شهدت أحياء في مدينة طرابلس، منذ مساء الاثنين، اشتباكات بالأسلحة المتوسطة بين فصيلين تابعين لرئاسة أركان الجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية.
وتخضع العاصمة طرابلس، منذ فترة طويلة، لسيطرة عدد من القوى المسلحة متغيرة الولاءات والتشكيلات، على خلفية تغير موازين القوى السياسية والحكومات المتعاقبة طوال السنوات الماضية.
وطوال العقد الماضي أثرت التغيرات السياسية في خرائط سيطرة المجاميع المسلحة في طرابلس بسبب تغير مواقفها وولاءاتها للسلطة الحكومية المتعاقبة، لكنها استقرت نسبياً في مواقع سيطرتها بعد انكسار عدوان مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، في يونيو/حزيران من عام 2020، بسبب توحدها تحت قيادة حكومة الوفاق الوطني آنذاك ضد عدوان حفتر.
وفي نهاية عهد حكومة الوفاق الوطني، وخلال عهد حكومة الوحدة الوطنية، بدأت القوى المسلحة تأخذ طابع العمل تحت مسميات حكومية بصفات أمنية متعددة، لكنها تحتفظ في ذات الوقت باستقلالها.
هنا أبرز المجاميع المسلحة المسيطرة على طرابلس حالياً:
-
جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة
وهو أحد أطراف الصراع الأخير في العاصمة طرابلس، وينحدر تحت مسمى تحمله كتيبة الردع الخاصة، تأسست عام 2013 من مجموعة من "الثوار" تحت قيادة الملازم عبد الرؤوف كاره، الذي ينتمي إلى التيار السلفي، وأكسبها تمركزها في قاعدة معيتيقة شماليّ طرابلس، قوة ونفوذاً، لكونها أكبر القواعد العسكرية بالعاصمة، وتشرف على أغلب أحياء وسط العاصمة، بالإضافة إلى وجود أغلب المنشآت الهامة فيها، على غرار مطار المدينة الوحيد، وسجن معيتيقة الذي يوجد فيه نزلاء ذوو أهمية سياسية، كرموز النظام السابق، وعدد من قيادات تنظيم "داعش" المقبوض عليهم في مختلف مناطق غربيّ البلاد.
وزادت أهمية الكتيبة بعد قرار حلّها وإعادة ترتيبها الصادر عن حكومة الوفاق الوطني عام 2018، وتسميتها بـ"جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب" بعد أن كانت تُسمى "كتيبة الردع الخاصة"، ومنحها شخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، وصلاحيات واسعة للقبض والتحري، وإذناً بفتح فروع في أنحاء البلاد كافة.
وتلك الصلاحيات، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية وعتادها، منحها الحق في التوسع لبناء نقاط سيطرة ونفوذ في مناطق خارج طرابلس، مثل ترهونة وبني وليد وزليتن والخمس، شرق طرابلس، بالإضافة إلى قدرتها على تنفيذ حملات اعتقال في أي منطقة غربيّ البلاد تحت غطاء صلاحياتها الأمنية.
وأخيراً، منح المجلس الرئاسي الحالي الكتيبة سلطة القبض وتنفيذ أوامر النائب العام، لكن كل تلك الصلاحيات لم ترفع صبغة مفهوم المليشيا، بسبب مشاركتها في الكثير من الأحداث المسلحة التي شهدتها طرابلس، وسط اتهامات أوضحتها تقارير خبراء الأمم المتحدة بتورطها في أنشطة الإتجار بالبشر وممارسة أعمال العنف ضد المعتقلين في سجونها، مضافاً إلى كل هذا موقفها الغامض من عدوان مليشيات حفتر على العاصمة طرابلس، بسبب عدم مشاركتها الفاعلة في الدفاع عن العاصمة.
-
جهاز دعم الاستقرار
هو مسمى تحمله كتيبة أبوسليم التي تأسست عام 2012، بقيادة عبد الغني الككلي، وهو شخصية مدنية شارك بفاعلية في ثورة فبراير/شباط من عام 2011، واتخذت من حيّ أبوسليم، أبرز وأكبر أحياء وسط العاصمة مقراً لها، قبل أن تتوسع سيطرتها لتضم الأحياء المجاورة لها في باب بن غشير والشرقية والهضبة وطرابلس، بما فيه مقر وزارة الداخلية السابق، وشاركت في أغلب الأحداث المسلحة في العاصمة، منحازة في أغلبها إلى جانب أي سلطة حكومية توجد فيها، وهو ما أكسبها دعماً مالياً مستمراً وقدرة على شراء آليات والدفع بسخاء، ما مكنها من ضمّ أعداد كبيرة من المسلحين، وتُعَدّ الكتيبة من أكبر الكتائب التي تصدت لعدوان حفتر على العاصمة عامي 2019 و2020.
وفي عهد حكومة الوحدة الوطنية، أصدرت وزارة الداخلية بالحكومة، في منتصف عام 2021، قراراً بتسمية كتيبة أبوسليم باسم "جهاز دعم الاستقرار"، ووفقاً للصلاحيات الممنوحة للجهاز، فقد تمكنت كتيبة أبوسليم من فتح مقار لها وفروع في المناطق المجاورة للعاصمة غرباً، كمدن صبراتة والزاوية والعجيلات.
-
اللواء 444 مشاة
وهو مجموعة تكونت على يد العقيد محمود حمزة، الذي كان من أبرز قيادات كتيبة الردع الخاصة، قبل أن ينفصل عنها ويؤسس الكتيبة 20:20 التي منحتها رئاسة الأركان بحكومة الوحدة الوطنية عام 2021، مسمى "اللواء 444 قتال" وتبعية لوزارة الدفاع، ما سمح له بالتمركز والسيطرة على أغلب المعسكرات المهمة في مناطق جنوب غرب العاصمة، وأبرزها معسكر اليرموك ومقر منطقة طرابلس العسكرية، وهو الأمر الذي مكنها من مدّ نفوذها في أحياء جنوب غرب العاصمة، وأبرزها عين زارة والفرناج، وصلاح الدين وقصر بن غشير.
-
جهاز الأمن العام والمتمركزات الأمنية
هو المسمى الذي عرفت به قوة العمليات الخاصة التي تألفت من بقايا كتيبة الصواعق المنحدرة من مدينة الزنتان، أقصى غرب طرابلس. فبعد هزيمة الأخيرة أمام قوات فجر ليبيا، كوّن أحد قادتها، وهو الرائد عماد الطرابلسي، قوة عرفت بـ"قوة العمليات الخاصة"، قبل أن تصدر حكومة الوفاق الوطني قراراً، في يوليو/تموز 2018، بتسمية قواته جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، وتسميه آمراً لها، وتسيطر قوات الجهاز على مناطق غرب طرابلس.
وأصبح جهاز الأمن العام من الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية بعد تعيين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، آمر الجهاز عماد الطرابلسي، وزيراً للداخلية بالحكومة، لكن عتاد وأفراد الجهاز لا يزالون يتمتعون بالاستقلالية كغيرهم من قوى طرابلس المسلحة.
-
اللواء 111 مجحفل
يترأس هذا اللواء عبد السلام زوبي، وهو مدني شارك في عملية الدفاع عن العاصمة ضد عدوان مليشيات حفتر، ترأس العديد من التشكيلات المسلحة خلال السنوات الماضية، قبل أن تسميه وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية آمراً للواء عسكري يجمع الفصائل المسلحة التي تعمل تحت إمرته، والتمركز بها في مناطق جنوب غرب العاصمة كخط دفاع في قطاع جنوب غرب العاصمة، بعد مشاركته الفاعلة في إحباط تدخل قوات اللواء أسامة الجويلي لدعم محاولة دخول الرئيس السابق للحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، في أغسطس/آب من العام الماضي.
-
فصائل أخرى
يوجد في العاصمة الليبية أيضاً عدد آخر من الفصائل المسلحة الصغيرة التي توالي أغلب الفصائل الكبرى التي سبق ذكرها، وتسيطر على مناطقها، ككتيبة رحبة الدروع في تاجوراء الموالية للواء 444 قتال، وكتيبة فرسان جنزور في المنفذ الغربي للعاصمة وتوالي جهاز دعم الاستقرار.
ويعرف عن المجاميع المسلحة في طرابلس بسرعة تغير تبعياتها لوزارات وأجهزة السلطات، ففيما تتبع أغلبها لرئاسة أركان الجيش التابع لحكومة الوحدة الوطنية حالياً، إلا أن صلاحياتها تجعلها تتبع المجلس الرئاسي، الذي يحمل صفة القائد الأعلى للجيش، في بعض الأحيان، وصلاحيات أخرى تجعلها تابعة في مناسبات لوزارة الداخلية، وأخرى لوزارة الدفاع.
وغيرت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية على طرابلس وجه وشكل خريطة النفوذ في العاصمة، ولا سيما على خلفية ولاء عدد منها لصالح الحكومة المكلفة من مجلس النواب بقيادة فتحي باشاغا الذي حاول دخول العاصمة بمساعدتها، وآخرها في أغسطس/آب الماضي.
وأبرز المجاميع المسلحة التي كانت موالية لباشاغا في طرابلس، كتيبة النواصي، التي كانت تتمركز في القاعدة البحرية في أبوستة، بمتاخمة مناطق نفوذ جهاز الردع، واللواء 777 الذي كان يتمركز في معسكر 77 المحاذي لقاعدة باب العزيزية، مقر قيادة العقيد الراحل معمر القذافي.
وكثيراً ما سبّب التقارب في مناطق النفوذ بين المجاميع المسلحة اشتباكات عنيفة. ففي يوليو/تموز من عام 2022، اندلعت اشتباكات عنيفة بين كتيبة ثوار طرابلس وجهاز الردع في مناطق السبعة والفرناج على خلفية تماس بين أفراد الفصيلين، ومثلها بين كتيبة النواصي وجهاز دعم الاستقرار في أحياء سوق الثلاثاء وعمر المختار لذات الأسباب.
ووجدت مجموعات الردع والدعم والاستقرار في ولاء منافسيها من القوى المسلحة في طرابلس لحكومة باشاغا فرصة لإزاحتها من المشهد، فقاد جهازا الردع والدعم والاستقرار عملية عسكرية ضد كتيبة ثوار طرابلس واللواء 777 ولواء النواصي، بسبب استعداداتهم لاحتضان باشاغا وتسهيل دخوله إلى طرابلس، وبعد قتال ضارٍ دام ليومين تمكنوا من إخراج باشاغا برفقة القوى الموالية لهم.
ومنذ ذلك الحين، تقاسمت قوى جهاز الردع وجهاز الدعم والاستقرار واللواء 444 قتال واللواء 111 مجحفل، السيطرة على طرابلس، حيث تسيطر "الردع" على مناطق شمال طرابلس، فيما تسيطر "الدعم والاستقرار" على وسطها، أما اللواءان 777 و111 فيتقاسمان السيطرة على جنوب العاصمة.