ما وراء تصريحات السيسي تجاه اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند؟

24 يناير 2024
السيسي وشيخ محمود في القاهرة الأحد الماضي (Getty)
+ الخط -

في لهجة هي الأشدّ ضدّ اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند (أرض الصومال)، الذي حصلت أديس أبابا بموجبه على حق استخدام واجهة بحرية في صوماليلاند، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود، في القاهرة الأحد الماضي، إن "الصومال دولة عربية، ولها حق الدفاع المشترك وفق ميثاق الجامعة العربية".

وأضاف السيسي باللهجة المصرية: "مش بنهدد حد، ومش هنسمح لحد يهدد الصومال… محدش يجرب مصر… ويهدد أشقاءها، خاصة لو طلبوا إننا نبقى موجودين معاهم". وتابع السيسي: "كان لنا في مصر موقف، ببيان من وزارة الخارجية يرفض المساس بوحدة أراضي الصومال، ونجدد هذا التأكيد مرة أخرى".

واعتبر أن "التعاون والتنمية أفضل كثيراً من أي شيء آخر… رسالتي هنا للإثيوبيين، التعاون مع الصومال وجيبوتي متاح بالوسائل التقليدية، محدش (لا أحد) يرفض التعاون. محاولة القفز على أي أرض من الأراضي، عشان تستولي عليها، محدش هيوافق على كده".

أقوى تصريحات للسيسي ضد اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند

واعتبر مراقبون أنّ تصريحات السيسي هي الأشد لهجة ضد اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند غير المعترف بها دولياً، مطلع يناير/كانون الثاني الحالي. وتمنح مذكرة التفاهم أديس أبابا حق استخدام واجهة بحرية بطول 20 كيلومتراً من أراضي صوماليلاند لمدة 50 عاماً، مقابل حصول الإقليم على حصة لم تُحدَّد من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.


محمد خليفة: تصريحات السيسي تعبر عن الواقع المصري الذي يحتاج إلى أن يضغط على إثيوبيا في مسألة سد النهضة

وفي حين أنّ رئيس صوماليلاند موسى بيهي عبدي أعلن، أخيراً، أن أديس أبابا وعدت الاعتراف بـ"جمهورية أرض الصومال"، فإن الحكومة الإثيوبية لم تعلن نيتها القيام بذلك، إلا أنها أشارت إلى أنها ستجري "تقييماً متعمقاً بهدف اتخاذ موقف بشأن جهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف الدولي".

وكانت الحكومة الصومالية قد أكدت، في بيان أخيراً، أنها "ستتصدى لهذا الاتفاق بكل الوسائل القانونية"، معتبرة إياه "عدواناً وانتهاكاً صارخاً لسيادتها".

موقف السيسي من اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند متوقع

تعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأفريقية، محمد خليفة، لـ"العربي الجديد"، إن "موقف الرئيس المصري من اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند متوقع، وليس الوحيد في المنطقة، فهو أيضاً موقف جامعة الدول العربية وعدد من الدول والمنظمات الدولية، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة، باعتبار أنه اتفاق بين دولة وإقليم غير معترف به".

وأضاف: "إثيوبيا اتفقت مع هذا الجزء من الصومال، على اعتبار أنه دولة، وطبعاً هو إقليم انفصالي أُعلن كدولة قبل سنوات طويلة، ولكن لم يعترف به أحد". وأوضح خليفة: "الآن ربما وقّعت إثيوبيا هذا الاتفاق مع أرض الصومال من أجل حلّ مشكلتها مع الموانئ، ولكنها تحاول أن تنحني أمام العاصفة، وترى إذا كان من الممكن أن ينجح هذا الأمر أو لا. لكن الأمر الملاحظ هو الرفض الكامل من الكثير من دول العالم".

وأضاف: "الآن مصر التي أكدت رفضها (للاتفاق)، ولديها الكثير من الإشكالات مع إثيوبيا، تتفق مع الصومال لأن الدولتين عربيتين، ومصر أقوى دولة في المنطقة، وأيضاً الدولتان عضوان في الاتحاد الأفريقي، وأيضاً مشاطئتان للبحر الأحمر، وعضوان في منظمة التعاون الإسلامي، ولذلك هناك علاقة وطيدة جداً بينهما".

وتابع: "لذلك جاءت هذه الزيارة من الرئيس الصومالي، وأعتقد أنه ستكون له زيارات أخرى لدول المنطقة، وعلى رأسها السودان، لكي يتأكد من وقوف هذه الدول مع الصومال في هذه المعركة الدبلوماسية، وربما العسكرية، لأن الرئيس المصري أعلن أن مصر قد تضطر إلى التدخل إذا طلب منها ذلك، وهي مستعدة لذلك".

وتابع خليفة: "أعتقد أن مصر إذا تدخلت في هذا الأمر، فهي تحاول أن تصطاد عصفورين بحجر واحد، تضعف إثيوبيا من جهة، وتعيد إلى الصومال حقه في عدم المساس بالموانئ، وأيضاً عدم الاعتراف بالإقليم".

وأشار إلى أن "تصريحات السيسي تعبّر عن الواقع المصري، الذي يحتاج إلى أن يضغط على إثيوبيا في مسألة سد النهضة، التي لا تزال معلقة في مكانها، وإثيوبيا تواصل البناء وإنجاز كل أعمال السد، وترفض الانصياع أمام أي تعهدات ومواقف واضحة بشأن الاستمرار في بنائها للسد".

دعم مصر لوحدة الصومال وسلامته

من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات السيسي في المؤتمر الصحافي مع رئيس الصومال، تعبّر عن دعم مصر لوحدة أراضي الصومال وسلامتها، ورفض أية محاولات لتشجيع انفصال إقليم أرض الصومال (صوماليلاند) الذي لا تعترف به دول العالم". وشدد على أن مصر "ستدعم دائماً موقف الصومال للدفاع عن وحدته وسلامة أراضيه، ضد التدخل الخارجي ومحاولة فرض الأمر الواقع".


محمد محمود مهران: قضية القرن الأفريقي تمثل عصباً رئيسياً في الأمن القومي المصري

بدوره، علّق أستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران، على التصريحات الأخيرة للسيسي بشأن رفض مصر اتفاق إثيوبيا وصوماليلاند. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "تصريحات السيسي جاءت في سياق الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الصومالي"، مشدداً على أن مصر "ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للصومال أو المساس بوحدة أراضيه".

وأضاف أن "القانون الدولي يكفل حق الدول في الدفاع عن نفسها أو حلفائها في حالات معينة كالعدوان، وخصوصاً أن الصومال عضو في الجامعة العربية". وبين أن "أي تحرك مصري محتمل يأتي في سياق حماية الحقوق العادلة، ورفض أي سياسات توسعية غير قانونية على حساب دول الجوار".

ولفت مهران إلى أنّ "قضية القرن الأفريقي تمثل عصباً رئيسياً في الأمن القومي المصري، ولذلك فإن موقف مصر ثابت وحازم تجاه احترام حقوق دول المنطقة ورفض فرض الأمر الواقع بالقوة".

وأوضح أن "الاتفاق الموقَّع بين إثيوبيا وأرض الصومال غير قانوني، لأنه يعتبر منطقة صومالية تحت الاحتلال"، مشيراً إلى "حق الصومال في استعادة أراضيه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وحثّ مهران المجتمع الدولي على "رأب الصدع الحاصل بين الحكومة الصومالية وإقليم صوماليلاند بشكل عاجل، بما يحفظ وحدة الصومال وسيادته"، مؤكداً "ضرورة تسوية النزاع الإثيوبي الصومالي بالطرق السلمية، بما يحفظ مصالح الشعبين ويصون الأمن والاستقرار في المنطقة".

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن "القيادة المصرية يهمها أمر الصومال بدافع الانتماء العربي، إلى جانب العلاقات التاريخية بين البلدين على مدى 50 عاماً منذ عهد الرئيس الصومالي (الراحل) محمد سياد بري، مروراً بكل الظروف التي مرّ بها الصومال".

مصر تنظر إلى الاتفاق كتعدٍّ على الصومال

وأضاف أن "قضية اتفاق المنفذ الذي تمهد إثيوبيا للاستحواذ عليه، تنظر إليه مصر كتعدٍّ على دولة الصومال، في ظل الظروف التي لا تزال تعانيها، ممثلة بانشقاق إقليم أرض الصومال الذي لا يزال يفتقد شرعية دولية، ومن ثم إن أي اتفاق مع جماعته يعتبر باطلاً من الناحية الشرعية، وعلى مستوى أهم، يعتبر تعدياً على الصومال كدولة عربية كاملة السيادة تنتمي إلى الجامعة العربية".

وتابع علي: "الموقف المصري وفقاً للتصريحات التي أدلى بها السيسي، يعبّر عن رفض لا تساوره مجاملة، عبر منطلق وحسابات مستقبلية ومصالح تنظر إليها القيادة المصرية وتدافع عنها بدافع ما يمثله الصومال كدولة مستقلة، والثقل المصري المراعي للحقوق والمصالح العربية".

الباحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية، عمار فايد، قال لـ"العربي الجديد" إن "ذلك كلام (السيسي) يدعو للعجب، لأن إثيوبيا تحديداً اختبرت النظام المصري في ملفات أكثر حساسية مثل سدّ النهضة، وتمرد تيغراي، والسودان، وكلها ملفات كانت مصر عاجزة فيها عن الدفاع عن حقوقها المباشرة والحيوية، فلماذا ستقلق من موقفهم الداعم للصومال؟".

وأضاف فايد أن رئيس الحكومة الإثيوبية "أبي أحمد يتحرك دائماً بنهج فرض الأمر الواقع، وهو يدرك التوازنات بصورة جيدة". وتابع: "الموقف العربي غالباً سيظل سياسياً، ولن يجبره على التراجع، خصوصاً وهو مدعوم بصورة مباشرة من الإمارات وفرنسا، وكلاهما قادر على الضغط على عدة أطراف عربية لعرقلة أي خطوات جادة".

وحول تلويح السيسي باستخدام اتفاق الدفاع العربي المشترك ضد إثيوبيا، قال فايد إنه "عملياً لم يفعل وليس موجوداً تاريخياً، ولم يفعل في لبنان 1982 (في إشارة إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان) ولا في العراق ولا سورية".