يستمرّ نزوح الصوماليّين إلى المدن الكبيرة في جنوب البلاد، وقد وصلت نحو 8 آلاف أسرة إلى ضواحي مدينة بيداوا (مركز حكومة ولاية جنوب غربي الصومال)، بعد نفوق نحو 700 ألف من الماشية خلال الأشهر القليلة الماضية، في وقت حوّل الجفاف معظم الأراضي الزراعية إلى مساحات قاحلة، وقد أتلفت نحو 70 في المائة من المحاصيل الرزاعية، الأمر الذي يهدّد حياة الكثير من سكان الجنوب. وتوقعت منظمات أممية نزوح ما لا يقل عن 1.3 مليون شخص في المناطق الريفية نحو المدن الكبيرة بحلول منتصف عام 2022.
وفي ضواحي العاصمة مقديشو، وصلت مئات الأسر النازحة من القرى التي تقع على بعد 150 كيلومترا جنوب العاصمة، حيث تواجه نقصاً حاداً في تأمين المستلزمات المعيشية الضرورية، في ظل تقلص وتراجع مستوى الدعم الإغاثي الممنوح للنازحين، الأمر الذي قد يفاقم معاناة النازحين والمشردين في جنوب البلاد، ويعرض حياة الكثير من الأطفال للخطر إذ يواجهون سوء التغذية في مخيمات العاصمة. ومؤخراً، توفي طفلان ووالدتهما في منطقة ربطوري في إقليم بكول نتيجة الجوع.
أوضاع مزرية
وتقول مديرة مخيم العدالة الكائن خارج مقديشو زهرة علي، لـ "العربي الجديد" إن "65 أسرة نازحت وصلت إلى المخيم الأسبوع الماضي، ولم تتلق تلك الأسر حتى الآن أية مساعدات إنسانية، علماً أن أوضاع بعضها مزرية للغاية، وحالات عدد من الأطفال حرجة، وهم مهددون بسوء التغذية ما لم يحصلوا على دعم إغاثي عاجل".
وتشير زهرة إلى أن بعض الجمعيات الخيرية تستطيع توفير أطعمة خفيفة وبسكويت للأطفال لمقاومة الجوع، بينما ينتظر الراشدون المساعدات الإغاثية. وتتمكن بعض الأسر من تأمين الشوفان المصنوع محلياً.
وتقول زهرة إن بعض الأسر الفقيرة في المخيم نزحت بسبب الحرب الدائرة بين الجيش الصومالي ومسلحي حركة الشباب في جنوب البلاد، بينما فرت أخرى من جراء الجفاف الذي أهلك مزارعهم ومواشيهم.
من جهتها، تقول عبد النور التي نزحت من قرية راحولي في محافظة "شبيلي السفلى" (جنوب الصومال) لـ "العربي الجديد"، إن الجفاف أجبر عائلات القرية بأكملها على النزوح نحو العاصمة مقديشو، لافتة إلى أننا "لم نعد نمتلك شيئاً بسبب الجفاف الذي قضى على الإبل والمزرعة التي كنا نمتلكها". تضيف أن "أطفالها الستة باتوا جياعاً خلال ليلتين متتاليتين. ومنذ وصلنا إلى هذا المخيم، لم نحصل على أي مساعدات إنسانية علماً أن معظم أهالي القرية نزحوا إلى هذا المخيم". تضيف: "تفرقت عائلات القرية وعددها نحو 85 أسرة، وشدّت الرحال إلى مناطق مختلفة أخرى بحثاً عن الطعام والماء".
أكواخ متهالكة
وعلى مقربة من مخيم العدالة، يقع مخيم "الهداية" حيث تهرع النازحات إلى تشييد خيام جديدة مصنوعة من أغصان الأشجار والأغطية البالية للوقاية من حرِّ الشمس. وتتدفق الأسر نحو مخيم الهداية من كل حدب وصوب الذي يعد أكبر معسكر للنازحين خارج مقديشو. ويقصد النازحون هذا المخيم عسى أن تجد الأسر النازحة ما يؤمن لهم أساسيات الحياة.
وتقول مدينة حسين التي وصلت بصعوبة إلى مخيم الهداية لـ "العربي الجديد" إنها نزحت من قرية في محافظة "شبيلي السفلى" بسبب الجوع والعطش بعدما جفت الأنهار وأهلكت المواشي وتضررت المزارع.
وتشير إلى أن أطفالها ما زالوا جائعين. "نعاني نقصاً حاداً في المواد الغذائية، ولا نملك شيئاً لإطعام أطفالنا. لكن أملنا بالله كبير. نتناول وجبة واحدة في اليوم هي عبارة عن أرز وشاي أسود فقط. أما بيتنا، فهو عبارة عن كوخ بال لا يقي حر الشمس. وإذا أمطرت السماء، فلا أستطيع الحصول على مكان ملائم للعيش". وتناشد المنظمات المحلية والعربية بمساعدة الأسر المحتاجة في هذا المخيم، وتوفير الطعام والماء، إلى جانب الأغطية المناسبة لبناء خيام أكثر أماناً ودفئاً من الأكواخ البالية.
وكشفت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن نحو 9 ملايين شخص في حاجة إلى مساعدات إغاثية في منطقة القرن الأفريقي، بسبب موجات القحط والجفاف التي تضرب المقاطعة الشمالية في كينيا (أنفدي) وإقليم الصومال الإثيوبي (أوغادين)، ومناطق متفرقة في وسط وجنوب الصومال. وقدَّرت المنظمات الأممية العاملة في مجال الإغاثة أن حجم المساعدات المالية المطلوبة هو مليار ونصف المليار دولار أميركي للتدخل الإنساني في مواجهة موجات الجفاف، إذ إن الربع الأول من العام يشكل مأزقاً كبيراً بالنسبة للمتضررين من الأوضاع الإنسانية المتردية إذا لم تتوفر المساعدات في القريب العاجل.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن دخول بلاده "حالة إنسانية عاجلة" نتيجة الجفاف الذي يضرب مناطق عدة في الجنوب، وذلك بعد الإطلاع على تقارير ميدانية أعدها فريق من الحكومة الفيدرالية زار المناطق التي تعرضت للجفاف. ودعا الأخير الحكومة الفيدرالية إلى مساعدة المتضررين من أزمة القحط في الجنوب، إلا أن الاستجابة ما زالت ضعيفة، وقد أعلنت دول قليلة عن تقديم المال لدعم المتضررين، من بينها بريطانيا التي أشارت إلى تخصيص 10 ملايين دولار أميركي لدعم الجهود الإنسانية لمواجهة القحط.
وبدأت مؤسسة "قطر الخيرية" توزيع مساعدات إغاثية على المتضررين من القحط في إقليم جدو جنوبي البلاد، إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة التي أرسلت 40 طناً من المساعدات الإغاثية إلى الصومال لمواجهة تداعيات القحط والجفاف.
وقدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعداد المحتاجين للمساعدات الإغاثية بـ7.7 ملايين صومالي، ما يشكل نصف سكان البلاد (14 مليونا إحمالي السكان)، ويواجهون أوضاعاً إنسانية قاسية نتيجة الجفاف والجراد، وتراجع موسم هطول الأمطار، بالإضافة إلى نضوب مياه الأنهار، الأمر الذي أتلف المحاصيل الزراعية، في وقت قضى الجفاف على رؤوس الماشية كالأبقار والأغنام، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الصومالي الضعيف الذي كان يتعافى تدريجياً من تأثيرات الحرب الأهلية بعد سقوط الدولة المركزية عام 1911.