استمع إلى الملخص
- يعود قانون الإيجار القديم إلى منتصف القرن الماضي لحماية المستأجرين، ويطالب الملاك بتعديله لتحقيق العدالة، بينما تعتبره الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل حماية لهم. تم تكليف وزير الشؤون النيابية والقانونية بإعداد مشروع قانون جديد يوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين.
- تواجه الحكومة المصرية معضلة في إرضاء جميع الأطراف، حيث تضغط الفئات المستفيدة للحفاظ على استقرار تكاليف السكن، بينما يطالب الملاك بزيادة الإيجارات. تسعى الحكومة لتحقيق توازن في القانون الجديد لتجنب التوترات السياسية والاجتماعية.
جاء حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر أخيراً بعدم دستورية بعض المواد في قانون الإيجار القديم، الذي لطالما اعتُبر واحداً من أكثر القوانين إثارة للجدل في البلاد، ليضع الحكومة أمام تحدٍ كبير من أجل إعادة صياغة قانون الإيجار القديم، بما يتماشى مع أحكام الدستور في مصر وحقوق الملكية، وفي الوقت ذاته تجنب أي توترات اجتماعية قد تنتج عن تعديلات كبيرة في الإيجارات. وينص قانون الإيجارات القديمة على عدم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر، أو تركه المكان المؤجر، إذا بقي فيها زوجه (الزوج أو الزوجة) أو أولاده، أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك.
قانون الإيجار القديم في مصر
وطالبت المحكمة الدستورية المشرّع (مجلس النواب)، في حيثيات حكمها الأخير، بعدم تمكين المؤجِّر من فرض قيمة إيجارية مبالغ فيها استغلالاً لحاجة المستأجر إلى مسكن يؤويه، أو إهداره في الوقت نفسه عائد استثمار الأموال، ممثلة في قيمة الأرض والمباني، بثبات أجرتها بخساً لذلك العائد فيحيله عدماً. وتتركز أغلب الإيجارات القديمة في مصر في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، وبعض محافظات الوجه البحري. ويشكو ملاك العقارات الخاضعة لأحكام القانون من ضعف القيمة الإيجارية، التي تتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات شهرياً في أغلب الأحوال. (الدولار = 49.30 جنيهاً تقريباً).
محمد أنور السادات: من السابق لأوانه الحديث عن شكل التعديلات على القانون
ويعود قانون الإيجار القديم في مصر إلى منتصف القرن الماضي، حين برزت تحديات اقتصادية آنذاك. واليوم، ومع الارتفاع الهائل في تكاليف المعيشة وتزايد الفجوة بين الإيجارات القديمة والجديدة، ارتفعت مطالب تعديل القانون من قِبل بعض الملاك الذين يرون فيه إجحافاً لحقوقهم. في المقابل، تعتبر الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل هذا القانون حماية لهم من صعوبة توفير السكن في سوق الإيجارات الحرة، التي أصبحت تكاليفها باهظة. وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أنه تم تكليف وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، الأمين العام لـ"الحوار الوطني"، محمود فوزي، بتشكيل خلية عمل، تحت إشراف عمر مروان، مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإعداد مشروع قانون لطرحه على البرلمان. ومن المتوقع أن تقوم الحكومة بإعداد مشروع قانون جديد يُطرح أمام البرلمان، يتضمن تعديلات تتماشى مع الحكم الدستوري ويحقق توازناً بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين.
في السياق، رأى رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا شك أن حكم المحكمة الدستورية يمثل نقطة تحوّل وإلزاماً للحكومة ومجلس النواب قبل انتهاء دور الانعقاد في يونيو/حزيران 2025، بأن يتم تقديم مشروع قانون يحقق العدالة والتوازن ما بين المالك والمستأجر. وطبعاً القانون له علاقة مباشرة بقضية العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية، وله مردود سياسي ينعكس على الأوضاع المعيشية للمواطنين في مصر. ولذا فإن هذا الموضوع ذو أهمية، كي يحصل على حقه في نقاش مجتمعي حقيقي، من خلال روابط الملاك وأيضاً المستأجرين، ونخرج بقانون يراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي".
وأضاف السادات: "الموضوع يبحث الآن في كافة المستويات، ليس فقط على مستوى الحكومة ولجنة الإسكان والإدارة المحلية في مجلس النواب، لكن أيضاً على مستوى المجتمع المدني والأحزاب، لأنه كما قلنا له تأثير وتوابع كبيرة جداً"، مشدداً على أنه "من السابق لأوانه الحديث عن شكل التعديلات، في ضوء عدم دستورية فقرات في مواد القانون، التي سبق وحصل فيها حديث، لكن المهم هنا الحرفية في صياغة مواد القانون، كي تكون على مستوى الحدث وعلى مستوى توقعات الناس، لأن هذا الموضوع قد يسبب هزة كبيرة جداً". من جهته، قال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، النائب إيهاب منصور، في تصريحات متلفزة، إن معالجة الأزمة تتطلب خطوات تدريجية وليست "ضربة قاضية"، إذ أكد على ضرورة إيجاد حل متوازن يحفظ حقوق الملاك والمستأجرين من دون إحداث خلل اجتماعي. كما شدد على أهمية التعاون بين الحكومة والبرلمان لضمان تنفيذ القانون بشكل عادل.
معضلة للحكومة
وتواجه الحكومة المصرية معضلة حساسة في محاولة إرضاء جميع الأطراف. من جهة، تواجه ضغوطات من الملاك المطالبين برفع الإيجارات لتتوافق مع الواقع الاقتصادي الحالي، ومن جهة أخرى، تدرك الحكومة أن أي تغيير جذري قد يؤثر سلباً على الفئات الأضعف ويضعها أمام تحديات اقتصادية جديدة. وبالتالي، فإن أي قرار غير مدروس قد يفاقم من التوترات السياسية والاجتماعية، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى الحفاظ على استقرار الأوضاع. وتعد الفئات المستفيدة من قانون الإيجار القديم قاعدة اجتماعية كبيرة، ويمثل تعديل القانون تهديداً لهم بالمعاناة من ارتفاع تكاليف السكن. ولذا، فإن أي قرارات قد تؤثر سلباً على معيشة هذه الفئات ربما تؤدي إلى تراجع التأييد الشعبي لبعض السياسات أو المسؤولين، مما يزيد من الضغوط على الحكومة لضمان استمرارية القاعدة الشعبية الداعمة.
مصدر برلماني: ستزداد القيمة الإيجارية سبعة أمثال القيمة الحالية
وقال مصدر في لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري لـ"العربي الجديد"، إن اللجنة "ملتزمة بإصدار تعديل تشريعي، في دور الانعقاد الحالي، على قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم 136 لسنة 1981، تنفيذاً لحكم عدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون، اللتين تقضيان بعدم جواز زيادة الأجرة السنوية للأماكن السكنية الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة". وأضاف المصدر أن اللجنة "لديها تصور سابق بشأن تعديل القانون، يقضي بزيادة القيمة الإيجارية لأغراض السكن بواقع سبعة أمثال القيمة الحالية، وزيادتها سنوياً بنسبة 15% من آخر قيمة مستحقة لها، مع السماح بإمكانية إخلاء العين (المكان) المستأجرة بصورة رضائية بين طرفي العقد (المالك والمستأجر)".
وأفاد المصدر بأن "مشروع القانون المنتظر سيلتزم بما ورد في حكم المحكمة الدستورية العليا، في ما يخص إحداث التوازن في القيمة الإيجارية، مراعاة لزيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية"، موضحاً أنه "في حال النص على مدة زمنية محددة لإخلاء العين المستأجرة، فإنها لن تقل عن عشر سنوات بأي حال". وأضاف أنه "يجب إحداث حالة من التوازن في القانون الجديد، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر، خصوصاً مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة لعموم المصريين، وفي القلب منهم الملاك والمستأجرون للعقارات القديمة، وتضاعف أسعار تملك العقارات أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة".