ماي في مواجهة مفتوحة مع زلزال "بريكست"

02 سبتمبر 2016
ترفض ماي خيار الانتخابات المبكرة (كارل كورت/فرانس برس)
+ الخط -


لم تنتظر رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي طويلاً بعد عودتها من الإجازة الصيفية، حتى فتحت ساحة صدام مُحتمل مع مجلس العموم، ومعسكر "البقاء" في الاتحاد الأوروبي، بعد تأكيدها مجدداً أن "بريكست يعني بريكست"، معتبرة ألا حاجة لعرض نتيجة استفتاء 23 يونيو/ حزيران الماضي على مجلس العموم، ولا حاجة للحصول على تفويض من نواب الشعب، قبل تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، وإطلاق مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في هذا السياق، أعادت ماي تذكير وزراء الحكومة، وغيرهم، بضرورة الالتزام بنتيجة الاستفتاء، عندما صوّت 52 في المائة من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، معتبرة أنه لن يكون هناك استفتاء ثان، ولن تكون هناك "محاولات للبقاء في الاتحاد الأوروبي عبر الأبواب الخلفية".

لم ترق "لاءات" ماي الصارمة للمعارضين السياسيين، وجمهور المؤيدين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بل اتهموا حكومة المحافظين بـ"جرّ البلاد إلى الفوضى بتنظيم الاستفتاء، من دون الاستعداد لنتائجه، ثم إصرارهم الآن على إغراق البلاد في المزيد من الفوضى، بالاستمرار بالتعالي والتصرف بغطرسة من دون استشارة البرلمان أو الرأي العام"، حسبما قالت وزيرة الخارجية في حكومة الظل، إميلي ثورنبيري. كما ذهب المرشح لرئاسة حزب العمال، أوين سميث، إلى أبعد من ذلك، بوصف تجاوز ماي وحكومتها للبرلمان بـ"فضيحة مطلقة"، لا سيما أن أي أغلبية ساحقة من النواب لا يخفون رفضهم لنتيجة استفتاء يونيو.

ولا يستبعد مراقبون أن يؤدي الصدام الجديد بين الحكومة ومعارضي الخروج من الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم أعضاء في حزب المحافظين الحاكم، إلى عاصفة سياسية قد تصل إلى حدّ مطالبة ثلثي أعضاء البرلمان بإجراء انتخابات مُبكرة، تكون نتيجتها بمثابة استفتاء جديد حول العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من رفض تيريزا ماي لخيار الانتخابات المبكرة، إلا أن التعديل الذي أُدخل في عام 2011 على القانون المنظم للدورة البرلمانية، أعطى لثلثي أعضاء البرلمان صلاحية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، بعد أن كان ذلك حكراً على رئيس الوزراء.

وقد سبق أن أثار الزعيم السابق لحزب الأحرار الديمقراطي، نيك كليغ، نقاشاً حول صلاحيات الحكومة في تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، من دون تفويض شعبي، في انتخابات عامة مُبكرة. ورأى كليغ أن "برلماناً جديداً قادراً على إدارة الطلاق التاريخي عن الاتحاد الأوروبي بمسؤولية، هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الفوضى الحالية".

ويبرر مؤيدو "بقاء" بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ضرورة تدخل السلطة التشريعية، بعدم تمرير قانون "الخروج" واعتبار نتيجة الاستفتاء مجرد "استشارة شعبية" بحجج قوية، أولها أن الفارق بين من أيدوا خروج بريطانيا من الاتحاد ومن عارضوا لم يكن كبيراً، ولم تتجاوز نسبة من صوّتوا لصالح الخروج 51.9 في المائة مقابل 48.1 في المائة أيدوا بقاء بريطانيا في الاتحاد. كما أن من صوّتوا للخروج لا يشكلون إلا حوالي 25 في المائة من الشعب البريطاني.

حجة أخرى يتمسك بها المؤيدون، وهي أن 490 نائباً يمثلون الأحزاب الرئيسية في مجلس النواب، من أصل 650 أعلنوا تأييدهم لبقاء بريطانيا في الاتحاد، يُمثلون نحو 70 في المائة من ممثلي الشعب. كما أن الكثير من النواب يعتقدون أن الخروج من الاتحاد يشكل كارثة بالنسبة لبريطانيا، وفقاً لما كتب النائب السابق عن حزب المحافظين، ماثيو باريس، في صحيفة "تايمز".



حتى أن حوالي 1.2 مليون بريطاني ممن صوّتوا في الاستفتاء، أعربوا عن ندمهم بالتصويت لصالح خروج بلادهم من الاتحاد، متهمين قادة "معسكر الخروج" بتضليلهم خلال الحملات الدعائية التي سبقت الاستفتاء، وتقديم معلومات خاطئة حول مزايا الخروج مقابل البقاء.

في المقابل، يزعم مؤيدو "الخروج" وجود مؤامرة لعرقلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومحاولة تقويض الإرادة الديمقراطية للشعب البريطاني، عن طريق تخريب الخروج، مشيرين إلى بدء حملة لفرض استفتاء ثان، أو العودة الى البرلمان للمصادقة على نتيجة الاستفتاء أو رفضها.

وعلى الرغم من تصريحات تيريزا ماي الأخيرة، وإصرارها على المضي في "الخروج" من الاتحاد، إلا أنه من غير المُرجح تفعيل المادة 50 من ميثاق لشبونة، قبل فصل المحكمة العليا في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في القضية التي رفعتها شركة محاماة لندنية تمثل مجموعة من رجال الأعمال والأكاديميين، بدعوى أن رئيس الوزراء ليس من حقه تفعيل المادة 50 من دون نقاش مستفيض وتصويت في البرلمان، الذي ينبغي أن يكون له "دور" في إيجاد "الطريقة الأمثل للمضي قدماً". وتقول شركة "ميشكون دي ريا" إن "الأعراف الدستورية في بريطانيا تنص على أن تفعيل المادة 50 من صلاحيات البرلمان، وأن أي رئيس وزراء يستعمل صلاحياته التنفيذية لبدء الإجراءات سيكون قد انتهك القانون، لأنه يخالف قانون 1972 الذي نظم دخول بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي، ذلك أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع آخر، وفق الأعراف الدستورية، وعليه فإن موافقة البرلمان مطلوبة لمنح رئيس الوزراء سلطة بدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، احتراماً للقانون، وحماية للأعراف الدستورية البريطانية، وسيادة البرلمان، في هذه الظروف غير المسبوقة، وتفعيل المادة 50 من قبل رئيسة الوزراء، دون موافقة البرلمان، سيكون مخالفاً للقانون والأعراف".

المساهمون