استمع إلى الملخص
- **تفاقم الأزمات الإنسانية:** يعاني الفلسطينيون في غزة من نقص حاد في المستلزمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والوقود والمواد الغذائية والأدوية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في مراكز اللجوء ومدارس الإيواء ومخيمات النزوح.
- **انتعاش وكساد مهنة الاسكافي:** منع دخول الأحذية أدى إلى انتعاش مهنة الاسكافي مؤقتاً، لكن سرعان ما أصيبت بكساد بسبب نفاد المواد الخام، مما اضطر محمود فاروق لتحويل نشاطه إلى بيع المعلبات.
اضطر الفلسطيني وسام أبو العيش في الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، للنزوح نحو المنطقة الوسطى رفقة أسرته، محملاً بأوراقه الثبوتية وبعض من الملابس التي يمكن أن تكفيه وأسرته لعدة أيام، بينما غطت أقدامهم أحذية ارتدوها على عجل خلال سيرهم عبر أنقاض غزة المنهكة تحت القصف الإسرائيلي منذ 11 شهراً.
يوضح أبو العيش والذي بدا مرهقاً بفعل المشي لمسافات طويلة، أنه طاف أسواق المناطق الوسطى والجنوبية لقطاع غزة، وعلى امتداد سوق دير البلح الشعبي، وسط الزحمة ودرجات الحرارة المرتفعة، بحثاً عن حذاء لطفلته غنى ذات الأعوام السبعة، قائلاً لـ"العربي الجديد" أنه لم يكن يدرك أن أمد الحرب سيطول، لدرجة أنه لن يتمكن من إيجاد حذاء لطفلته التي قُطع حذاؤها ولم يعد صالحاً للإصلاح بفعل الاهتراء الشديد، كما أنه لن يتمكن من تجديد باقي الأحذية البالية التي لا يمكنه رميها لعدم توفر البدائل، نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي دخولها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة.
قسوة السير على أنقاض غزة
ويتسبب المنع التام لدخول العديد من المستلزمات الأساسية، ومنها الأحذية بمختلف أحجامها وأنواعها منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمضاعفة المعاناة والتحديات التي تواجه الفلسطينيين في القطاع نتيجة تواصل حرب الإبادة والقتل والتجويع والتهجير القسري.
ومنذ بداية العدوان، الذي يأتي بعد ثمانية عشر عاماً من الحصار المشدد، تغلق قوات الاحتلال مختلف المعابر المؤدية للقطاع، وتمنع دخول مختلف المواد الأساسية، ومنها الكهرباء والماء والوقود والمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والأدوية والمستهلكات الطبية، إلى جانب منع دخول الملابس والأحذية ومواد التنظيف.
ويفاقم المنع الإسرائيلي دخول مختلف المتطلبات الأساسية، بما فيها الأحذية المخصصة لمختلف الأعمار بمضاعفة المعاناة اليومية التي يواجهها الأهالي خلال سيرهم على أنقاض غزة. إلى جانب مواجهتهم خطر القصف المتواصل، والمجازر غير المتوقفة، والتهجير القسري لمليوني فلسطيني يعيشون في مراكز اللجوء ومدارس الإيواء ومخيمات النزوح في ظل ظروف قاسية، تفتقد أدنى مقومات الحياة الإنسانية.
قسوة السير على أنقاض غزة بأقدام عارية، دفعت الفلسطيني أمجد محمدين، للبحث في أسواق البالة أملاً في إيجاد أحذية له ولزوجته وأطفاله، بعدما اختفت تماماً الأحذية من المحال التجارية والبسطات المتناثرة، حيث اهترأت معظم أحذيتهم، ولم يتمكن من توفير بديل عنها. يقول لـ"العربي الجديد" إن النقص في مختلف المتطلبات، والذي وصل إلى الأحذية، يزيد من ضغوطه اليومية، حيث يطالبه أطفاله الحفاة بشراء أحذية تمكنهم من الخروج للعب مع أصدقائهم بدون خوف من الزجاج والمسامير والحجارة، إلا أنه لا يتمكن من توفير طلبهم البسيط من وجهة نظرهم، والمعقد من وجهة نظر السوق الخاوي من مختلف أصناف وأحجام الأحذية الجديدة أو حتى المستخدمة.
ويتابع: "يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى زيادة المصاعب في حياتنا يوماً تلو الآخر، وتحويلها إلى حياة أشبه بالجحيم، حيث نحرم من أبسط الحقوق والمتطلبات، في الوقت الذي نمشي فيه بطرق وعرة ومتسخة نتيجة القصف وتدمير البنية التحتية، ونضطر أن نقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام بسبب أزمة المواصلات الناتجة عن عدم توفر الوقود، ما يؤدي إلى اهتراء الأحذية، في الوقت الذي لا يمكننا فيه إيجاد حذاء جديد أو مستعمل".
وساهم منع الاحتلال دخول الأحذية وغيرها من المستلزمات الأساسية منذ بداية العدوان بانتعاش مهنة الاسكافي في الأسابيع والأشهر الأولى للحرب، ولكنها أصيبت بكساد كبير بعد ذلك جراء نفاد الخيوط الجيدة، والمواد الخام الأساسية للعمل، ما زاد من تعقيد الأزمة، نتيجة عدم توفر الأحذية، أو القدرة على إصلاح أو ترميم او ترقيع التالف منها. وهو ما أجبر الفلسطيني محمود فاروق على تحويل نشاطه إلى بيع المعلبات والمواد الغذائية التي يقوم بشرائها من المستفيدين، بعد نفاد الأحذية التي كان يبيعها بداية الحرب وعدم تمكنه من توفير أي كميات جديدة بفعل إغلاق المعابر المتواصل، والغلاء الكبير في بعض المقاسات الكبيرة والمحدودة، والتي وصلت في بعض الأصناف إلى ما يزيد عن عشرين ضعفاً.
ويلفت فاروق لـ"العربي الجديد" إلى أن المرة الأولى والأخيرة التي دخلت فيها كمية بسيطة من الأحذية كانت خلال شهر إبريل/نيسان الماضي، لكنها نفدت من الأسواق سريعاً بسبب النقص الحاد في مختلف أصناف ومقاسات الأحذية، على الرغم من بيعها في ذلك الوقت بأسعار وصلت إلى عشرة أضعاف سعرها الطبيعي. موضحاً أنه وعلى مدار سنوات عمله في بيع الأحذية لم يشهد مثل هذه الأزمة التي غابت فيها مختلف الأصناف، قائلاً "بات من الغريب مشاهدة بسطة تبيع الأحذية، تحديداً الخاصة بالأطفال، وفي حال ظهور مجموعة من الأحذية، فإنها تباع بأسعار باهظة، لا تتناسب مع القدرة الشرائية المتردية، التي يفرضها الواقع الاقتصادي الصعب".
وتفاقمت أزمة الأحذية وإلى جانبها مختلف الأزمات المتعلقة بنفاد المتطلبات الأساسية من الأسواق إثر الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح والسيطرة الكاملة على معبر رفح البري مطلع مايو/أيار الماضي، الأمر الذي ألقى بظلاله القاسية على الفلسطينيين المنهكين جراء تواصل العدوان.