ماضٍ لا يريد المضي

06 أكتوبر 2022
ثار جدل واسع حول توقيع مذكرة النفط والغاز (فاتح أكتاس/الأناضول)
+ الخط -

لا يتوقف المشهد الليبي عن تصدير صور من البؤس والفشل المتراكم، وربما تعمُّد الفشل أيضاً. ويعرف أي متابع للشأن الليبي أن الساسة والقادة في مقدمة من يمكنهم تمثيل هذا البؤس بكل أشكاله، لكن أن تشارك شريحة عريضة من الشعب فيه وتنجرّ إليه، فهذا ما يُشعِر بالخطر، خصوصاً أن هذا الشعب يُعوَّل عليه في انتخابات مقبلة لإنتاج طبقة سياسية جديدة، ربما تنقذ البلاد.

ما إن أُعلن في طرابلس، الإثنين الماضي، عن توقيع مذكرات تفاهم بين حكومة الوحدة الوطنية وتركيا، أبرزها مذكرة تفاهم في مجال النفط والغاز، حتى ثار جدل واسع، شاركت فيه صفحات النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن صفحات المتابعين، حول تزامن تاريخ توقيع هذه المذكرة مع ذكرى توقيع معاهدة "أوشي لوزان" عام 1912، التي تنازلت بموجبها الدولة العثمانية عن ليبيا لإيطاليا قبل 110 أعوام، وتحديداً يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول. ورافق الجدل، منشورات تتفق كلها في أن مذكرة النفط والغاز "باعت ليبيا لتركيا".

من أطلق حملة استنكار توقيع المذكرة في هذا التاريخ، قطعاً يعرف مكانة التاريخ والماضي في أذهان الليبيين وقدرته على إثارة مشاعرهم، وسيطرته حتى على تفكيرهم. فـ"أوشي لوزان" كان العثمانيون فيها الحلقة الأضعف وتنازلوا بها مجبرين عن جزء من بلد كان يخضع لسيطرتهم. أما مذكرة النفط والغاز، فتدخل ضمن سياسات تركيا، اللاعب الإقليمي الهام في المنطقة.

في هذا الخضم، قلة من المدونين طالبوا بضرورة نشر بنود المذكرة للتعرف على مضمونها. أما الغالبية، فقد انجرّت وراء شائعة تقول إن حكومة الوحدة الوطنية تنازلت عن شواطئ البلاد بطولها لتركيا، مقابل أن تدافع عن بقاء الحكومة في السلطة، على الرغم من أنها مجرد مذكرة، وليست اتفاقاً يحتاج لمصادقة برلمانية من الطرفين، وموافقة دولية وإقليمية لا يمكن أن تتأتى لتركيا الخصم للكثير من الأطراف، وليبيا التي تعج بالخلافات والانقسامات.

والعتب ليس على ذاك المجهول الذي ذكّرنا بهذا التزامن في تاريخ الحدثين، بل على أنماط التفكير التي لا تزال تسيطر على عقولنا وتوجهنا حيثما شاء الآخر.

من المؤكد أن للجانب التركي أهدافه التي يرمي إليها من توقيع هكذا مذكرة مع حكومة يدور خلاف حولها، والأخيرة أيضاً لها أهدافها، لكن المحبط هو اكتشاف أن الماضي لا يزال راسخاً في أذهان الكثيرين ويؤثر بشكل مباشر وسريع في توجيه الشارع الليبي. فمتى يمضي الماضي في ليبيا، ويحضر الحاضر بكل تفاصيله؛ أحداثاً وشخصيات، ويتم العمل على المشاركة في وضع حلول لأزماته، بما فيها أزمة التوغل الأجنبي؟