استمع إلى الملخص
- إخلاء القرى الجنوبية: أصدرت إسرائيل أوامر بتهجير نحو 30 بلدة جنوب الليطاني، منها يارون وعين إبل، نظراً لتضاريسها الصعبة عسكرياً.
- التاريخ العسكري لنهر الليطاني: يعود التركيز الإسرائيلي على الليطاني لعوامل جغرافية واستراتيجية، حيث تجاوز الاحتلال النهر في اجتياحي 1978 و1982، وعاد للواجهة خلال عدوان 2006 وأكتوبر 2023.
في كل عدوان أو اجتياح إسرائيلي للبنان يحضر إلى الواجهة نهر الليطاني كخط جغرافي أساسي في أي عملية عسكرية يقودها الاحتلال، وهو ما يتكرر في العدوان الحالي على لبنان، إذ توالت منذ أيام تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأنه وسط تركيز على تراجع حزب الله إلى شمال النهر قبل أن ينذر جيش الاحتلال أمس الثلاثاء، سكان الجنوب بعدم التحرك في جنوب نهر الليطاني ليتبع ذلك بعد وقت قصير ما وصفه بـ"البيان العاجل لسكان جنوب لبنان" خصوصاً الواقعة جنوبي النهر وذلك من أجل إخلاء منازلهم "فوراً" و"التوجه فوراً إلى شمال نهر الأولي".
إخلاء قرى
القرى المشمولة بأوامر التهجير هي: يارون وعين إبل ومارون الراس وطيري وحداثا وعيتا الجبل (الزط) وجميجيمة وتولين ودير عامص وبرج قلاويه والبياضة وزبقين وجبال البطم وصربين والشعيتية والكنيسة والحنية ومعركة والغندورية ودير قانون ـ مالكية الساحل والبرج الشمالي وإبل السقي وصريفا ودير قانون النهر والعباسية والرشيدية وعيترون، فضلاً عن مدينة بنت جبيل، وتنبسط هذه القرى على مسافات تتراوح بين صفر كيلومتر إلى نحو 20 كيلومتراً من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، في القطاعات الشرقية والوسطى والغربية، للجهة المقابلة لمزارع شبعا وإصبع الجليل والجليل الأوسط. وهي مناطق تضاريسها صعبة عسكرياً على الإسرائيليين. أما نهر الأولي فيقع شمالي مدينة صيدا، ويُشكّل فاصلاً طبيعياً بين قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، وقضاء صيدا. ويبعد نهر الأولي نحو 60 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، ونحو 30 كيلومتراً شمال نهر الليطاني. ويعني ذلك أن للاحتلال نوايا أكبر من مجرد "عملية برية محدودة".
طلب الاحتلال من سكان نحو 30 بلدة ومدينة التوجه إلى شمال نهر الأولي
ينبع نهر الليطاني من ينابيع العليق على علو ألف متر في غرب قضاء بعلبك، ويعبر سهل البقاع، قبل الانحراف غرباً، باتجاه ساحل البحر المتوسط، شمال مدينة صور. ويبلغ طول مجرى الليطاني 170 كيلومتراً، وهو أكبر نهر في لبنان، من أصل 16 نهراً. تبلغ المساحة الكلية لجنوب الليطاني حوالي 850 كيلومتراً مربعاً، ويقطنه نحو 200 ألف نسمة، 75% من الطائفة الشيعية، في حين يتوزع الـ25% المتبقية على المسيحيين والسنّة والدروز.
ويعود سبب التركيز الإسرائيلي على نهر الليطاني إلى تداخل عاملين. الأول، هو المسافة بين النهر والحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة، التي تتراوح بين 25 و30 كيلومتراً، علماً أن زاويته الجنوبية الشرقية، لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات عن مستوطنة المطلة الإسرائيلية في إصبع الجليل المقابلة لبلدة كفركلا اللبنانية الواقعة في القطاع الشرقي من الجنوب اللبناني. أما العامل الثاني فيرتبط بالمدى الجغرافي للصواريخ اللبنانية والفلسطينية التي طاولت الاحتلال، منذ عام 1969 وما بعدها. في السياق، هدف الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 14 مارس/آذار 1978، إلى إبعاد المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين إلى شمال نهر الليطاني، حتى أن الجيش الإسرائيلي أطلق تسمية "عملية الليطاني" على اجتياحه. وفي عام 1982، تجاوز الاحتلال النهر، وصولاً إلى العاصمة بيروت، محققاً بالنسبة إليه أهدافاً أكثر من مجرد إبعاد مسلحين إلى شمال نهر الليطاني، بل تمثلت في إخراج أكثر من 14 ألف مقاتل فلسطيني من لبنان في سبتمبر/أيلول 1982.
وبعد عام 1982، بات نهر الليطاني، في زاويته الجنوبية الشرقية، وصولاً إلى قضاء جزين، جزءاً من الشريط الحدودي (الحزام الأمني بحسب تسمية الاحتلال) الذي أنشأته إسرائيل، مما جعل باقي مناطق جنوب نهر الليطاني "آمنة" نسبياً للمستوطنات الشمالية في فلسطين المحتلة. غير أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000، وقبل عدوان صيف 2006، تراجع الحديث عن نهر الليطاني. لكن خلال العدوان، ومع إعلان الاحتلال نواياه في الوصول إلى نهر الليطاني، لإبعاد حزب الله إلى شمال النهر، عادت أهميته بالنسبة لإسرائيل، حتى إنهاء العدوان بالقرار 1701، الذي نص في الفقرة الثانية من بنده الثامن على "اتخاذ إجراءات أمنية تمنع استئناف العمليات الحربية، خصوصاً إقامة منطقة بين الخط الأزرق (الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة في عام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان) والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة، غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية (يونيفيل)".
وعلى الرغم من أن الاحتلال لم يحترم القرار 1701، بخرقه السيادة اللبنانية أكثر من 30 ألف مرة، بين عامي 2006 و2024، فإن حزب الله احترم الشق المتعلق بعدم استهداف إسرائيل، رغم انتشار الحزب جنوبي نهر الليطاني. غير أنه بعد بدء المواجهات بين الحزب والاحتلال في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد يوم على بدء طوفان الأقصى في غزة، عاد الحديث عن نهر الليطاني، في سياقات تطبيق القرار 1701، وإبعاد حزب الله إلى شماله، حسبما طلبت إسرائيل. وكان الأمين العام للحزب، حسن نصرالله الذي اغتيل يوم الجمعة الماضي، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، قد ذكرا في الأشهر الماضية، أنه من "الأسهل نقل الليطاني إلى الحدود (مع فلسطين المحتلة)، بدلاً من نقل المقاومة إلى وراء النهر"، وذلك خلال المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي إلى لبنان، عاموس هوكشتاين. وفي يونيو/حزيران الماضي، كشف الإعلام الإسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من هوكشتاين نقل "رسالة محددة" إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، مفادها "إما انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني وإما الحرب". وبعد اتساع نطاق الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بدءاً من 23 سبتمبر/أيلول الماضي، وصولاً إلى الإعلان عن "عملية برية محدودة في لبنان"، بات نهر الليطاني محور النقاشات العسكرية مجدداً.
اعتمد الاحتلال على الخط الساحلي في اجتياحي 1978 و1982
المقاييس العسكرية لنهر الليطاني
في المقاييس العسكرية، تتنوّع الأراضي الواقعة جنوبي الليطاني، فهي مناطق سهلية، خصوصاً تلك المنتشرة على طول الساحل في القطاع الغربي، من مدينة صور باتجاه الحدود جنوباً، بينما تُصبح أكثر وعورة بفعل تعدد الهضاب والتلال والجبال الصخرية، من القطاع الأوسط باتجاه القطاع الشرقي. وفي الحسابات العسكرية التقليدية، فإن الخط الساحلي أسهل للدبابات، وهو ما اعتمده عملياً الإسرائيليون في اجتياحي 1978 و1982. أما في العمق، فإنه على الرغم من وجود بعض الطرقات السهلية في القطاعين الأوسط والشرقي تُسهّل مسيرة الآليات المقتحمة، لكن العوائق الطبيعية تسمح للمدافعين في ضرب المتقدمين. والمثال على ذلك، ما حصل في وادي الحجير في قضاء النبطية، حين تقدم رتل دبابات إسرائيلي، من نوع ميركافا، بغية الوصول إلى مجرى الليطاني من جهته الجنوبية الشرقية، لكن حزب الله تمكن من صدّ الرتل اعتماداً على الطبيعة الجغرافية للوادي، وذلك في 12 أغسطس/آب 2006. ومنذ 8 أكتوبر 2023، أظهرت غارات الاحتلال وقصفه المدفعي خصوصاً على المناطق الممتدة من سفوح مزارع شبعا باتجاه القطاع الأوسط، حاجته إلى رفع وتيرة الاستهدافات لتلك المناطق، إثر إعلانه عن "التوغل البري المحدود"، لحاجته إلى غطاء ناري واسع، يعبّد الطريق لأي توغّل ميداني.