لبنان: نازحو البقاع منقطعون عن العالم ويفتقدون الأدوية وحليب الأطفال

البقاع (لبنان)
ربى الزهوري
ربى الزهوري
صحافية مستقلة. عملت في عدة منصات ومواقع لبنانية وعربية.
10 أكتوبر 2024
فصول من المعاناة: نازحات من البقاع الشمالي اللبناني يتحدثن عن مرارة النزوح
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه النازحون في البقاع الشمالي ظروفًا صعبة بسبب نقص الأدوية والمواد الأساسية والفوضى في مراكز الإيواء، رغم توفر الكهرباء والمياه.
- تتنوع معاناة النازحين بين فقدان الأحبة والعيش في ظروف قاسية، مع نقص في الحليب والأدوية للأطفال والفوط الصحية للنساء، مما يزيد من صعوبة الحياة.
- تعاني العائلات من انقطاع التواصل مع العالم الخارجي ونقص في وجبات الطعام، حيث يقتصر الأمر على وجبة واحدة يوميًا، مما يزيد من عزلتهم ومعاناتهم.

حتى لو وجد النازحون في البقاع مراكز إيواء آمنة نسبياً حتى اللحظة، إلا أنهم يواجهون فوضى ونقصاً في بعض الأساسيات، خصوصاً الأدوية، ويخشون البرد.

هُنا، في البقاع الشمالي، قصص مأساوية تكاد لا تنتهي بعدما دمرت نيران الحرب البيوت وهجّرت آلاف العائلات العُزّل. نزوحٌ كبير شهدته قرى البقاع الشمالي منذُ توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي وحتى اليوم، خصوصاً بلدات مثل الفاكهة ورأس بعلبك والزيتون التي استقبلت نازحين.
لقصص النازحين في مدرسة الزيتونة في الفاكهة (من قرى محافظة بعلبك الهرمل) الحصة الأكبر لما عانوه من تهجير وقصف هستيري. يقول محمد علاء الدين (50 عاماً) إنه هرب وعائلته وأحفاده الأطفال من بلدة زبود (قضاء بعلبك - محافظة البقاع)، إِثر غارة إسرائيلية أدت إلى استشهاد 17 شخصاً. كانت مشاهد الأشلاء المتطايرة السبب المباشر الذي دفعه إلى النزوح مع والدته المسنة التي لم تعد تحتمل مشاهد المجازر، والقصف الذي لم يكن يبعد عن منزلهما أكثر من خمسين متراً. كانا قد عاهدا أنفسهما بعدم مغادرة المنزل، إلى أن حدثت المجزرة التي قتلت أشخاصاً عزلاً يتولون تربية المواشي. والدة علاء المسنة تحتاج إلى أدوية لإصابتها بأمراض مزمنة. وحتى اليوم، لم تقدم جمعية أو أية منظمة إنسانية لهما العون، وإن كان يشكر الجهات التي قدمت لهما المساعدات الغذائية وغير ذلك. لكنه يقول إنه يفضّل العودة إلى بيته "وتناول التراب بدلاً من البقاء في وضع كهذا".
من جهتها، تقول فاطمة سيف الدين من قرية النبي عثمان (قضاء بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل)، إنها قدمت مع عشرين شخصاً من عائلتها الذين تشتتوا في مراكز الإيواء. لم يتمكن أفراد العائلة من أخذ أي شيء معهم من المنزل. كانت مشاعر الخوف قد سيطرت على العائلة. وتشير فاطمة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن توقيت الحرب جاء خلال تحضيرها المؤونة التي تشتهر بها منطقة البقاع نظراً لفصل الشتاء البارد. 
كانت قد أنفقت النقود التي معها لتجهيز اللوازم المدرسية للعام الجديد، وباتت اليوم بلا نقود وبلا منزل، حتى أنها لم تجلب أية ملابس معها. امتلأت عيناها بالدموع قبل أن تتابع الحديث عن أحوال النازحين في مدرسة الزيتونة. تقول: "الكهرباء والمياه متوفرتان، لكن المشكلة تكمن في التنظيم ونظافة المكان. العشوائيّة والفوضى تسيطران على المركز. وفي ما يتعلق بالمواد الغذائية، فهي موجودة لكن هذا لا يشمل الحليب والأدوية للأطفال". 

في ثانوية الفاكهة الرسمية التي تضم اليوم أكثر من 500 نازح من المناطق المجاورة، يوجد نحو عشرة إلى عشرين شخصاً في الغرفة الواحدة. سمر، وهي من قرية النبي عثمان، احتوت أحفادها وابنتها (38 عاماً) وهي من ذوي الإعاقة العقلية، بعدما نجوا من القصف. اليوم، تعاني سمر الأمرين جرّاء عدم تقديم الأدوية في إطار المساعدات، خصوصاً أن كلفتها مرتفعة إذا ما عمدت إلى شرائها من الصيدليات. وفي ما يتعلق بالكهرباء والمياه، فهي متوفرة لكنها تشكو قلة التنظيم. 
أما أحمد نزهة الذي نزح من النبي عثمان، فيتحدث عن المجزرة التي شهدها في بلدته جبولة (قرية من قرى قضاء بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل)، وعن جيرانه من عائلة الهق والعسمري الذين استشهدوا قرب منزله. يقول إنه شبه منقطع عن العالم الخارجي في الوقت الحالي، لأن شبكة الإنترنت غير متوفرة في المركز. وفي ما يتعلق بالمياه والكهرباء، فيقول إنهما متوفرتان، لكن الأزمة الرئيسية تتمثل في الأدوية وأساسيات الأطفال من حليب وحفاضات بالإضافة إلى الفوط الصحية للنساء". 

دمار جراء القصف العنيف في البقاع (فرانس برس)
دمار جراء القصف العنيف في البقاع (فرانس برس)

في زاوية الغرفة توأمان (3 سنوات) كان قد غلبهما النوم. الأم رنا، وهي من بلدة اللبوة (قضاء بعلبك)، التي اضطرت إلى الهرب وعائلتها جرّاء اشتداد القصف، علماً أنها تعاني انحرافاً في العمود الفقري. في الوقت الحالي، تجد صعوبة في التواصل مع زوجها الذي يؤدي الخدمة العسكرية في منطقة غير آمنة. كما أنها لا تعرف الكثير عن أوضاع أهلها، وتخشى التحدث إليهم عبر تطبيق واتساب، والإفصاح عن أماكن وجودهم خشية استهدافهم، بحسب ما تشرح. وتشير إلى أنها هربت من دون إحضار الملابس للتوأمين، وتضطر إلى غسلها وتغطيتهما خلال هذا الوقت ريثما تجف الثياب. 
من جهتها، نزحت روز صالح سيف الدين من بلدة اللبوة (قضاء بعلبك في محافظة البقاع) وتشتت عائلتها بسبب القصف. لم تعد تأكل جيداً، وأخذت على عاتقها الاستيقاظ باكراً وتنظيف دورات المياه وتعقيمها جراء الفوضى. تشير إلى أنها مبادرة فردية، كما أنها تعمل على نشر التوعية حول أهمية النظافة، خشية تفشي الأمراض. وتشير إلى أن الاستحمام هو الأصعب في مراكز الإيواء، فالمياه باردة، والمنطقة أيضاً، ما يزيد من احتمال الإصابة بأمراض الشتاء.


من جهة أخرى، فإن وجبات الطعام محدودة وتقتصر على وجبة غداء أو عشاء، فيما تتقاسم النساء الخبز وما هو متوفر إذا ما تأخر توزيع الوجبات. الحال صعب على الجميع.  

نزحت الحاجة مريم حسن حلوم من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى بلدة العين (قضاء بعلبك في محافظة البقاع). لكن بعد اشتداد القصف في العين، نزحت مجدداً إلى بلدة الفاكهة، علماً أنها كفيفة في الثمانين من عمرها. في الوقت الحالي، لا تعرف شيئاً عن أولادها في الضاحية الجنوبية، فقد انقطعت الأخبار عنهم. تحتاج إلى أدوية ومهدئات كونها تعجز عن النوم. تبكي وتصرخ كثيراً وتقول إن لقاءها بأولادها شبه مستحيل.
علي البزال، وهو شاب عشرينيّ، خسر عمله في الضاحية الجنوبية لبيروت وقد شهد على القصف العشوائي، وهرب إلى العين وعانى بسبب استغلال السائقين له خلال نزوحه، مؤكداً أنه دفع كل ما يملك من نقود ليصل إلى أهله. وبعد قصف العين، نزح ليلاً إلى ثانوية الفاكهة.


تجدر الإشارة إلى أن النازحين في مراكز الإيواء في بلدات الفاكهة والزيتون ورأس بعلبك يحتاجون إلى الأدوية بشتى أنواعها، والحليب والملابس للأطفال. كما أنهم منقطعون عن الأخبار لعدم توفر الإنترنت، علماً أنهم يحتاجون إلى التواصل مع أهلهم والاطمئنان على من بقي من أقربائهم.

ذات صلة

الصورة
لبنان \ جيش الاحتلال على الحدود، 1 10 2024 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

منوعات

خلال ترويجه السرديةَ الإسرائيلية حول العدوان على لبنان، يعيد الإعلام الغربي تكرار الحيل التي اتبعها منذ اليوم الأول من العدوان على غزة
الصورة
سوريون عائدون من لبنان، 5 أكتوبر 2024 (العربي الجديد/عدنان الامام)

مجتمع

واجه سوريون عائدون من لبنان هربا من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على الجنوب اللبناني، قسوة الطريق، وقلة الطعام، وساعات من الانتظار على الحدود السورية
الصورة

سياسة

علم "العربي الجديد" أنّ 11 جندياً إسرائيلياً قتلوا وأُصيب آخرون، بينهم ثلاثة على الأقل جراحهم خطرة، في كمائن حزب الله جنوبي لبنان.
الصورة

سياسة

نشر ناشطون في البصرة وبغداد، معلومات عن فتح مكاتب تطوع للقتال في لبنان أظهرت توافد أعداد كبيرة من المتطوعين للتسجيل، وسط تأكيدات بأن المكاتب تابعة لفصائل عراقية
المساهمون