استمع إلى الملخص
- ردود الفعل الدولية والمحلية: لم يصدر موقف رسمي من النظام السوري، بينما أبدت روسيا مخاوفها من تغيير خريطة السيطرة، محذرةً من اجتياح إسرائيلي محتمل لجنوبي سوريا.
- الأهداف الإسرائيلية والتحليلات: تهدف التحركات الإسرائيلية إلى تأمين قواتها وتحضير مسرح العمليات، مع منع أي عمليات عسكرية مستقبلية ضدها، مما يُعتبر انتهاكاً للاتفاقيات الدولية.
باشرت إسرائيل أعمال بناء على طول المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة في جنوب البلاد، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة في عام 1974 بين تل أبيب والنظام السوري، الذي يبدو اليوم عاجزاً عن ردع إسرائيل عسكرياً. وحتى ظهر أمس، لم يصدر عن النظام السوري أي موقف حيال انتهاك تل أبيب لاتفاقية فك الاشتباك، لذا من المتوقع أن يكتفي بالشكوى لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن كعادته، عند كل اعتداء إسرائيلي على الأراضي السورية. وكانت السلطات السورية قد وقّعت في مايو/أيار 1974 ما عُرف بـ"اتفاقية فك الاشتباك" مع الجانب الإسرائيلي، والتي نصّت على أن "إسرائيل وسورية ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة". وحددت الاتفاقية بالتفصيل أماكن قوات النظام والجانب الإسرائيلي، ومنطقة الفصل بينهما والتي تبلغ مساحتها حوالي 400 كيلومتر مربع، ورابطت بها منذ ذلك الحين قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة يبلغ عددها 1200 عنصر.
تجاوز لاتفاقية "فك الاشتباك"
وأفادت وكالة أسوشيتد برس قبل أيام بأن صور أقمار اصطناعية حللتها، أظهرت أن إسرائيل بدأت مشروع بناء على طول ما يسمى الخط "ألفا" الذي يفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سورية. كما أظهرت الصور أن الجانب الإسرائيلي كما يبدو يضع الإسفلت لمد طريق على طول الحدود مباشرة، متجاوزاً بذلك اتفاقية فك الاشتباك في عام 1974 التي وقّعها مع النظام السوري في حينه. وذكرت الوكالة أن الصور تظهر إنشاءات بطول 7.5 كيلومترات على امتداد الخط "ألفا". ويظهر في الصور ما يبدو أنه خندق تم وضع الإسفلت في أجزاء منه، كما تظهر أيضاً أعمال تسييج تمتد حتى الجانب السوري.
ونقلت الوكالة نفسها عن منظمة الأمم المتحدة، أن القوات الإسرائيلية دخلت المنطقة منزوعة السلاح، في انتهاك لقواعد وقف إطلاق النار التي تحكم المنطقة. وتحتفظ الأمم المتحدة بقوة لحفظ السلام في المنطقة منزوعة السلاح، تسمى قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك "أوندوف" منذ 50 عاماً. وكانت وكالة رويترز قد ذكرت، منتصف الشهر الماضي، أن إسرائيل أزالت ألغاماً أرضية وحرّكت السياج الفاصل بين المنطقة منزوعة السلاح نحو الجانب السوري، وبدأت بتنفيذ أعمال حفر لإقامة المزيد من التحصينات في المنطقة. وبدأت تل أبيب العمل على هذه الخطوة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، مع بداية التصعيد على الجبهة اللبنانية، والذي أدى حتى اللحظة إلى هدم عدة قرى في جنوب لبنان. وتوغل الجيش الإسرائيلي قبل نحو شهرين في الأراضي السورية بالقرب من قرية كودنا، الواقعة في القطاع الجنوبي لمحافظة القنيطرة، بهدف إنشاء طريق ترابي وسياج أمني جديد. وأرسلت إسرائيل، في يونيو الماضي، رسالة مكونة من 71 صفحة إلى الأمم المتحدة، زعمت فيها وجود "انتهاكات سورية لخط ألفا ووجود مسلحين في منطقة الفصل التي تحدث يومياً". وتضمنت الرسالة عدة مزاعم بشأن عبور مدنيين سوريين للخط.
ومن الواضح أن التطورات المتلاحقة في الجنوب السوري تثير مخاوف روسيا، أبرز داعمي النظام، من قيام إسرائيل بتغيير خريطة السيطرة، خصوصاً في ريفي القنيطرة ودرعا، لذا أقامت أخيراً نقاط مراقبة، آخرها كان السبت الماضي، إذ ارتفع العلم الروسي في نقطة مراقبة جديدة قبالة منطقة فض الاشتباك بين قوات النظام السوري والجيش الاسرائيلي في هضبة الجولان المحتلة. وقال نائب قائد القوات الروسية العاملة في سورية، الجنرال ألكسندر روديونوف، الأسبوع الماضي، لوكالة سبوتنيك الروسية، إن "نقطة تابعة للقوات الروسية، على طول شريط فصل القوات في منطقة القنيطرة جنوبي سورية، افتتحت السبت (الماضي) في سياق الاتفاقيات للحفاظ على عدم خرق منطقة فض الاشتباك الأممية". من جهته، حذّر المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتيف، الثلاثاء الماضي، من اجتياح إسرائيلي لجنوبي سورية، مشيراً في مقابلة على قناة روسيا اليوم إلى أن ردة فعل روسيا ستكون سلبية حيال هذا الأمر. ولفت إلى وجود ثماني نقاط مراقبة روسية على خط "برافو"، وهو الخط الفاصل بين الحدود السورية - الإسرائيلية، المعروف بمنطقة فض الاشتباك.
رشيد حوراني: الترتيبات تندرج في سياق التحضير لاحتمال اندلاع أو شن عمليات عسكرية
تأمين تحرّك القوات
ورأى الخبير العسكري رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما تقوم به إسرائيل في المنطقة منزوعة السلاح يهدف إلى تأمين قواتها من الناحية اللوجستية والأمنية"، مضيفاً أنها "شقت الطرق البرية وقامت بتعبيدها لتأمين تحرك القوات والعتاد البري الذي يدخل إلى تلك المنطقة على شكل دوريات بدون التمركز فيها". وأوضح أن "الخنادق والسواتر الترابية تهدف إلى تأمين تلك القوات من أي هجمات، فالسواتر الترابية الأمامية للخنادق تؤمّن حمايتها من أي رمايات معادية". وأشار إلى أن "الخندق الذي أنشأته إسرائيل الهدف منه ربط نقاطها المنشأة حديثاً مع بعضها البعض"، موضحاً أنها "حصّنته بالأسلاك الشائكة والسواتر الترابية كي لا يصل إليه أحد من الجانب الآخر". وباعتقاده، فإن "كل هذه الترتيبات تندرج في سياق تحضير مسرح العمليات القتالية لاحتمال اندلاع أو شن عمليات عسكرية باتجاه أهداف على الأراضي السورية أو تنفيذ توغلات أعمق".
وائل علوان: تل أبيب ستدمر المنطقة في ريف القنيطرة وجزءا من ريفي درعا ودمشق
من جهته، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التوجّه الإسرائيلي هو منع أي عملية عسكرية مماثلة لتلك التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي من قطاع غزة". وأضاف أن إسرائيل "لم تعد تثق في القرارات الدولية والاتفاقيات الإقليمية، فدمرت شمال غزة، وجنوب لبنان جنوب نهر الليطاني، حيث يجري تدميره بشكل كامل كي تبقى منطقة غير مأهولة لسنوات وخالية من أي عمل عسكري". ورأى أن التوجه الإسرائيلي "يشمل المنطقة منزوعة السلاح مع سورية"، معتبراً أن تل أبيب ستدمر المنطقة في ريف القنيطرة وجزءا من ريفي درعا ودمشق، لضمان عدم قيام أي طرف بأعمال عسكرية مستقبلاً ضد إسرائيل. بدوره، أوضح الخبير القانوني عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن دخول تل أبيب المنطقة منزوعة السلاح، والقيام بأعمال بناء فيها "يعتبر انتهاكاً لاتفاق فك الاشتباك المبرم في عام 1974، وانتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 338 لسنة 74 الذي قضى بوقف إطلاق النار واللجوء إلى المفاوضات، استناداً إلى القرار الدولي 242 لعام 1967 القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في ذلك العام". وأضاف أن الخطوة الإسرائيلية "تعتبر عملاً من أعمال العدوان".