موت قضية اللاجئين الفلسطينيين

24 سبتمبر 2023
متضامنون دوليون مع قضية فلسطين وحق العودة في برلين 15 /5 /2018 (كونيت كاراداغ/الأناضول)
+ الخط -

تتسابق الأنظمة العربية نحو مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، في الوقت الذي تعمل جهاتٌ دوليةٌ عدّةٌ على إنهاء المخيّمات الفلسطينية في دول المنطقة، هذا ما يخسره الفلسطينيون بعد ثلاثة عقودٍ على اتّفاقيات التسوية، فإنهاء ظاهرة المخيّمات داخل فلسطين وخارجها، هو أحد مكاسب إسرائيل، التي سعت إليها منذ توقيع أوسلو، في بداية تسعينيات القرن الماضي.

مما لا شكّ فيه أنّ اتّفاق أوسلو، هو نتاجٌ صهيونيٌ، بل هو انتصارٌ للصهيونية، كما قال رابين في الكنيست بعد توقيع الاتّفاقية، قبل ثلاثين عامًا "إنها انتصار الصهيونية". فهي نتاجٌ تراكميٌ وحتميٌ للأخطاء الفلسطينية، ولهزيمة الأنظمة العربية منذ أربعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى اتّفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني في المنطقة. تعتبر تلك الاتّفاقية محصلة ميزان القوى العام بين الصهيونية العالمية والولايات المتّحدة من جهةٍ، وبين الفلسطينيين والأقطار العربية والإسلامية وحلفائهم من جهةٍ أخرى.

على الرغم من كونه "إعلان مبادئ حوّل ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، لم يشر نصه؛ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، إلى أيّة حلولٍ بشأن القضايا الرئيسة، القدس والاستيطان واللاجئين، فقد كانت رغبة الإسرائيليين التخلص من قطاع غزّة، ومن المسؤولية المدنية عن السكان الفلسطينيين في الضفّة، ومن تحديد مساحاتٍ محددةٍ لهم كي تعزلهم فيها، ومن ثم تستولي على باقي أرجاء الضفّة الغربية، خدمةً للتوسع الاستيطاني. أو بمعنى آخر إعادة هيكلة الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفّة الغربية، وتطوّير أدوات ووسائل التحكم بالفلسطينيين والسيطرة عليهم. هكذا حقّق اتّفاق أوسلو ما أرادته إسرائيل، وخسر الفلسطينيون كلّ شيءٍ" لا دولةٌ، لا قدسٌ، لا عودةٌ للاجئين".

هو مؤشرٌ على خطواتٍ عمليةٍ استباقيةٍ، تسعى إلى إنهاء حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض.

اتّفاقية أوسلو وقضية اللاجئين

نتج توقيع اتّفاق أوسلو عن محادثاتٍ سريةٍ خارج إطار مؤتمر مدريد، والتي قادها من الجانب الفلسطيني الرئيس الراحل ياسر عرفات، رفقة مهندس "اتّفاقية أوسلو" محمود عباس، الذي أبدى استعداده التنازل عن حقّ العودة منذ فترةٍ وجيزةٍ. تركت اتّفاقية أوسلو آثارًا سلبيةً على القضية الفلسطينية برمّتها، ومنها قضية اللاجئين الفلسطينيين، تلك الآثار كانت منذ أن اعترفت منظّمة التحرير الفلسطينية بحقّ "إسرائيل" في الوجود على الأرض التي احتلّها عام 1948، أيّ على 78% من أرض فلسطين، فعمليًا أصبحت هذه الأرض خارج إطار الصراع، وهذا قد يعني أنّ اللاجئين الفلسطينيين؛ الذين خرجوا من حيفا ويافا وعكا والصفد والصفورية وغيرها من المدن والقرى، لن يعد بإمكانهم العودة إليها.

لم تعالج اتّفاقات أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993 قضية اللاجئين مباشرةً، كما لم تؤثر على وضعهم، رغم استنادها إلى قراري مجلس الأمن 242 و338. وعلى غرار "قضايا الوضع الدائم" الأخرى، مثل القدس والمستوطنات، والترتيبات الأمنية والحدود، والعلاقات والتعاون مع دولٍ مجاورةٍ أخرى، وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك. إذًا أُجلت قضية اللاجئين إلى مرحلةٍ ثانيةٍ من المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية، التي كان من المفترض بدؤها خلال السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. أيّ بقي وضع اللاجئين القانوني دون تغييرٍ، باستثناء اللاجئين المقيمين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، الذين حصلوا مع سكانها الأصليين على بطاقات هويّةٍ جديدةٍ، منحتها لهم السلطة الوطنية الفلسطينية، التي أُنشئت في عام 1994.

بدلت اتّفاقيات التسوية؛ بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، دور اللاجئين الفلسطينيين ومكانتهم في معادلة الصراع العربي- الصهيوني كلّيًا، كما غيبتهم القيادة الفلسطينية؛ بعد توقيع أوسلو، عن المشهد السياسي قسرًا، لذا أصبح تأثيرهم هامشيًا ومحدودًا على مختلف المستويات النضالية، لأكثر من ثلاثة عقودٍ.

موت حقّ "العودة" عمليًا

لم يذكر إعلان الاستقلال؛ في نوفمبر/تشرين الثاني 1988، كلًّ من حقّ العودة والقرار 194، بل اكتفى بالإشارة إلى تأييد "تسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق قرارات الأمم المتّحدة". أيضًا؛ أعادت القيادة الفلسطينية تفسير القرار 194 بطريقةٍ مشوهةٍ، كما في تصريح رئيس منظّمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الرسمي، أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بأنّ القرار 194 يشترط أيضًا "التعويض كبديلٍ عن حقّ العودة".

في عام 1990 قال أبو إياد؛ عضو منظّمة التحرير الفلسطينية، لمجلة السياسة الخارجية الأميركية، بأنّ عودة اللاجئين الكاملة غير ممكنةٍ، خصوصًا بعد أن دمرت إسرائيل أكثر من 400 قريةٍ تدميرًا كاملاً، في الفترة الممتدة بين 1948-1949، كما قال إنّ الفلسطينيين لن يقبلوا العيش تحت حكم إسرائيل، إن كان هناك دولةٌ فلسطينيةٌ بديلًا عنها، كما حث أبو إياد إسرائيل على قبول مبدأ حقّ العودة والتعويض، مع ترك تفاصيل هذه العودة مفتوحةً للتفاوض.

بعد اتّفاقيات أوسلو؛ بدأت بعض الرموز القيادية تلتف على حقّ العودة، كما جاء في اتّفاقية محمود عباس- يوسي بيلين، التي اتفقا عليها في أكتوبر/تشرين الأول 1995، ولم تنشر أو يصادق عليها، والتي تنص على: "توافق إسرائيل على إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ في معظم أنحاء الضفّة الغربية وغزّة، في المقابل فإن الفلسطينيين سوف يتخلون عن حقّ العودة إلى إسرائيل بشكلٍ ملائمٍ، ويشجعون بدلاً من ذلك اللاجئين الفلسطينيين على الإقامة في الدولة الفلسطينية الجديدة".

في قمة أنابوليس؛ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، أقر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، بأنّ عودة اللاجئين الجماعية إلى إسرائيل من شأنها أن تدمّر البلاد، وبالتالي حصر العودة إلى فلسطين بأراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية، التي ستقتصر على الضفّة الغربية وقطاع غزّة، والعيش بسلام مع إسرائيل.

بدلت اتّفاقيات التسوية؛ بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، دور اللاجئين الفلسطينيين ومكانتهم في معادلة الصراع

في 23 آب/أغسطس؛ عقد لقاء غير رسمي بين ست شخصيات من حزب ميرتس الإسرائيلي وأبي مازن، قال فيها الأخير "أنا أعلم مدى خشيتكم، وأنا أريد أن أوضح الأمور، أنا أستطيع أن أضمن لكم عشية النهاية الناجحة للمفاوضات الالتزام بإنهاء كلّ الدعاوى، ولن نطالب بالعودة إلى يافا وعكا وصفد".

في افتتاح منتدى "الحرية والسلام الفلسطيني"؛ في 7 فبراير/شباط 2019، قال محمود عباس في خطابه الافتتاحي أنه لن يسمح بعودة خمسة ملايين لاجئٍ فلسطينيٍ إلى ديارهم، قائلاً: "نحن لا نسعى ولن نعمل على إغراق إسرائيل بالملايين... هذا هراء... نحن نعمل من أجل مستقبل شباب إسرائيل، ونقدر حساسية إسرائيل تجاه الأمن، وخوفها من المستقبل والتطرف... ونقبل بحلف الناتو ليقوم بمهمة تأمين الأمن للطرفين، ونتمسك بكلّ اتّفاقاتنا الأمنية لمواجهة خطر الإرهاب".

اليوم، بينما اللاجئون الفلسطينيون عالقون في فراغٍ سياسيٍ، دخلت منظّمة التحرير الفلسطينية؛ وهي المؤسسة المسؤولة عن الفلسطينيين عامّةً، في طور السبات، إلّا أنّ قرار أبو مازن في فبراير/شباط 2022، الذي اعتبر منظّمة التحرير الفلسطينية؛ رغم أنّها تمثّل كلّ الفلسطينيين في الداخل والخارج، دائرةً ضمن دوائر السلطة الفلسطينية، هو مؤشرٌ على خطواتٍ عمليةٍ استباقيةٍ، تسعى إلى إنهاء حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض.

إنّ إنهاء ظاهرة مخيّمات اللجوء داخل فلسطين وخارجها، هو هدفٌ إسرائيليٌ، ومع تراجع دعم وكالة "الأونروا"، وتقلص خدماتها يوميًا، أصبحت حياة اللاجئين شبه مستحيلةً، وتؤدي إلى هجراتٍ جديدةٍ إلى مناطق أخرى من العالم، ما قد ينهي رمزية المخيم، ودلالته على الوجود الفلسطيني في مقابل الاحتلال واستمراريته، فإنّ إنهاء تلك المسألة المستعصية إما بالقتل أو بالتدمير، كما حدث في مخيّم اليرموك منذ 2011، ويحدث الآن في مخيّم عين الحلوة ومن بعده إنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان، آخر معقل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

المساهمون