في ظل حالة الانسداد السياسي التي تعيشها ليبيا وحالة الفراغ التي أنتجها تراجع فاعلية مبادرة البعثة الأممية لحل الإشكالات المتعلقة بالقوانين الانتخابية، نشط نجل ولي عهد الحكم الملكي السابق في ليبيا، محمد الرضا السنوسي، في عقد مشاورات مع قيادات ليبية حول الوضع السياسي في البلاد.
وبدأت المشاورات التي أطلقها السنوسي بلقائه، السبت الماضي، عدداً من مشايخ وقيادات وأعيان القبائل من المنطقة الشرقية لمناقشة مستجدات الوضع السياسي في البلاد.
وكتب السنوسي على حسابه على منصة "إكس" معبراً عن سعادته تجاه "كمّ الوعي والإدراك بمدى دقة المرحلة التي يمر بها الوطن، والحرص الذي أبداه الجميع على إنجاح المساعي المبذولة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان عبر حوار وطني مخلص وجاد".
وفي ثاني مشاوراته التقى السنوسي، أمس الاثنين، من عدد من النواب في مجلس النواب، وقال بأن النواب نقلوا له "ملاحظاتهم وملاحظات قاطني المناطق التي يمثلونها في بنية الحوار الوطني والجهود الرامية إلى إنجاحه تحت مظلة الشرعية الدستورية الملكية"، بحسب منشور على حسابه بمنصة "إكس".
وفي ذات اليوم، التقى السنوسي عدداً من القيادات النسائية، وناقش "ما تمثله المرأة في المجتمع ودورها في المساهمة في إحلال السلام وتحقيق الاستقرار"، مشيراً إلى أن لقاءه بالقيادات النسائية جاء لـ"ضمان المشاركة الكاملة لكل الفعاليات والقوى المجتمعية".
ولم يذكر السنوسي مكان انعقاد تلك اللقاءات، لكن مصادر برلمانية ذكرت أن اللقاءات جرت في طبرق والبيضاء، شرقي البلاد، ووفق معلومات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن السنوسي يرتب للقاءات أخرى مع فاعلين اجتماعيين وسياسيين في جنوب البلاد خلال الأسبوع المقبل.
وجاء نشاط السنوسي بعد كلمته المسجلة التي بثتها منصات مقربة منه في ذكرى استقلال ليبيا، التي وافقت 24 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والتي دعا فيها إلى الاستفادة من المرجعية الدستورية للحكم الملكي في ليبيا لإعادة التوافق والوحدة المفقودين في البلاد جراء الصراعات.
وفيما أوضح السنوسي أن المرجعية الدستورية هي دستور استقلال ليبيا عام 1951، وأنه الكفيل بتوحيد المؤسسات الليبية في ظل حوار يمثل إرادة ليبية حقيقية، أشار إلى عزمه البدء في مشاورات ومحادثات مع جميع الأطراف المكونة للمجتمع الليبي دون استثناءات أو شروط.
وأكد السنوسي، في معرض كلمته، أن مشاوراته "لا تستهدف عودة لنظام أو استعادة لعرش أو محاصصة بين القليل على حساب الكل، وإنما للوصول إلى هدف واحد مشترك يتمثل في رفعة وتقدم الوطن تحت مظلة دستورية ومرجعية مؤسساتية تحترم إرادة الشعب".
ومحمد الرضا السنوسي (61 عاماً) هو النجل الوحيد للحسن السنوسي ولي عهد الملك إدريس السنوسي، ملك ليبيا السابق خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، والذي انتهى بإطاحته في انقلاب عسكري قاده العقيد الراحل معمر القذافي عام 1969. ومنذ ذلك العام أقام محمد الرضا رفقة أسرته في بريطانيا حيث لا يزال يعيش فيها.
وبحسب معلومات المصادر البرلمانية، فإن السنوسي لم يناقش مع مشايخ القبائل والنواب الذين التقاهم تفاصيل مبادرة واضحة، باستثناء تشديده على ضرورة إطلاق حوار وطني واسع يضم كافة الفاعلين من كل الأطياف الليبية، وأوضح أحد المصادر أن السنوسي "كان في لقاءاته مستمعاً أكثر منه متحدثاً، ويوجه الأسئلة حول الرؤية لكيفية الحل ووصف الواقع والاستماع للمبادرات"، معبراً عن اعتقاده بأن السنوسي يسعى من خلال لقاءاته لحشد الآراء والمواقف لمبادرة يبدو أنه يجهز لها.
ويعبر الناشط في تنسيقية الأحزاب والتكتلات السياسية الليبية، عبد الرحمن الأربد، عن اعتقاده بأن نشاط السنوسي "لن يتجاوز حجم" أي مبادرة من المبادرات التي سبقته حتى ولو أعلن عن تفاصيلها، موضحاً أن "الفراغ السياسي الحاصل هو من جعل لحراكه إقبالاً واهتماماً، كما أن تحركه في شرق ليبيا حيث لا يزال الإرث السنوسي الديني يلقى احتراماً زاد من أهمية لقاءاته على الصعيد الإعلامي، أما واقعية حراكه على صعيد الواقع السياسي فالأمر بعيد جداً".
ويضيف الأربد في حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول إنّ "دستور الاستقلال لم يلغه القذافي وإنما جمده، لكن ما حدث بعد سقوط نظام القذافي هو تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد انتهت من أعمالها ولم يبق إلا الاستفتاء عليه".
ويلفت الأربد إلى أسباب أخرى تجعل من طرح السنوسي بعيداً عن واقع الأزمة الليبية، قائلاً إنّه "حتى ولو كان نشاط السنوسي لا يهدف لعودة العرش الملكي كما صرح، إلا أن تحركه لن ينفصل في الأذهان عن العرش والملكية، خاصة أنه يتحدث عن شرعية دستورية سابقة متصلة بالملكية، وبالمختصر سيضيف عقدة جديدة لعقدة الأزمة الليبية تشجيع المنادين بعودة الملكية للظهور مجدداً في المشهد".
وسبق أن ظهر تيار سياسي أطلق على نفسه "حراك العودة للشرعية الدستورية" مكوّن من أنصار الملكية السنوسية، وعقد لقاءات عدة، منها لقاء بمدينة غريان، في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، لكنه لم يلق صدى وقبولاً في الأوساط الليبية.
وفي المقابل، يرجح الباحث في الشأن السياسي، عيسى همومه، أن يكون وراء حراك السنوسي دعم غربي، موضحاً أن بريطانيا التي تعد أقدم حلفاء العرش السنوسي في ليبيا احتضنت نجل ولي العهد طيلة العقود الماضية، وقال إنّ "حراكه الحالي قد يكون ورقة جديدة من أوراق الضغط والتنافس الدولي الحاصل في الملف الليبي، خاصة أن لندن وواشنطن يبدو أنهما تسعيان لتجديد نشاطهما السياسي والدبلوماسي في ليبيا قريباً".
والأسبوع الماضي، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن، رشّح الدبلوماسية جنيفر جافيتو، لتكون سفيرة فوق العادة لدى ليبيا، وستخلف الممثل الأميركي الخاص الحالي، ريتشارد نورلاند، في إدارة الملف الليبي.
ويتابع همومه قراءته بالقول إنّه "يجب أن تتوفر العديد من المعطيات المتصلة بالأوضاع في المنطقة كاملة، فكبرى الدول كواشنطن ولندن تبني سياساتها وفق مصالحها في المنطقة كاملة، وربما يكون هذا الحراك الجديد الذي يقوده السنوسي على صلة بمساعي الدول الغربية لعرقلة التوسع الروسي الذي يتخذ من مناطق شرق ليبيا قاعدة له".
والأهم برأي همومه هو "الصمت المطبق في جانب خليفة حفتر وعقيلة صالح، وسط تحرك السنوسي بنشاط في مناطق سيطرتهما، خاصة حفتر الذي لن يقبل بأي فاعل سياسي جديد في مناطقه، ما يوحي بوجود حماية غربية لحراك السنوسي".