكر الطبيب منذر قراقع الذي استشهد خلال مغادرته مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة شمالي القطاع المحاصر، والطبيب أيمن أبو العوف الذي أنهى جولته على مرضاه وتوجّه إلى منزله الواقع في جوار المستشفى، فسقط منزله عليه بعد عشر دقائق فقط. وقال البرش: "فش (لا يوجد) احترام للقوانين الدولية. فش احترام للمدنيين. فش حرمة للإنسان. أنت تحت احتلال".
وفي خبر مستجدّ، أُعلن مساء أمس استشهاد عدنان البرش في سجون الاحتلال بعد اعتقاله من مجمع الشفاء الطبي، في حين أنّ الاحتلال الإسرائيلي ما زال يحتجز جثمانه منذ 14 يوماً، بحسب ما أفاد نادي الأسير الفلسطيني.
ويروي البرش الذي أبصر النور في مدينة جباليا شمالي قطاع غزة في عام 1973، في التسجيل الوثائقي، كيف أنّ زوجته استوقفته في إحدى المرّات وهو يهمّ بالتوجّه إلى مجمع الشفاء الطبي حيث كان يرأس قسم جراحة العظام، وحملت أطفالهما إليه وأحضرت كاميرا وصوّرته معهم. خنقت غصّة البرش قبل أن يضيف: "شعرت بأنّها تودّعني. بالفعل كنت طالع على (ذاهب إلى) الموت". لكنّ ذلك الموت تأخّر بضعة أعوام.
وبعدما أعلن نادي الأسير الفلسطيني استشهاد عدنان البرش رسمياً استناداً إلى معلومات أُبلغت بها الشؤون المدنية الفلسطينية (جهة التواصل مع الجانب الإسرائيلي)، وذلك في سجن عوفر الإسرائيلي في 19 إبريل/ نيسان الماضي، راحت تتوالى المنشورات التي تعلن استشهاده وترثيه.
ولعلّ زميله وصديقه الجرّاح الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة كان من أوائل هؤلاء، وقد نشر سلسلة تدوينات على موقع إكس في هذا السياق. في واحدة من تلك التدوينات، كتب: "صديقي الدكتور عدنان البرش ضُرب حتى الموت على يد حرّاس السجن الإسرائيليين". وكان أبو ستة قد أفاد، في تدوينة خبريّة أولى، بأنّ "إسرائيل قتلت الدكتور عدنان البرش، رئيس قسم جراحة العظام في مجمع الشفاء الطبي، في السجن. أُخذ رهينة من مستشفى العودة. عُذّب حتى الموت على يد الجيش الإسرائيلي في معتقلاته السريّة. كان جرّاحاً ممتازاً، مفعماً بالحياة. تلقّى تدريبه في مستشفى كينغز كولدج" في المملكة المتحدة.
وفي تدوينة لاحقة على موقع إكس نفسه، كتب أبو ستة: "ربّما تتجرّأ الجمعية الطبية البريطانية وتدين قتل الدكتور عدنان البرش على يد الجيش الإسرائيلي، لأنّه تلقّى تدريبه (الطبي) في المملكة المتحدة"، قبل أنّ يعيد نشر تدوينات تناولت زميله وصديقه الشهيد. كأنّما أراد أبو ستة تعريف الناس إلى شهيد ظلَّ صامداً في شمال قطاع غزة الذي عُزل عن وسط القطاع وجنوبه، وراح يقاوم من خلال تقديم ما يستطيع من خدمات طبية إلى من يحتاجها من أبناء جلدته في القطاع المحاصر والمستهدف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
Dr Adnan Al-Bursh. Murdered by the Israeli army while in detension. pic.twitter.com/1aIcYXkUyq
— Ghassan Abu Sitta (@GhassanAbuSitt1) May 2, 2024
عدنان البرش صمد 196 يوماً منذ السابع من أكتوبر، وقد أجرى خلالها عمليات جراحية وقدّم خدمات طبية أخرى عندما لم تعد الإجراءات الجراحية ممكنة بسبب فقدان المستلزمات المطلوبة مع تشديد الحصار أكثر فأكثر على الفلسطينيين في قطاع غزة. وبقي صامداً بعد اعتقاله وتعذيبه إلى حين لفظ أنفاسه الأخيرة.
بدورها، كتبت السفيرة الفلسطينية لدى باريس هالة أبو حصيرة على موقع إكس: "كان يُدعى عدنان أحمد البرش. كان بروفسوراً كبيراً (...) كان صديقاً غالياً. كان أباً وأخاً، وكان واحداً من هؤلاء الأشخاص الذين يجدون في اللطف والتفاني من أجل الآخرين معنى لحياتهم". أضافت أبو حصيرة أنّ "جيش الاحتلال الاسرائيلي اختطف عدنان البرش تعسفياً من مستشفى العودة في مدينة جباليا (شمال) وقد عذّبه جلادوه، قبل أن يغتالوه بأسلوب جبان لمنعه من الإدلاء بشهادته حول الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في مجموع المستشفيات الفلسطينية" في قطاع غزة.
وقد رأت أبو حصيرة في استشهاد صديقها عدنان البرش مناسبةً للمطالبة مرّة أخرى بوضع حدّ لإفلات إسرائيل من العقاب، في حين تمضي في استراتيجية الإبادة الجماعية التي تنتهجها في فلسطين وفي قطاع غزة خصوصاً. وتوجّهت بذلك إلى سلطات العدالة الدولية وإلى كلّ الدول التي تشكّل مجتمع الأمم، لافتةً إلى أنّه لم يعد في الإمكان تأجيل ذلك. وشدّدت على وجوب أن يمثل المسؤولون في حكومة الاحتلال أمام العدالة ويُدانوا على أساس جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي اقترفوها، قبل فوات الأوان.
الطبيب النرويجي الناشط مادس غيلبرت من بين هؤلاء الذين رثوا الشهيد عدنان البرش. وكتب في تدوينة على موقع إكس: "الدكتور عدنان، جرّاح فلسطيني متفانٍ ومناضل شجاع استثنائي من أجل أهل غزة، استشهد تحت التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اعتقاله في أثناء قيامه بعمله الإنساني". وعلى الرغم من أنّه يدرك الإجابة، يسأل غيلبرت المدافع الشرس عن القضية الفلسطينية والذي عمل لسنوات طويلة في مستشفيات قطاع غزة وزامل بلا شكّ الشهيد: "لماذا لا يُلقى القبض على الجناة ويُحاكمون من قبل المحكمة الجنائية الدولية استناداً على جرائم الحرب الشنيعة التي ارتكبوها؟".
في التسجيل الوثائقي الذي انتشر من دون أن يظهر تاريخه، وقد يكون سُجّل في أيّ وقت من الفترة الممتدّة ما بين عام 2018 وعشيّة السابع من أكتوبر من عام 2023، يتنقّل عدنان البرش في مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات قطاع غزة الذي بدأ الاحتلال الإسرائيلي من خلاله باستهداف المنظومة الصحية في القطاع، في إطار حربه المدمّرة الأخيرة عليه. يُسأل: "ماذا لو لم يحدث عدوان؟"، فيجيب: "كنت لأكون يومياً بين أطفالي، وكان الأمر لينطوي على نوع من الرفاهية، ونوع من الاستقرار الاجتماعي، والاستقرار النفسي، والاستقرار الوظيفي". يضيف أنّ الطبيب كان ليبرمج نفسه بحسب جدول مؤتمرات في دول أخرى مثلاً، "لكنّ ظروف الحصار منعتنا من ذلك". ويشير البرش إلى أنّه في ظلّ الاحتلال، "عندما تكون نائماً في منزلك، من الممكن أن ينهار كلّه عليك، فتتغيّر كلّ حساباتك وحسابات بيتك وحسابات أهلك وحسابات المنطقة كلها... أنت وعائلتك كلها".
وخلال مسيرات العودة، لا سيّما في 14 مايو/ أيار من عام 2018، تأهّب عدنان البرش وفريقه الطبي. فقد "أُعلمنا بأنّ ثمّة إصابات كثيرة"، بحسب ما قال في التسجيل الوثائقي المتداول نفسه. وتابع أنّ في تلك المسيرة التي "سقط فيها 260 شهيداً و2500 مصاب، عملنا على 84 إصابة في قسم جراحة العظام وحده. وبمفردي، عملت على 28 إصابة. كنّا نجري عمليّتَين جراحيّتَين في الوقت نفسه، في غرفة واحدة. كذلك رحنا نجري عمليات في ممرّات المستشفى". وتتخلّل التسجيل نفسه لقطة له وهو نائم جلوساً على كرسيّ، فيما الدماء تغطّي قفّازَيه الجراحيَّين ورداءه... هي دماء فلسطينيين من غزة استهدفهم الاحتلال في ذلك اليوم. ويُطرَح السؤال: هل غرق عدنان البرش في دمائه عندما استشهد في معتقلات الاحتلال؟
في تدوينة نشرها عدنان البرش بعد نحو ثلاثة أسابيع من الحرب التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع عزة، أكد "(نحن) صامدون" و"ثابتون" و"مرابطون"، مرفِقاً كلامه بصورة لمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، قبل أن يتحوّل خراباً، ذلك المستشفى حيث كان الشهيد فيه بالفعل مرابطاً وصامداً وثابتاً. وشدّد البرش في المنشور نفسه على أنّ "لن نغادر... إلا إلى السماء... أو إلى بيوتنا كراماً". كأنّما كان يتنبّأ بقدره.. شهيد فلسطين.
#مستشفى_الشفاء
— د.عدنان البرش Adnan Albursh (@DrBursh) October 29, 2023
صامدون، ثابتون، مرابطون..
لن نغادر... الا الى السماء.. او الى بيوتنا كراما.#طوفان_الأقصى #طوفان_القدس #غزة_تقاوم#هنا_غزه_العتيده#غزة_تحت_القصف#GazaUnderAttack #Gaza_under_attack pic.twitter.com/jksxNji5in