هواجس تونس تجاه أوضاع ليبيا تكبر: الرهان على تسوية

29 ابريل 2019
قوات الوفاق تردّ هجمات مليشيات حفتر (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

تتعدد الهواجس في تونس إزاء التطورات في ليبيا، بين اقتصادية وسياسية، غير أن تداعيات الحرب الدائرة حالياً، مرشحة لتصبح مصدر القلق الأكبر خلال الأسابيع المقبلة. تراقب تونس بحذر شديد ما يجري على الحدود بين البلدين، المهدّد بالتصعيد في حال استمرت الحرب في طرابلس، وفي حال نجحت مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في اختراق الدفاعات الجنوبية للعاصمة، حينها ستكون تونس الملجأ الوحيد لمئات الآلاف من المدنيين الذين يمكن أن يفروا من المعارك. وبالتالي تبدي السلطات التونسية خشيتها من نشوء مشكلة لاجئين بالحجم نفسه الذي حصل عام 2011. وستصبح عندها مراقبة القادمين واستقبالهم مسألة شديدة التعقيد والصعوبة. كل ذلك في ظلّ عدم وضوح الرؤية السياسية للتعامل الدبلوماسي التونسي مع الوضع الميداني الليبي.

في البداية، عندما تم الإعلان عن هجوم مليشيات حفتر على طرابلس، تجاوز رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تحفظه السابق، واتصل برئيس حكومة الوفاق فائز السراج معبّراً له عن "تضامن تونس". كما دان الحل العسكري، مؤكداً على "ضرورة الاستمرار في الرهان على التسوية السياسية". وتوجه السبسي إلى مجلس الأمن، داعياً إياه للاجتماع واتخاذ قرار بوقف المعارك.

وسبق كل ذلك، عرض الرئيس التونسي لمبادرته القائمة على فكرة محورية مفادها "تجنّب الحل العسكري"، والتوصل إلى حل توافقي يمكن الجميع من المشاركة في إخراج ليبيا من الحالة الراهنة، وطرح المبادرة على جميع الفرقاء الليبيين، ثم طرحها على المشاركين في القمة العربية. وحين تمّ كل ذلك، قرر السبسي طرح مبادرته على مجلس الأمن، مع ذلك لم يتغيرّ شيء.

استمرت الحرب في ليبيا، ولم يتراجع حفتر عن محاصرة العاصمة الليبية، بما بدا وكأنه لا يعبأ بالمسعى التونسي. فبالإضافة إلى الدعم العسكري الذي تلقاه من مصر، فقد منحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضوء الأخضر لمواصلة غزوته نحو طرابلس. كما يتمتع حفتر بدعم فرنسي وأيضاً من روسيا التي رفضت إصدار قرار من مجلس الأمن لوقف الغزو.

في ضوء هذه التطورات تحاول القيادة التونسية إمساك العصا من الوسط في ظرف يتحول فيه حفتر إلى رقم صعب. والمشكلة لا تكمن فقط في الغطاء الدولي الذي يتمتع به، بل بشعوره بأنه أصبح أكثر قدرة على تغيير موازين القوى لصالحه خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، خصوصاً بعد انشغال الجزائر بأوضاعها الداخلية، وإطاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان داعماً للحلّ السياسي شرط ألا تقع ليبيا تحت سلطة الإسلاميين، بحسب وصفه.

في المقابل، لم ينجح المجلس الرئاسي في طرابلس في استثمار الوقت الذي مُنح له، إذ لم يتمكن السراج عملياً من إقناع الليبيين بكونه قادراً على تطوير الأوضاع والتقدم بالبلد نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية. فقد استسلم كلياً للعبة المليشيات الداعمة له، وهو ما جعلها تتصارع في ما بينها داخل طرابلس، كلما اختلّ ميزان القوى لطرف منها على حساب طرف آخر.



ما تخشاه تونس اليوم هو أمران في غاية الخطورة. أولهما أن تتسع رقعة الحرب وتقع ليبيا في فوضى مدمرة لن تقف شظاياها داخل حدودها، بل تتسع دائرتها في اتجاه تونس. ولهذا وضع الجيش التونسي على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تطورات محتملة.

أما السيناريو الثاني فيتعلق باحتمال قيام نظام عسكري جديد يعيد المتاعب التي عرفتها تونس سابقاً مع العقيد الراحل معمر القذافي. وإذا ما حصل ذلك فإن التعايش مع هذا النظام سيكون صعباً لاعتبارات عدة، ومن بينها أن حفتر يعتقد بأن تونس قد انحازت ضده، وأنها تعمل على إضعافه. بالتالي ستكون العلاقة بين البلدين معقّدة، وقد تنتج عن ذلك متاعب كثيرة للتونسيين الذين يرون في ليبيا مجالهم الحيوي للعمل والتجارة، خصوصاً مع الوعود الضخمة التي سيقدمها حفتر للنظام المصري.

من جهة أخرى، بدأت ترتسم خلافات بين الأطراف السياسية التونسية. فحركة النهضة مساندة بقوة لطرابلس، لأسباب عدة، من بينها علاقاتها الاستراتيجية مع أقرب التنظيمات الليبية إليها، المتمثلة في حزب العدالة والبناء، ذي المرجعية الإسلامية. وعلى النقيض، يقف حزب "مشروع تونس" إلى جانب حفتر، مع إعراب الأمين العام للحزب محسن مرزوق، عن اعتقاده بـ"أن مصلحتنا في تونس وشمال أفريقيا، تتقاطع مع جهود الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في مكافحة الاٍرهاب والتطرف وفوضى السلاح". لكنه استدرك قائلاً "نأمل أن يتم التوفيق بين المسارين السياسي والأمني، ويتوافق الشقيقان حفتر والسراج، وأن يقع الحفاظ على مكاسب الشعب الليبي الديمقراطية، من دون تدخل القوى الأجنبية".

بدورهما، ركز حزبا "نداء تونس" و"حياة تونس" على مسألة الشرعية الدولية، وتجنّب الانحياز إلى جهة دون أخرى. بذلك اتضح أن العديد من الأطراف، بما في ذلك الجبهة الشعبية، تحدد موقفها من الحرب داخل ليبيا، تأسيساً على موقفها من حركة النهضة ومن حركات الإسلام السياسي عموماً.

في السياق، أكد وزير الخارجية السابق أحمد ونيس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة التونسية التي تقدّم بها السبسي، وتستند إليها المساعي التي يقوم بها حالياً وزير الخارجية، خميس الجهيناوي، لقيت دعماً في البداية من جميع الجهات الليبية المتصارعة. لكن من الناحية العملية وجدت تونس نفسها تعمل ضد اتجاه الريح، بعد شروع حفتر في تنفيذ خطته التي استعد لها قبل القمة العربية (مارس/ آذار الماضي)، والتي خالفت القرارات التي تم التوصل إليها". واعتبر ونيس أن "التحرك العسكري من شأنه أن يشقّ طريقاً مغايراً يصعب الآن التكهن بنتائجه، إلا أنه لن يحل المشكلة". ولم يستبعد أن "تفجّر المبادرة التونسية المواقف بين تونس ومصر التي تعمل بكل قوة على إبعاد الإسلاميين عن السلطة في ليبيا، بينما جوهر المبادرة التونسية يستند إلى تمكين جميع الأطراف، بما في ذلك الإسلاميين، من المشاركة في الحكم وفي الحياة السياسية الليبية".