استمع إلى الملخص
- في ظل إدارة بايدن، شهد الملف السوري جموداً سياسياً، مما شجع النظام السوري على التعنت. مع عودة ترامب، يُتوقع أن يعيد الملف السوري إلى دائرة الاهتمام، خاصة مع علاقاته مع تركيا وروسيا.
- من المتوقع أن تتخذ إدارة ترامب المقبلة مواقف حاسمة تجاه موسكو وطهران، مع احتمال سحب القوات الأميركية أو التفاوض مع تركيا وروسيا، واستمرار العقوبات على النظام السوري.
لم يستطع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في دورة رئاسته الأولى التي امتدت من عام 2017 إلى 2021، فرض حلّ للقضية السورية وفق القرار الدولي 2254، لكن بالنسبة لكثر، فإنه اتخذ مواقف أكثر صرامة من سلفه باراك أوباما، حيال النظام السوري. ولا يُستبعد أن يحتل هذا الملف حيّزاً ضمن أولويات الإدارة الأميركية الجديدة بعد فوز ترامب بالرئاسة مجدداً، وخصوصاً أن علاقات تُوصف بـ"الجيّدة" تربط ترامب مع الجانبين التركي والروسي، وهما الأكثر فعالية في تفاصيل هذا المشهد المعقد.
وعانى الملف السوري خلال فترة إدارة الرئيس جو بايدن من جمود، وخصوصاً لجهة العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، لأن هذه الإدارة لم توله الكثير من الاهتمام، ما شجّع النظام السوري على مواصلة تعنته، وعرقلة جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حلّ سياسي بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254 الذي بقي دون تطبيق رغم مرور نحو عشر سنوات على صدوره بدعم أميركي.
رضوان زيادة: ترامب يريد تغيير قواعد اللعبة في سورية تماماً وفق مصالحه مع بوتين
مواقف صارمة من النظام من دون حسم
واتخذ الرئيس الجمهوري المنتخب مجدداً، خلال ولايته الأولى، العديد من المواقف الحازمة حيال الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين، حيث أمر في عام 2017 بقصف مطار الشعيرات بريف حمص الشمالي بعشرات من صواريخ توماهوك، رداً على هجوم بالغاز السام على مدينة خان شيخون في ريف إدلب، نفذه النظام انطلاقاً من هذا المطار، ما أدى إلى مقتل نحو 100 مدني، بينهم 32 طفلاً و23 امرأة. كما أصدر ترامب قانون قيصر الشهير الذي شدّد الخناق على نظام الأسد، ردّاً على المجازر التي ارتكبها والتي ظهرت جلية في آلاف الصور التي سرّبها مصور تعاون مع أجهزة النظام الأمنية. ووصل الأمر بترامب إلى أن نعت رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ"الحيوان" في عام 2017، إلا أنه لم يتدخل عسكرياً بشكل واسع لردع الأسد عن ارتكاب مزيد من المجازر.
كما تلقّى تنظيم داعش في سورية في عهد إدارة ترامب الأولى، ضربات من قبل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، أدت إلى القضاء على التنظيم مطلع عام 2019 في شمال شرقي سورية بشكل شبه كامل. وقتل بأمر من ترامب زعيم هذا التنظيم الأول أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في شمال غربي سورية، وهو ما أدى إلى تراجع قدرات التنظيم إلى حد الانكفاء في البادية السورية. وفي مطلع عام 2020 قُتل بأمر من ترامب، في بغداد، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والذي كان منخرطاً في الصراع الدائر في سورية، حيث أسّس العديد من المليشيات الطائفية العابرة للحدود لدعم الأسد وترسيخ نفوذ إيران في سورية. وفي أواخر 2019، أعطى ترامب الجانب التركي الضوء الأخضر لشنّ عملية عسكرية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في شرقي نهر الفرات، وهي منطقة نفوذ واشنطن في سورية، إلا أنه لم يتساهل بملف منطقة منبج غربي نهر الفرات، ولم يسمح لأنقرة بانتزاع السيطرة عليها من هذه القوات الكردية.
وفي عام 2019 أيضاً، قرّر الرئيس ترامب الانسحاب من سورية والخروج "من الحروب السخيفة التي لا نهاية لها في سورية"، وفق تعبيره، لكن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) اكتفت بتخفيض مستوى القوات الأميركية التي بقيت في ريفي الحسكة ودير الزور في الشريط الذي يضم منابع النفط في الشرق السوري، للحيلولة دون ظهور "داعش" مجدداً في المنطقة. كما بقيت القوات الأميركية في قاعدة التنف في المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، والتي من المتوقع ألا يشملها قرار الانسحاب من سورية في حال اتخاذه مجدداً من قبل إدارة ترامب المقبلة.
أحمد القربي: الموقف الذي سيتخذه ترامب حيال موسكو وطهران، سيكون حاسماً في تحديد سياسته إزاء سورية
وفي هذا الصدد، رجّح المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، قيام الرئيس المنتخب دونالد ترامب بـ"سحب القوات الأميركية الموجودة اليوم في سورية". أما إذا كان الانسحاب سيتم بترتيبات مع أنقرة أو موسكو، فقال: "لا نعرف حتى اللحظة، ولكن هذا الأمر ستكون له انعكاسات كبيرة على مجمل الملف السوري". وأبدى زيادة خشية من قيام ترامب بـ"تسليم سورية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كما حدث خلال ولايته الأولى، من خلال سحب القوات الأميركية بشكل كامل"، معرباً عن اعتقاده بأن ترامب "يريد تغيير قواعد اللعبة في سورية تماماً وفق مصالحه مع بوتين".
عقوبات دونالد ترامب باقية
ولا شك أن عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، ستثير مخاوف "قسد" من تخل أميركي عنها، ما يعني عودة التهديد التركي بالقضاء عليها في شمال شرقي سورية، رغم كونها الذراع البرّية للتحالف الدولي ضد الإرهاب في محاربة "داعش". ولم تعط إدارة الرئيس جو بايدن الجانب التركي ضوءاً أخضر للقيام بعمليات عسكرية ضد "قسد" على الأرض، لذا من المتوقع أن تتساهل إدارة ترامب في هذا الأمر في ضوء رفض النظام السوري الجلوس إلى طاولة التفاوض مع أنقرة.
وعلى هذا الصعيد، رأى المحلل السياسي التركي طه عودة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أنقرة كانت تميل إلى فوز دونالد ترامب ولا سيما أن هناك علاقة شخصية بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأوضح: "خلال ولاية ترامب الأولى، شنّت أنقرة عمليات عسكرية عدة في شمال سورية ضد داعش وقوات قسد". وتابع أنه "في أواخر ولاية ترامب الماضية، جرى الحديث عن انسحاب أميركي من سورية، لذا أعتقد أن الجانب التركي وعقب التوتر بعد عملية أنقرة التي قام بها حزب العمال الكردستاني أخيراً، سيطرح تعاوناً أكبر مع الجانب الأميركي في شمال شرقي سورية، وخصوصاً أن الأوضاع الإقليمية والدولية مختلفة تماماً عن تلك التي كانت إبّان ولاية ترامب السابقة".
طه عودة: تركيا ستطرح تعاوناً أكبر مع الجانب الأميركي في شمال شرقي سورية
من جهته، رأى الباحث السياسي أحمد القربي في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن تحديد السياسة التي سيتخذها الرئيس دونالد ترامب حيال الملف السوري في الوقت الراهن"، مضيفاً أن الرئيس الأميركي المنتخب لولاية ثانية "يتخذ قرارات مفاجئة، فضلاً عن أن طبيعة الأشخاص الذين سيتم تعيينهم في الإدارة المقبلة بما يخص قضايا الشرق الأوسط، ستلعب دوراً في رسم سياسته حيال الملف السوري". ورأى أن "الموقف الذي سيتخذه ترامب حيال موسكو وطهران، وهما حليفتان لنظام الأسد، سيكون حاسماً في تحديد سياسته إزاء سورية". واعتبر أنه "إذا سار ترامب في طريق المواجهة مع إيران فسنرى مواقف أميركية متشددة تجاه نظام الأسد".
وبرأي القربي، فإن "هناك سيناريوهات عدة للملف السوري في ولاية ترامب المقبلة: الأول هو بقاء الحال على ما هو عليه، وهو الأقل تكلفة بالنسبة للإدارة الجديدة، والثاني الذهاب في اتجاه فرض حلّ سياسي وتسوية لصالح النظام على ضوء التقارب العربي مع الأخير، وخصوصاً من قبل السعودية والامارات". ورجح القربي بقاء العقوبات الأميركية المفروضة على النظام، إلا أنه رأى أن هذه العقوبات وحدها "لن تنجز حلّاً في ظل بقاء النظام على موقفه الرافض للحلول السياسية".