تعكس أحداث الأيام الأخيرة في باكستان تطورات سياسية مثيرة، حيث تركزت الأنظار على قضية منع زعيم حركة الإنصاف ورئيس الوزراء السابق، عمران خان، من المشاركة في الانتخابات المقبلة. وفيما يبدو أن الساحة السياسية تشهد تصاعداً في التوتر بين الحكومة والقضاء، يستعرض الزعيم المحبوس في زنزانته خياراته ورهاناته على النجاح في هذا السياق.
في تسريب مبهم يبدو أنه جاء من داخل سجنه، أكد عمران خان على ثقته المطلقة بفوز حزبه في الانتخابات المقبلة، مشدداً على أن شعبية حزبه لا تزال تتزايد وتتعزز رغم التحديات. ويرى خان أن مستقبله يعتمد على عاملين رئيسيين: شعبية حزبه بين الجماهير والقوى المؤثرة، والقرارات القضائية التي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في مستقبله السياسي.
وفي هذا السياق، تشير المؤشرات إلى تفكك داخلي في حزب خان، حيث انشقت بعض الأجنحة وتم توزيع القيادة المهمة على مجموعات مختلفة. كما أثرت اعتقالات سابقة على الكثير من القادة البارزين في الحزب، مما أدى إلى اندفاع بعضهم لتأسيس جماعات جديدة أو الانضمام إلى أحزاب سياسية أخرى بهدف البقاء خارج أروقة السجون.
في هذا السياق، تسعى الحكومة ومن ورائها المؤسسة العسكرية إلى ضرب حزب خان من خلال اعتقال قادته وتعريضهم للمحاكمات العسكرية قبل موعد الانتخابات. ويعتمد هذا السيناريو على استغلال التدهور الأمني في بعض مناطق البلاد، وبالأخص في المناطق التي يحظى خان بدعم قوي من السكان. وتسعى المؤسسة العسكرية أيضاً لجذب علماء الدين والقبائل لدعمها في ظل الأزمة الأمنية التي تعصف بالبلاد.
استراتيجية خان
على الجانب الآخر، يلجأ حزب خان إلى استراتيجية جديدة تتمثل في تجنب الخروج إلى الشارع وتجنب أي ردود فعل قوية على اعتقاله. يرى محللون أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على شعبية وقيادة الحزب حتى موعد الانتخابات. ورغم أنه قد يبدو أن شعبية خان تراجعت إلى حد ما، إذ أن ردود الفعل على اعتقاله في الخامس من الشهر الحالي بخلاف ما حدث في التاسع من شهر مايو/أيار الماضي، إلا أنه ما زال يحظى بدعم واسع من الشباب والجماهير، حيث تمثل ذلك في نجاح حزبه في الانتخابات الفرعية في منطقة ميترا.
في تصريح للمحلل السياسي عبد الشكور خان لـ"العربي الجديد"، أشار إلى أن شعبية عمران خان، ما زالت قوية ومتزايدة. على الرغم من وجود انتقادات واستياء في الأوساط الشعبية تجاه الصعوبات التي يواجهها خان، إلا أنه لم يقم بالخروج إلى الشارع لسببين رئيسيين. الأول هو توجيه حزبه توصيات لأنصاره بتجنب التجمعات العامة لتجنب تصاعد المضايقات والتوترات. الثاني هو تدهور الوضع الأمني في البلاد، خاصة في مناطق شمال غرب باكستان التي تعتبر معقلاً لشعبية خان، وحيث تقوم المؤسسة العسكرية بجهود لتحريك القبائل وعلماء الدين بسبب الأزمة الأمنية.
وأوضح المحلل السياسي أن هناك تفاعلاً ضمنياً بين حزب خان وأنصاره، حيث يمتنع الشباب الذين يؤيدونه بشدة عن المشاركة في التجمعات العامة أو التعبير علناً عن دعمهم له. هذا السكون يرتبط بتوصيات الحزب لهم لتجنب الاعتقال قبل موعد الانتخابات، خوفًا من تداعياتها. وعلى الجانب الآخر، تؤجل الحكومة الانتخابات بشكل متكرر بذرائع متعددة، وهو ما يشير إلى تخوفها من نجاح حزب خان حتى في حال كان زعيمه خلف القضبان.
خلف الكواليس
محمد مقبول خان، أحد وجهاء منطقة أبدره في مدينة بشاور شمال غرب باكستان، يفصح لـ"العربي الجديد" عن رؤيته بعين الواقع. على وقع تجاوزه السبعين عاماً، يعلن دعمه القوي لعمران خان، بسبب قناعته بصدقية خطابه وأهدافه. يكشف أن نسبة تأييد الشباب لخان تبلغ 90%، ولكنهم يبقون خلف الكواليس حالياً، بعيدين عن التظاهرات العلنية والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يبرز محمد مقبول خان أن هذا الصمت ليس نتيجة تراجع في الدعم، وإنما توجيهات من حزب خان نفسه، الذي نصح شبابه بتجنب التصعيد العلني لتجنب المشاكل القانونية قبيل موعد الانتخابات. يوضح أن الحكومة تلجأ إلى تأجيل مواعيد الانتخابات بشكل متكرر، في محاولة واضحة للحيلولة دون انتصار حزب خان، حتى في حال كان زعيمه خلف القضبان.
أما في ما يخص رهان عمران خان على المؤسسة القضائية، فإنه يواجه تحديات تحكمها السياسة والتدخل الحكومي. حيث تمت تغييرات في مناصب القضاة في المحاكم المحلية، مما أثر على استقلالية القضاء. من بين هؤلاء القضاة، قاضي محكمة اسلام آباد، همايون دلاور، الذي أصدر حكماً بسجن عمران خان لمدة ثلاث سنوات. هذا الحكم يعكس تدخل المؤسسة العسكرية، حيث أظهر دلاور إصراراً على الحكم حتى بعد التغييرات في جداول المحاكم. وبينما أن دلاور لم يكن ضمن القضاة المعنيين بالمشاركة في مؤتمر قضائي في جامعة هال في لندن، إلا أن اسمه تم إضافته في وقت لاحق وسافر مع عائلته إلى بريطانيا.
في تطورات الأحداث، أفاد الخبير القانوني الباكستاني، محمد زاهد، لـ"العربي الجديد" بأن الحكومة حاولت على مدى الأشهر الماضية إقناع المؤسسة القضائية، وتحديداً رئيس المحكمة العليا، القاضي عمر عطا بنديال، بعدم دعم عمران خان، ولكنها فشلت في ذلك. تبنت الحكومة سياسة التقسيم كاستراتيجية جديدة، ورغم فشلها في التأثير على المحكمة العليا، نجحت في تأثيرها على المحاكم المحلية ومحكمة إسلام آباد.
مع ذلك، لا تزال المحكمة العليا حرة من تأثيرات تلك السياسة، ويتوقع الخبير القانوني أنه عندما تصل قضية خان إلى المحكمة العليا، ستظهر صورة جديدة تماماً. من الناحية القانونية، يجب إعادة النظر في قرار المحكمة المحلية من قبل محكمة إسلام آباد، وإذا قررت المحكمة نفس القرار، فإن الأمور ستنتقل إلى المحكمة العليا، وسيأخذ الملف منحى جديداً.
ويوضح محمد زاهد أن القاضي همايون دلاور من بين هؤلاء القضاة الذين تأثرت قراراتهم بهذه السياسة. ومع ذلك، لا تزال المحكمة العليا حرة من هذه التأثيرات.
من الجدير بالذكر أن قرار المحكمة المحلية سيتطلب إعادة النظر فيه من قبل محكمة إسلام آباد، وإذا تم تأكيد نفس القرار، فإن الأمور ستتجه نحو المحكمة العليا، مما سيؤدي إلى تطور جديد في القضية.
في سياق متصل، أعلنت لجنة الانتخابات الوطنية الباكستانية أمس قرار منع عمران خان من المشاركة في الانتخابات لمدة خمس سنوات، وذلك بناءً على تورطه في قضايا فساد. وعلى الجانب الآخر، رفضت محكمة إسلام آباد بدء نظر الطعن المقدم من جانب عمران خان في حكمه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وأكدت أنه سيتم بدء الإجراءات خلال خمسة أيام بعد تواجد جميع الأطراف. في الوقت نفسه، رفض محامو خان تأجيل الإجراءات وأصروا على بدئها من اليوم، ولكن محكمة إسلام آباد رفضت هذا الطلب.
تجدر الإشارة إلى أن الشرطة الباكستانية اعتقلت عمران خان في الخامس من الشهر الجاري بناءً على اتهامات بالتورط في قضية فساد تُعرف باسم "توشه خان"، بناءً على حكم صدر عن محكمة محلية في إسلام آباد. وأوضحت الشرطة أن الاتهام يتعلق ببيع هدايا تم منحها للدولة بشكل غير قانوني.