أفرزت نتائج الانتخابات الباكستانية، التي أُجريت في 8 فبراير/شباط الحالي، تقدم المستقلين المدعومين من حزب "حركة الإنصاف" بزعامة رئيس الحكومة السابق، المسجون حالياً، عمران خان، وذلك بعد منع الحزب من المشاركة ككيان سياسي في الاستحقاق الانتخابي، ونالوا 93 مقعداً من أصل 266 في البرلمان (يضم البرلمان 336 عضواً، يُنتخب 266 منهم بالاقتراع، ويُعيّن 70 منهم، وهم 60 مقعداً مخصصاً للنساء و10 للأقليات الدينية. ولتولي رئاسة الحكومة، يتوجب على المرشح الحصول على الغالبية المطلقة وهي 169 صوتاً من مجمل 336 نائباً).
غير أن حزب "الرابطة الإسلامية ـ جناح نواز شريف" حلّ أولاً بين الأحزاب بحصوله على 75 مقعداً، وتلاه حزب "الشعب الباكستاني" بـ54 مقعداً، في موازاة شكاوى الأحزاب السياسية والدينية والقومية من تدخل المؤسسة العسكرية وتلاعبها بالنتائج، مما صعّب من عملية تشكيل الحكومة، فضلاً عن دفع البلاد نحو صراع جديد.
اتفاق "الرابطة" و"الشعب" بعد الانتخابات الباكستانية
وعلى الرغم من إعلان حزب "الشعب الباكستاني" وحزب "الرابطة الإسلامية ـ جناح نواز شريف"، أكثر من مرة عن توافقهما على تشكيل تحالف من أجل تشكيل الحكومة عقب الانتخابات الباكستانية، وآخر هذه الإعلانات صدرت الثلاثاء الماضي، إلا أن مراقبين يعتبرون أن الوضع يبقى غامضاً بسبب نتائج الانتخابات الباكستانية لأن معالم التوافق بين الحزبين غير واضحة، ما يقوّي فرضية تراجع أحد الطرفين عن التوافق كما حصل في الأيام الماضية.
وكان اتفاق الحزبين، الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي لقيادتيهما، قد أكد على توافقهما على تشكيل الحكومة على أن يتولى، من حزب "الرابطة"، رئيس الوزراء السابق شهباز شريف (بين عامي 2022 و2023)، منصب رئيس الوزراء، في مقابل تولّي زعيم حزب "الشعب الباكستاني" أصف علي زرداري، منصب الرئاسة الباكستانية، علماً أن زرداري ترأس البلاد بين عامي 2008 و2013.
واتفق الحزبان أيضاً على ان تكون رئاسة البرلمان من حصة "الرابطة"، ورئاسة مجلس الشيوخ من حصة "الشعب". وكان حزب "الشعب" واضحاً في شروطه، مما جعل "الرابطة" في حالة تردد في البداية، لأن المسؤولية ستُلقى على عاتقه وحكومته ستكون مرهونة بقرارات "الشعب"، خصوصاً أن الأخير يمكنه الانسحاب في أي وقت من الائتلاف الحكومي.
عبد الماجد خان: لن يدوم ائتلاف "الرابطة" و"الشعب" طويلاً
وحول هذه التطورات، يرى المحلل السياسي الباكستاني عبد الماجد خان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن ما حصل تمّ بخلاف ما كانت تخطط له مؤسسات الدولة، وبخلاف ما كان يتطلع إليه حزب "الرابطة".
وكان "الرابطة" يتطلع لتولّي نواز شريف، شقيق شهباز، رئاسة الحكومة، غير أن نتائج الانتخابات الباكستانية أتت بخلاف ما كانت يتوقعه الجميع. ويوضح خان أن "الرابطة" سيصل إلى سدة الحكم بمساعدة حزب "الشعب"، لكن الحكومة لن تستمر طويلاً والجميع يعرف ذلك.
في غضون ذلك، يستمر حزب عمران خان بإصراره على أنه يتملك الأغلبية في البرلمان، معتبراً أنه على الرغم من التلاعب بنتائج الانتخابات الباكستانية إلا أن بإمكانه تشكيل الحكومة مع حلفائه.
لكن مراقبين اعتبروا أن حزب خان لا يمكنه أن يشكل الحكومة بمفرده، لأسباب عدة، متصلة بعدم نيل حزب "حركة الإنصاف" الغالبية البرلمانية التي تمكنه من تشكيل الحكومة، وفي الوقت نفسه يرفض التحالف مع "الرابطة" و"الشعب".
وأشار مراقبون إلى أن حلفاء "حركة الإنصاف" الذين خاضوا معه الانتخابات الباكستانية، وهم مجلس وحدة المسلمين والحركة السنية والحركة الوطنية بزعامة محمود خان أجكزاي، لم يحصلوا سوى على مقعد واحد. والأهم من ذلك، بحسب مراقبين، هو صراع خان المتواصل مع المؤسسة العسكرية، لذا عملياً لا يمكن لحزب "حركة الإنصاف" أن يشكل الحكومة، فضلاً عن وجود العديد من الملفات القضائية في حق قيادات حزبه. ودفعت تلك الحالة باكستان إلى ركود سياسي، يبدو المخرج منه صعباً جداً.
في السياق، يقول المحلل السياسي الباكستاني محمد بابر في حديث مع "العربي الجديد"، إن صراع المؤسسة العسكرية مع حزب عمران خان، الذي يحظى بنفوذ كبير وواسع في الأوساط الشعبية لا سيما الشبابية وبين المثقفين، دفع البلاد إلى هذه الحالة، التي لا أحد يعرف إلى أين نسير فيها، وكيف ستواصل الحكومة المقبلة تسيير الأمور في ظل هذا التوزيع السياسي والصراع الدائم الذي يرافقه الوضع الأمني المتأزم والحالة المعيشية الهشة والمتردية.
ويشدّد بابر على أن هناك ضرورة ملحة لأن ترضى المؤسسة العسكرية بالحوار الفوري مع حزب عمران خان، فالأخير لا يستهان به، والرجل معروف بصرامته في المواقف ولا يتنازل بسهولة، ولديه نفوذ كبير وواسع في الأوساط الشعبية.
ويضيف: نعرف أن خان ينتمي إلى العرقية البشتونية وتلك القبائل تؤيده بشكل قوي، كما أن الشباب في جميع أقاليم البلاد يدعمون الرجل، علاوة على أن الشريحة الكبيرة من كبار السن المثقفين سئموا من الأحزاب الأخرى، ويرون أن عمران خان صادق مع هذه البلاد، بالتالي على المؤسسة العسكرية أن تأخذ في عين الاعتبار هذه الحقائق والمعطيات وأن تتفاوض بشكل فوري معه.
كما يوضح بابر أن خان شدّد قبل الانتخابات الباكستانية وبعدها على استعداده للحديث مع المؤسسة العسكرية، ولكن الأخيرة يبدو أنها غير مستعدة لذلك. وبرأيه لعل الصراع القديم بين قائد الجيش الحالي الجنرال عاصم منير الذي أزيح بيد عمران خان من منصب رئيس الاستخبارات إبان حكمه للبلاد، ما زال يؤثر على العلاقة بين الحزب والمؤسسة العسكرية.
خيارات محدودة في باكستان
ولا شك أن المؤسسة العسكرية تسعى لأن تجد مخرجاً للحالة السائدة، لأن الحلول الأخرى تتمحور حول إعادة الانتخابات الباكستانية أو حكم العسكر، وكلاهما غير واقعيين في الوقت الحالي، لأن الوضع المعيشي والأمني للبلاد لا يسمحان بذلك.
في السياق، يعتبر سيد خاقان عباسي، رئيس الوزراء الباكستاني السابق، القيادي في حزب "الرابطة ـ جناح نواز شريف"، في تصريحات صحافية الاثنين الماضي، أن المشكلة الرئيسية هي أن الانتخابات الباكستانية أجريت بصورة مخزية للغاية. ويضيف: عندما كنت أراقب التدخلات في العملية والوصاية على لجنة الانتخابات وإخضاع مؤسسات الدولة لمصلحة حزب ضد آخر، توقعت ما يحصل الآن.
وبرأي عباسي: "وصلنا إلى طريق مسدود تماماً". ويشدّد على الحاجة إلى "حكومة قوية كي تتخذ قرارات مصيرية صعبة"، متوقعاً أن يشكل "الرابطة" و"الشعب" الحكومة بضغط من أطراف عدة، لأن الخيارات الأخرى لا يسمح بها وضع البلاد. وأعرب عباسي عن خشيته من أن تكون الحكومة العتيدة هشة وضعيفة، ومعرّضة للانهيار في أي لحظة.
محمد بابر: على المؤسسة العسكرية التحاور مع حزب عمران خان
تزوير نتائج الانتخابات الباكستانية
وتدّعي جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات حصول عمليات تزوير، كما بدأت الأحزاب تذكر أسماء الفيالق في الجيش التي تتهمها بالتدخل في تزوير الانتخابات، متهمة رئيس المحكمة العليا فائز عيسى، ورئيس لجنة الانتخابات إسكندر سلطان راجا، بدعم عملية التزوير.
وزاد الطين بلة ما قاله مفوض الحكومة في مدينة روالبندي، لياقت علي تشاتا، في مؤتمر صحافي في المدينة السبت الماضي، إنه قَلَبَ نتائج 13 مقعداً في البرلمان لصالح حزب "الرابطة"، على نتائج 29 مقعداً في برلمان البنجاب الإقليمي، الذي تتبع له روالبندي (ويضم هذا البرلمان 371 عضواً).
واتهم تشاتا كلا من راجا وعيسى بقبول تعديلاته، طالباً من المحاكم الباكستانية أن تصدر في حقه حكم الإعدام لأنه "خان الشعب"، وداعياً أيضاً إلى محاكمة رئيس لجنة الانتخابات ورئيس المحكمة العليا.
وردت المحكمة العليا ولجنة الانتخابات وحكومة تصريف الأعمال و"الرابطة" على تشاتا، ووصفوه بأنه "مريض نفسياً"، وسارعت الحكومة إلى اعتقاله، بينما الأحزاب الأخرى كحزب عمران خان والجماعة الإسلامية والأحزاب القومية، دعت إلى إجراء التحقيق في ما قاله الرجل وتوفير الحماية اللازمة، لأنه اعترف بما هو حقيقة في رأيهم.
في هذا الإطار، قال زعيم حزب "حركة الإنصاف" جوهر علي خان، في تصريحات صحافية، الثلاثاء الماضي، إن حزب عمران خان فاز بالأكثرية ولكن لجنة الانتخابات لم تعلن النتيجة وفق عملية الاقتراع، داعياً رئيس لجنة الانتخابات الوطنية إلى الاستقالة وتوفير الحماية اللازمة لمفوض مدينة روالبندي.
وشدّد على أن ما يجري حالياً في البلاد، وما حصل من تعديلات في الانتخابات الباكستانية، لا بد أن تكون لها نتائج على علاقات باكستان مع العالم، تحديداً مع صندوق النقد الدولي.
من جهته، اعتبر زعيم حزب القومي الوطني البشتوني، إيمل ولي خان، في مهرجان شعبي لحزبه في مدينة صوابي في إقليم خيبربختونخوا، شمال غربي باكستان، الأحد الماضي، أن "الجيش الذي من شأنه أن يدافع عن البلاد وعن الحدود عجز عن ذلك"، مشيراً إلى أن ما حدث في بنغلادش، "حيث تراجع الجيش واستقلت بنغلادش عن باكستان" على حد تعبيره.
وتوجه للجيش بالقول: "إما تعطينا حقنا ويكفي التدخل في الشؤون السياسية، وإلا فستكون النتائج وخيمة، وسنعارضك ونقف في وجهك وسترى ما لم تتخيله".