استمع إلى الملخص
- تعيينات بارزة: أعلن ترامب عن تعيينات رئيسية مثل بيت هيغسيث وزيراً للدفاع، مما يعكس توجهه نحو اختيار شخصيات وفية له، حتى لو كانت تفتقر إلى الخبرة التقليدية، لضمان تنفيذ أجندته دون معارضة.
- سياسات مستقبلية: يخطط ترامب لتطبيق سياسات تهدف إلى تغيير شامل في قطاعات متعددة، مع التركيز على تقليص البيروقراطية وتعزيز القوة العسكرية، وتعيين إيلون ماسك لقيادة وزارة جديدة لكفاءة الحكومة.
يستكمل الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اختيار فريقه الحكومي والمسؤولين في المناصب العليا في إدارته المقبلة، للبدء بما يصفها الانطلاقة السريعة التي يريدها لتنفيذ أجندته "أميركا أولاً". ومع كل اسم يرشح من هذه التعيينات، والاختيارات التي يحتاج كثير منها إلى موافقة الكونغرس، تبرز إلى العلن ملامح عن رؤية دونالد ترامب للمرحلة المقبلة، والتي قد لا تكون عشوائية، رغم صفتها "الشخصية"، بل تنم عن رغبة ممنهجة في تطبيق سياسة داخلية وخارجية حازمة، يسعى ترامب من خلالها إلى "تغيير وجه أميركا"، أو وضع الأسس المتينة لذلك، وهو ما لم يتمكن كثيراً من تطويره خلال سنوات حكمه الأربع بين عامي 2017 و2021.
ويرغب ترامب، بانطلاقة قوية لحكمه، تؤسس لهيمنة على البلاد قد تذهب بعيداً في تثبيت رؤيته لما بعد ولايته، مع تمكين تياره من التغلغل بقوة في مفاصل الدولة والسيطرة عليها. وبين النزعة الانعزالية، والحمائية المفرطة، والتشكيك بالحلفاء التقليديين، وصولاً إلى شعار "السلام عن طريق القوة"، من شأن "قبيلة" ترامب التي ستحكم خلال الأعوام المقبلة إرساء مفاهيم جديدة للسياسة الداخلية والخارجية، ولو مستمدّة بعضها من أسلافه الجمهوريين، لكنها من دون شكّ ستكون على الأرجح أكثر "عدوانية"، مع من يصفهم ترامب في الولايات المتحدة بـ"العدو من الداخل"، وفي الخارج مع خصوم أميركا، وعلى رأسهم إيران والصين. لكن الثابت في تعيينات ترامب الجديدة، ولاء الأسماء المختارة له، في وقت قد يحكم ترامب من وراء الستارة بقوة، في كل الوزارات والإدارات التي سترث حكم الديمقراطيين، وسط خشية لدى مرؤوسيه من نزعته الديكتاتورية، وعبارة "أنت مطرود"، التي استخدمها في ولايته الأولى أكثر من أي رئيس في التاريخ الأميركي.
نيويورك تايمز: غلبة في فريق ترامب لجماعة الصفقات لا الأيديولوجيا
واختار ترامب الكثير من أسماء إدارته المقبلة، ومعظمها ممن يمكن تصنيفهم بـ"الأوفياء" له، و"الأصدقاء"، وزملاء الهوايات المشتركة، لكنهم يملكون جميعهم هوية مشتركة، حيث يصنّفون من عتاة الصقور، وعدد كبير منهم آتٍ من خلفية اقتصادية، ويشاركون الرئيس المنتخب قناعته بأن السياسة تُدار كما يُعمل في "البزنس" بمنطق الصفقات والتجارة والربح المادي المباشر.
ومن غير الواضح كيف سيعمل هؤلاء على فرض الهيمنة على العالم، وسط تراجع مفهوم التدخلات العسكرية المباشرة للولايات المتحدة في الخارج، واعتقاد سائد لدى صنّاع القرار في واشنطن، أو ما يمكن تسميته بالدولة العميقة، بعدم تحقيق سياسة العقوبات النجاح المطلوب. أما في السياسة الداخلية، فيمكن الحديث فعلاً عن جنوح ترامبي، لتغيير وجه البلاد، حيث إن لائحة استهدافاته المقبلة، التي تتحضر "قبيلته" لتنفيذها، تشمل تقريباً كل القطاعات، من التعليم إلى الاقتصاد، إلى المجتمع، إلى الإدارة العميقة، وهو تغيير، بغض النظر عن المقاومة التي قد يواجهها من الداخل، من شأن نجاحه أن يحدث تبدلاً دراماتيكياً في واشنطن خلال السنوات الأربع المقبلة، لاسيما إذا ما بقي الحزب الديمقراطي على "ضعفه"، الذي أرساه الرئيس جو بايدن.
قبيلة دونالد ترامب بالأسماء
واستكمل ترامب، أول من أمس الثلاثاء، سلسلة تعييناته، وعملية اختياره لفريقه الحكومي والإداري، من دون مفاجآت تذكر، أو أمل ولو بسيط بأن يكون من بينهم "معتدلون". واتضحت أول من أمس، معالم فريق دونالد ترامب الخاص بالأمن القومي، وأعلن تسمية مقدم البرامج على شبكة فوكس، والضابط السابق في الحرس الوطني، بيت هيغسيث، وزيرا للدفاع، والمدير السابق لوكالة الأمن الوطني، جون راتكليف، مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). كما اختار ترامب، بيل ماكغلي، مستشارا للبيت الأبيض، ورجل الأعمال ستيفن ويتكوف، مبعوثا له إلى الشرق الأوسط، ومايك هوكابي، حاكم أركنساس السابق بين عامي 1996 و2007، ليصبح السفير الأميركي في إسرائيل. واستحدث ترامب وزارة كفاءة الحكومة، واختار لها الملياردير إيلون ماسك بالتعاون مع المرشح الرئاسي الجمهوري السابق، فيفيك راماسوامي.
وكان دونالد ترامب اختار الاثنين النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك مندوبة أميركية في الأمم المتحدة، ومايك والتز، مستشاراً للأمن القومي، وتوم هونان، مسؤولا عن ملف الهجرة، وستيفن ميلر نائب كبير موظفي البيت الأبيض، بعدما عيّن رئيسة حملته سوزي وايلز، كبيرة موظفي البيت الأبيض. كما اختار ترامب، الاثنين، حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، كريستي نوم، لتشغل منصب وزيرة الأمن الداخلي، ولي زلدين، لترؤس وكالة حماية البيئة.
وزير الدفاع مقدم برامج على "فوكس"
وجاء اختيار ترامب لاسم وزير الدفاع بيت هيغسيث مفاجئاً، بعدما طرح في الإعلام اسم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، لقيادة هذه الوزارة، أو السيناتور توم كوتون، أو مايك والتز. ويفتقد هيغسيث (44 عاماً) الخبرة العسكرية الرفيعة، أو المتقدّمة، وحتى في مجال الأمن القومي. عمل مع "فوكس"، منذ 2014، علماً أنها أعلنت أول من أمس، انتهاء تعاملها معه. وفي هذه القناة المحافظة، طوّر هيغسيث صداقته مع ترامب، وهو يرث اليوم وزارة الدفاع عن لويد أوستن، في وقت يمرّ العالم بسلسلة من الأزمات الكبرى، منها الحرب الروسية على أوكرانيا، والتصعيد في آسيا مع الصين، وتطور العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية، فضلاً عن التصعيد العسكري في الشرق الأوسط.
إضافة إلى ذلك، يُنظر إلى هيغسيث كأحد الأسماء التي سيرتكن إليها ترامب، لتنفيذ أجندته في وزارة الدفاع، المبنية على استئصال من يسميهم "الخونة". وهيغسيث هو مؤلف كتاب "الحرب على المحاربين: ما وراء خيانة الرجال الذين يبقوننا أحراراً؟"، ومن أبرز المتكلمين عن استئصال من يسميهم أتباع تيار "اليقظة" (woke)، وهو تعبير جديد لوصم أفكار يسارية، مثل التساوي المجتمعي والاندماج، من الجيش الأميركي. ويروج كتاب هيغسيث، لـ"تجارب حرب شخصية" للكاتب، و"قصص غضب، ونظرة ثاقبة حول كيفية التواء سلسلة القيادة". وبحسب ترويج الكتاب، فإنه "أساسي لإنقاذ محاربينا، والانتصار في الحروب المقبلة".
أثار اختيار بيت هيغسيث وزيراً للدفاع استغراب الكثيرين، لقلة خبرته
وكان ترامب قد بدّل خمسة وزراء دفاع في إدارته السابقة، ومنهم اثنان فقط جرى تثبيتهما في الكونغرس، وهم مارك إسبر وكريس ميلر (بالوكالة) وجايمس ماتيس وباتريك شاناهان (بالوكالة) وريتشارد سبنسر (بالوكالة لأيام قليلة فقط حتى تثبيت إسبر). واختلف ماتيس وإسبر طويلاً مع ترامب، خلال ولايته الأولى، لأسباب عدة، وحاولا أيضاً العمل خلف الكواليس، لثنيه عن قرارات عدة، منها إرساله قوات الجيش خلال تظاهرات "حياة السود مهمة" والانسحاب من سورية والعراق وأفغانستان، فضلاً عن امتعاض ماتيس الشديد من ازدراء ترامب لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بالإضافة إلى مقاومة رغبة ترامب ببناء "قوة عسكرية فضائية" وطرد المتحولين جنسياً من الجيش ونشر آلاف العسكريين على الحدود البرّية مع المكسيك.
وسيكون على أي وزير دفاع جديد في عهد دونالد ترامب الثاني، العمل على تنفيذ أجندته الانعزالية، ومقارعة سياسات المنظومة العميقة، فضلاً عن إدارة أكثر من مليوني موظف في الوزارة (بنتاغون). وكانت علاقة ترامب بالطاقم المدني والعسكري في الوزارة، خلال ولايته الأولى، محفوفة بالتوتر المتواصل و"الإحباط" المتبادل، وعديدون منهم لم يتوانوا حتى عن وصفه في أوقات كثيرة بـ"غير المؤهل"، وذلك ما برز في مقالات أحياناً غير موقعة بأسمائهم.
أما هيغسيث، فقد خدم في العراق وأفغانستان وفي غوانتانامو. تقدم بصفته مرشحاً لمجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا في 2012، لكنه لم ينجح. دافع مرة عن أربعة متعاقدين مع شركة بلاكووتر للمرتزقة، أدينوا في 2007 بقتل عشرات العراقيين في بغداد، وقد عفا عنهم ترامب في ولايته الأولى. وقال دونالد ترامب في بيان، إنه مع تعيين بيت هيغسيث على رأس وزارة الدفاع "فإن جيشنا سيصبح عظيماً مجدداً، وسيكون أعداؤنا قد حُذّروا، وأميركا لم تتراجع أبداً". وأضاف: "لن يقاتل أحدهم أفضل (منه) من أجل قواتنا، بيت سيكون مدافعاً شجاعاً ووطنياً عن سياستنا: السلام من خلال القوة". ورأى مارك كانسيان، المستشار في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، في حديث لوكالة أسوشييتد برس، أن لدى هيغسيث "خبرة رائعة باعتباره ضابطاً صغيراً، لكنه لا يمتلك الخبرة الرفيعة بمجال الأمن القومي التي يحتاجها وزراء الدفاع"، لافتاً إلى أن ترامب "ربما ملّ من الخلاف مع وزراء دفاعه السابقين، واختار شخصاً سيكون وفياً له"، لكنه اعتبر أن قلة خبرة هيغسيث "قد تصعّب عملية تثبيته في الكونغرس".
وبحسب الموقع، فإن أي اختيار لترامب لقيادة البنتاغون، سيلحظ عدم رغبة الرئيس المنتخب في تقليص ميزانية الجيش (لدى البنتاغون حالياً ميزانية تتخطى 800 مليار دولار سنوياً)، بما فيها خصوصاً على النظام الدفاعي الصاروخي وتطوير القدرات النووية، فضلاً عن ضمان عمل شركات الإنتاج العسكرية لتوفير كل حاجات الجيش، لكن مع حرصه على ألا يعارض الوزير الجديد أي أوامر لترامب تعد "خطيرة"، ومنها محاربته ما يصفه بـ"تسييس الجيش". ويتوافق هيغسيث مع ترامب في ثلاثة أمور رئيسية: جعل الجيش الأميركي أكثر فتكاً، استئصال الـ"ووك" (قال ترامب مرة في أحد تجمعاته الانتخابية إن هذا التيار سيختفي من الجيش في غضون 24 ساعة إذا اتبعت تعاليم كتاب هيغسيث)، وتنفيذ أجندة "أميركا أولاً".
نادي الأوفياء
واختار ترامب، المدير السابق لوكالة الأمن الوطني، جون راتكليف، مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه". وبحسب "سي أن أن"، فإن اسم راتكليف كان مطروحاً وزيراً للعدل. يعمل حالياً رئيساً مشاركاً لمركز الأمن القومي، في معهد سياسات أميركا أولاً، المرتبطة بترامب. هو نائب سابق عن تكساس، وكان مديراً سابقاً لوكالة الأمن الوطني من 2020 إلى 2021، ويشكل تعيينه تأكيداً لاتهامات خصوم ترامب بأنه يستخدم عالم الاستخبارات لتنفيذ أجندته الخاصة (برز كأبرز المدافعين عن ترامب خلال محاولة عزله الأولى في الكونغرس خلال ولايته الأولى) وبأن راتكليف ساعد ترامب في حملته الرئاسية عام 2020، حين نشر وثائق غير مؤكدة حول تدخل روسيا في الانتخابات، ومنها معلومات من "حاسوب هانتر بايدن الشخصي". كما اتهم إيران في 2020 بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية. لراتكليف موقف متشدد من الصين، التي اعتبرها "الخطر الأكبر" على المصالح الأميركية، ما يضعه في تناغم مع كبار المعينين الآخرين في إدارة ترامب المقبلة، ومن بينهم مايكل والتز، الذي عيّنه الرئيس المنتخب مستشاره للأمن القومي.
ومن بين نادي "الأوفياء"، اختار دونالد ترامب أيضاً شريكه في لعبة الغولف، رجل الأعمال من نيويورك، والمستثمر في مجال العقارات، ستيفن ويتكوف، ليكون مبعوثه إلى الشرق الأوسط. وفي بيان تعيينه، قال ترامب إن ويتكوف "قد جعل أي مشروع وأي تجمع انخرط فيه أكثر قوة ورخاء". وأضاف: "ستيفن سيكون صوتاً لا يتزعزع للسلام، وسيجعلنا كلنا فخورين".
اختار دونالد ترامب أيضاً شريكه في لعبة الغولف، رجل الأعمال ستيفن ويتكوف، ليكون مبعوثه إلى الشرق الأوسط
وربما ينطبق على ويتكوف، خصوصاً، ما رأت فيه صحيفة نيويورك تايمز، أمس، أنه غلبة في فريق ترامب الجديد، لـ"السياسات الفوضوية التي تقوم على إبرام الصفقات أكثر من الاعتماد على الأيديولوجيا". وويتكوف صديق مقرّب من ترامب، كان إلى جانبه حين تعرّض لمحاولة اغتيال في نادي الغولف الخاص به في فلوريدا، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو سيلقي كلمة في يوم تنصيبه، وليس واضحاً بحسب موقع بوليتيكو أمس، ما سيكون دوره في الشرق الأوسط، أو الدور الذي يريده دونالد ترامب له في هذه المنطقة (كان ترامب عيّن في ولايته الأولى جايسون غرينبلات مبعوثاً للشرق الأوسط خصوصاً لتسهيل إبرام اتفاقات التطبيع)، فيما عينّ جو بايدن ليز غراندي وديفيد ساترفيلد، اللذين ركّزا على الجانب الإنساني. وكان ويتكوف قد امتدح، في يوليو/تموز الماضي، قيادة ترامب للسياسة في الشرق الأوسط، خلال ولايته الأولى، معتبراً أنها "كانت جيّدة لإسرائيل وكل المنطقة"، وكتب على "إكس"، إن "الشرق الأوسط اختبر في ظلّ قيادة ترامب مستويات قياسية من السلام والاستقرار، القوة تمنع الحروب، إيران حرمت من المال الذي يمول الإرهاب العالمي". وكان ويتكوف شاهداً لمصلحة ترامب، في قضية دفع رشى للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز.
كما قرّر ترامب، اختيار الملياردير إيلون ماسك لقيادة وزارة جديدة لـ"كفاءة الحكومة"، مهمتها تفكيك البيروقراطية الحكومية وتقليص اللوائح الزائدة وخفض النفقات، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية. وفي السنة المالية الماضية، أنفقت الحكومة أكثر من 6.75 تريليونات دولار، والعجز اقترب من تريليوني دولار.
وبحسب ما نشرته وكالة بلومبيرغ، يرجح أن يعمل ماسك، الذي دعم دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بشدة وكان من أكبر الممولين له، موظفاً حكومياً خاصاً، وهو التعيين الرسمي للأفراد خارج الحكومة الذين يتم جلبهم لفترات قصيرة للحصول على خبراتهم. وسيعمل ماسك مع المرشح الرئاسي الجمهوري السابق فيفيك راماسوامي، لقيادة هذه الوزارة، بحسب بيان لترامب. وأعطى الرئيس الجمهوري المنتخب الرجلين مهلة حتى 4 يوليو 2026 لتحقيق "حكومة أصغر" للقوة العظمى تكون بمثابة "هدية مثالية لأميركا في الذكرى الـ250 لإعلان الاستقلال" في 4 يوليو 1776.