تونس: "النهضة" وإشكاليات ترتيب البيت الداخلي

28 ديسمبر 2014
قيادة النهضة أمام تحدي استعادة ثقة الناخبين (الأناضول)
+ الخط -

تتوجّه الأنظار على الساحة التونسيّة إلى قيادة حركة "النهضة"، بعد اعلان الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي، عن نيّته إنشاء حركة أو حراك "شعب المواطنين"، في محاولة لجمع كلّ الذين التفوا حوله ومنحوه أصواتهم، بمن فيهم أبناء حركة النهضة وأنصارها. وعلى الرغم من أنّ الصيغة التنظيميّة لهذا الحراك، لم تتحدّد بعد، فإن ذلك أصاب الكثير من النهضويين بخيبة مؤلمة، وأحدث صدمة لدى عموم القيادة، إلى درجة دفعت القيادي البارز في الحركة الشيخ عبد الفتاح مورو إلى التصريح بأنّ أبناء النهضة "ليسوا للبيع".

وليس هذا الأمر الوحيد الذي يُبرّر الالتفات هذه الأيام نحو "حركة النهضة"، بل أيضاً محاولة التعرّف على موقعها في المرحلة المقبلة، وما إذا ستكون في السلطة أو في المعارضة، خصوصاً بعد أن تجنّبت قيادتها مساندة المرزوقي بشكل رسمي وحاسم، وراهنت على سيناريو التعاون مستقبلاً مع الرئيس المنتخب الباجي قائد السبسي في إطار حكومة وحدة وطنيّة.

ولم يكن هذا الرهان المستبطن، خصوصاً من قبل رئيس الحركة راشد الغنوشي، بدون ثمن جرى دفعه مقدماً، إذ عجّل ذلك باستقالة الأمين العام السابق حمادي الجبالي من الحركة، والذي أعلن بوضوح أنّ الحركة خسرت الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، وها هي تخسر قواعدها، في إشارة الى مبادرة المرزوقي. وتهدّد قيادات أخرى بالاستقالة والقيام بمبادرات أخرى مستقلة عن الحركة، وهو ما يؤكّد مخاوف الكثيرين من احتمال أن تخسر الحركة جزءاً آخر من عناصرها، أو على الأقل يتعزّز الشكّ في قدرة القيادة على إدارة هذه المرحلة، من خلال الوفاء لأهداف الحركة وأهداف الثورة.

ويبدو أنّ الغنوشي الذي وجد صعوبة حقيقية في إقناع قواعده، بأنّ ما يفعله هو في صالحهم وفي صالح الحركة، لم يتمكّن من وضعهم داخل الصورة، التي أصبح يراها اليوم على ضوء الزلزال الذي أصاب مصر، والفتنة التي تأكل ليبيا حالياً، وانهيار الدولة في اليمن، والخطوط الحمراء التي رسمتها الدول الكبرى. ولا يوجد امتحان أكثر قسوة من أن يجد قائد ما نفسه، يفقد في اللحظات الصعبة، ثقة أنصاره. فالقواعد تعتقد أنّ الأزمة تكمن في قيادتها، والقائد يعتقد أنّ المعضلة الرئيسة تتمثّل في حوار الصمّ بينه وبين الجزء الأكبر من أنصاره، لكنه مع ذلك مطالب بأن يشرح ويقنع ويعيد الثقة ويثبت أن حكمة وراء عدم ترشيح الحركة لمرشح منها، ورؤية وراء عدم مساندة المرزوقي، وأن مصلحة عامّة وليست خاصّة، وراء الرهان على السبسي.

وفي هذا السياق، تحتفظ قيادة "النهضة" بحرصها على أن تكون الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع ولا تقصي أحداً. والمهم بالنسبة إليها هو تفويت الفرصة على الداعين إلى عزلها وتهميشها. وفي مقدمة هؤلاء، الجبهة الشعبية من جهة، وتيّار فاعل من داخل حزب "نداء تونس". وتخشى الحركة العزلة انطلاقاً من قناعة قيادتها بأن وجودها داخل الحكومة المقبلة يجعلها شريكاً في السلطة، وفي الوقت نفسه، تشكّل عائقاً أمام من يحاول القضاء على المكاسب التي ترى أنّها حقّقتها عندما كانت في الحكم، وتمنع في الوقت ذاته، من يسعى الى إقصائها وربما استئصالها، حسب اعتقاد الكثير من النهضويين.
وفي مقابل ذلك، ترتفع أصوات داخل صفوف الحركة داعية إلى عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، لأن ذلك يعني تخلّي النهضة عن مشروعها السياسي، الذي بشّرت به بعد الثورة، وسينتهي بها إلى التحالف مع ما تعتبره قواعدها "النظام القديم". ويعتقد هؤلاء بأنّ الأفضل للحركة هو التموضع في خانة المعارضة.

وبذلك، تجد قيادة حركة النهضة نفسها تتحرّك اليوم داخل حدود ضيقة. تريد أن تبقى فاعلة على الرغم من التغيير الحاصل في موازين القوى، لكنّها في حاجة أشدّ إلى ترتيب بيتها الداخلي، بعد أن ذهبت القواعد في اتجاه مغاير لما أرادته الهياكل العليا للحركة. كان الغنوشي يرغب بحسم مسألة الانتخابات الرئاسيّة منذ الجولة الأولى، فإذ بالقواعد تعمل على تمديدها إلى الجولة الثانية. وفي حين اعتبرت القيادة أنّ السبسي رجل المرحلة، رأت القواعد أنّ بإمكان المرزوقي أن ينقذ الثورة. ومن هذه الزاوية، يصبح الاسراع بعقد المؤتمر العاشر العام للحركة أكثر إلحاحاً من المرحلة السابقة، عساه أن يوضح الرؤية ويميّز الخيط الأبيض من الخيط الأسود.