حدد اثنان من أبرز المحللين في الشؤون العسكرية، المرتبطين بالجيش والمؤسسة الأمنية في إسرائيل، عاموس هرئيل ويوآف ليمور عام 2014، وتحديداً بعد العدوان على غزة، وبروز خطر الأنفاق الهجومية الفلسطينية على إسرائيل، الحرب على غزة باعتبارها نقطة التحول الرئيسية في تعامل الجيش الإسرائيلي بجدية مع تهديدات "حزب الله"، في أكثر من مناسبة، عن شن هجوم عسكري واحتلال أجزاء من إسرائيل. وفي تقريرين منفصلين يشير الكاتبان، بما لا يدع مجالاً للشك بأن المعلومات مستقاة، أو ممنوحة لهما بشكل واضح من قيادة الجيش، أن تكرار "حزب الله" وأمينه العام حسن نصر الله لمقولات احتلال الجليل ومفاجأة إسرائيل في المواجهة المقبلة، كانت تجابه في البداية بنوع من الاستخفاف، لأن التفكير الإسرائيلي، حتى ذلك الوقت، لم يكن يتصور أن يملك "حزب الله" قدرات تفوق إرسال عدد محدود من الخلايا لاجتياز الحدود، لكن الموقف تغير كلياً بعد العدوان على غزة، مع تكرار شكاوى سكان المستوطنات الحدودية من سماعهم أصوات حفر تحت بيوتهم.
التغيير في نمط التفكير الإسرائيلي سرّع من اعتماد تشكيل طاقم خاص للبحث والتنقيب. وكشفت صحيفة "هآرتس"، أمس الجمعة، أن 11 عنصراً من سلاح الهندسة الإسرائيلي شاركوا في دورة تدريب وتعلم خاصة في دولة أوروبية طيلة العام الماضي، تمهيداً لعمليات الحفر التي أطلقها الجيش الإسرائيلي، هذا الأسبوع، بعد ثلاث سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة على مدار الساعة "لمصنع الطوب في قرية كفركلا" ومتابعة حركة الوافدين إلى المكان، مع الأخذ بالحسبان حقيقة شبكات الأنفاق تحت الأرض التي واجهها الجيش في بعض المعارك البرية خلال العدوان على لبنان في عام 2006.
لكن السؤال المحوري بالنسبة للصحافيين، هو ماذا سيكون رد "حزب الله"، خصوصاً بعد أن فقد، بحسب الدعاية الإسرائيلية الحالية كجزء من الحرب النفسية، أبرز مكونات قوته الاستراتيجية وعنصر المفاجأة الذي كان يفترض أن توفره هذه الأنفاق للحزب في المواجهة المقبلة التي يقر عاموس هرئيل بأن الطرفين غير معنيين بها حالياً. وبحسب هرئيل فإن العمليات الإسرائيلية، حتى وإن كانت تشكل إنجازاً في مواجهة "حزب الله"، فإنه ينبغي ألا يطغى هذا الإنجاز على إدراك مدلولاته في سياسة الحزب وخططه العسكرية. ويرى هرئيل أن أهم ما يجب الأخذ به في هذا السياق هو الهدف المأمول من وراء الأنفاق، التي جاءت، بحسب رأيه، لتوفر الاحتياجات الخاصة لهذه الجبهة: نقل بشكل سريع وسري لمئات العناصر من القرى في جنوب لبنان إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، بما يمكن من بدء هجوم مباشر وواسع فوق الأرض، بالرغم من الاختلال في موازين القوى بين الطرفين، وبالرغم من كون مقاتلي "حزب الله" يفتقرون لتغطية جوية، وبالتالي فإن قدرة بقائهم أو صمودهم داخل هذه المستوطنات سيكون محدوداً وقصيراً، لكن أثر الصدمة الذي سيبقيه الحزب في نفوس الإسرائيليين سيمكنه، طيلة الوقت، من رسم صورة نصر لن يكون بمقدور كل الهجمات الجوية والبرية التي ستتبعها في داخل العمق اللبناني محوها.
وبحسب هرئيل فإن هذا يدل على شيء أساسي وهو أن حسن نصر الله، يدرك ويفهم جيداً العقلية الإسرائيلية، التي يسميها هرئيل، نقلاً عن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى "دي إن أي" المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي فإن "خطط الأنفاق شكلت حجراً أساسياً في مفهوم نظرية الأمن لدى حزب الله، وهي خطة كان يفترض منها أن تفاجئنا دون أن نعرف من أين جاءنا هذا الأمر". وإذ يصر هرئيل في تعليقه على أن عمليات "درع الشمال" لكشف الأنفاق لا توحي بحرب أو مواجهة عسكرية قريباً، فإن يوآف ليمور يقول إن الامتحان الحقيقي سيكون بعد انتهاء الجيش من كشف بقية الأنفاق، وعندها سيكون عليه أن يقرر كيفية هدمها، وهل سيستمر الخط الحالي الذي يلتزم فيه الجيش الإسرائيلي بعدم تجاوز "الخط الأزرق" في الحدود مع لبنان، ويهدم الأنفاق من الداخل حتى خط الحدود كما فعل في غزة، أم يتجه لضرب الأنفاق عبر اجتياز الحدود والمجازفة بانتهاك السيادة اللبنانية، وبالتالي دفع "حزب الله" لوضع يضطره للرد. ومع ذلك يرى ليمور أن القضية التي ستكون ذات الوزن الأكبر في الحسابات الإسرائيلية خلال عام 2019 هي مسألة مصانع الصواريخ ومساعي تحسين دقة صواريخ "حزب الله"، خصوصاً مع تسلم رئيس أركان الجيش الجديد، أفيف كوخافي، لمهامه فعلياً مطلع العام المقبل. ويرى ليمور أن إسرائيل ستتجه الآن لتوظيف هذه العمليات على المستوى السياسي والدبلوماسي في الخارج، وتحديداً مع بريطانيا وفرنسا، وحتى روسيا. في المقابل فقد خلص هرئيل إلى التشكيك بأن يبقى "حزب الله" على صمته أو أن يفسح المجال أمام الدعاية الإسرائيلية للعمل بشكل مطلق من دون رد منه.