خيارات محدودة لحفتر بعد عودته من باريس... هل تنقذه فرنسا مرة أخرى؟

23 مايو 2018
يحاول حفتر إعادة تثبيت موقعه مجدداً في ليبيا(الأناضول)
+ الخط -
اختلطت أوراق اللواء خليفة حفتر، "الصقر الوحيد"، في الشرق الليبي مرة أخرى، بعد تمكنه من استرجاع هيبته العسكرية نسبيا بحفل جماهيري كبير نظمه أنصاره في بنغازي إثر عودته العلاجية من باريس، واحتفال آخر عسكري كبير على غرار استعراضات صديقه السابق معمر القذافي. ويواجه الجنرال العجوز عائقاً كبيراً يثنيه عن مساعيه، ممثلاً برئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وفي ظل الخيارات المحدودة لديه، فهل تتمكن فرنسا من إنقاذه من جديد؟

يحاول حفتر إعادة تثبيت موقعه مجددا من خلال مسارين، الأول عسكري، من خلال حفظ وجوده العسكري في الجنوب، وتجنب انكسار قواته من خلال ضرب مجموعات قبلية مسلحة في بعضها، والرمي بكل ثقله العسكري في معركة درنة، والثاني سياسي من خلال محاولة الاستحواذ على قرار مجلس برلمان طبرق، عبر نقل مقره إلى بنغازي، الذي بات جليا أنه لم يعد خادما سياسيا مطيعا له، ولا سيما أن طبرق لا تزال تعطي هامشا من الحرية لمعارضيه النيابيين.

لكن هذه المرة يبدو أن حفتر أمام خيارات صعبة، فقد منيت جهوده في نقل المجلس إلى بنغازي بالفشل، بعدما قرر رئيس المجلس عقيلة صالح، مساء أمس الثلاثاء، تعليق الجلسة المخصصة لمناقشة قرار نقل المقر لبنغازي، إثر صدام كلامي عنيف بين نواب موالين لحكومة الوفاق ونواب حفتر.

مقربون من مجلس النواب قالوا إن صالح صاحب العلاقة المشوشة مع حفتر والذي يبدو أنه لا يملك قدرة على معارضة ضغوط حفتر، وجد في استعار الخلاف بين النواب في جلسة أمس حجة لتعليق الجلسة، في محاولة للتشويش على القرار.

كما عكست المشادات الكلامية بين النائب فرج بوهاشم، الموالي لحكومة فائز السراج، وبين النائب عيسى العريبي، أبرز مؤيدي حفتر، إمكانية فشل قرار نقل المقر إلى بنغازي، ولا سيما أن الأول أكد بقوة معارضة طيف كبير من البرلمانيين للقرار، فيما لم يتمكن الثاني من الدفاع عن القرار والإجابة عن سؤال مباشر: لماذا خطوة نقل مقر المجلس الآن وما الهدف منها؟

وصول تأثيرات السراج على مساعي حفتر إلى عمق أراضيه في طبرق، من خلال نواب ينتمون للشرق الليبي كفرج بوهاشم، الناطق السابق باسم مجلس النواب، لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أَعلن أيضا في الوقت ذاته عن تشكيل قوة لتأمين الجنوب الليبي، واللافت في مكوناتها أنها تتألف من فصائل مسلحة من مصراته ومدن غرب ليبيا الأشد خصومة لحفتر.

وفي درنة، التي لا يزال حفتر يكافح منذ أسبوعين للسيطرة على أجزاء من ضواحيها، ووجهت حملته بالشجب والاستنكار، فقد عبر السراج عن قلقه العميق من ذلك التصعيد العسكري، كما طالب مجلس الدولة في طرابلس بضرورة السعي لحفظ سلامة المدنيين وفك الحصار عنهم ووقف إطلاق النار بشكل فوري.

أما دوليا، فلم يستطع المبعوث الأممي غسان سلامة تجاوز وضع درنة، خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، فقد طالب هو الآخر بضرورة وقف إطلاق النار وفتح ممرات لتوصيل المؤن والإغاثة الصحية للمدنيين، وضرورة معالجة النزاع من خلال مجالس الحكماء والشورى.

ورغم اللقاءات الثنائية التي جمعت حفتر بالسراج في أبوظبي وباريس، إلا أن حفتر يعي جيدا مدى تنفذ السراج وقدرته على خلط أوراقه، فإثر إعلان حفتر رفض الاتفاق السياسي وانقلابه على اتفاق باريس، تلقى ضربة مباشرة من خلال تعيين السراج أحد أهم الشخصيات القيادية في قوات حفتر، وأهم قادة أكبر تكتل قبلي عسكري في بنغازي، الرائد فرج قعيم، وكيلاً لوزارة داخلية حكومة الوفاق.

فتصريحات حفتر في تلك الآونة وتحديدا في يونيو/ حزيران الماضي، عن عزمه على بدء عملية حسم عسكري نهاية العام الماضي، ودخوله لطرابلس فاتحا، تلقى ردا سريعا عليها من خلال قرار السراج بتعيين قعيم ونقل المعركة إلى عمق منطقة نفوذه في بنغازي، بانتداب مكون قبلي كبير إلى صفه، وهو ما أزعج حفتر، لمعرفته بأن صداما عسكريا مع عشيرة ذات ثقل عسكري كبير في برقة يمكن أن يزج به في أتون معركة تستنزف رصيده العسكري والشعبي.


مما لا شك فيه أن الجنرال العجوز بات أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالحلول السلمية، ويعني ذلك القبول بشروط السراج بخضوعه لسلطته المدنية، أو أن يرمي بكل ثقله العسكري في أتون حرب لا بد أنها سوف تستنزف قوته بشكل سريع، ولا سيما أن القبائل في شرق البلاد متململة بشكل كبير لدعمه بأبنائها بعد تجربة بنغازي.

وهنا قد يمكن فهم بروز المبادرة الفرنسية بشكل مفاجئ، والتي يبدو أن المبعوث الأممي سلامة، ردد في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن أجزاء وأفكارا واضحة مستقاة منها، فهل تسعى فرنسا لإنقاذ وضع حفتر العسكري والسياسي، بعدما أنقذت وضعه الصحي الشهر الماضي؟ ​