يتعدد إحياء ذكرى النكبة لدى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، ولا يقتصر على الذكرى الرسمية للنكبة في الخامس عشر من مايو/أيار، وذلك لخصوصية موقعهم في داخل الأراضي المحتلة. المائة وخمسون ألف فلسطيني الذين بقوا في وطنهم بعد النكبة أصبحوا يعدّون اليوم أكثر من مليون ونصف المليون، يعيشون ضمن ظروف المواطنة الإسرائيليّة التي حصلوا عليها كأحد الشروط الدولية في الاعتراف بالكيان الجديد.
لم تكن المواطنة الإسرائيليّة للفلسطينيين في الـ48 تعني المساواة بين المواطنين في دولة اليهود، إذ فُرض عليهم الحكم العسكري قرابة العقدين، ومورست بحقهم سياسات استعمارية مختلفة من ترهيب وقمع ومصادرة أراض وملاحقة سياسيّة، في سعيٍ لمنع تشكّل وعي سياسي فلسطيني يتواصل مع تاريخهم وباقي أبناء شعبهم. جاء يوم الأرض ليصنع مرحلة جديدة في العلاقة مع المؤسسة الإسرائيليّة وليشكل وعيًا وحراكًا جديدًا بالنسبة لموقعهم.
وبعد استثناء منظمة التحرير الفلسطينية لهم في مفاوضات أوسلو واعتبارهم شأنًا إسرائيليًا داخليًا، انطلقت عدة مبادرات سياسيّة وثقافيّة، تسعى للحفاظ على الهوية الفلسطينيّة والذاكرة الجماعيّة وتعيد تعريف العلاقة مع المؤسسة الإسرائيليّة، وكانت واحدة من هذه المبادرات مسيرة العودة السنويّة في ذكرى "استقلال إسرائيل".
تُحيي إسرائيل "يوم استقلالها" سنويًا بحسب التقويم السنوي العبري، الذي يكون عادة في شهر إبريل/نيسان، وفي نفس الوقت يُحيي الفلسطينيون منذ أواخر سنوات التسعينيات، النكبة تحت شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" من خلال مسيرة عودة سنويّة إلى إحدى القرى المهجّرة، وذلك بتنظيم من جمعيّة الدفاع عن المهجّرين، يشارك فيها عشرات الآلاف، والتي تعاظمت المشاركة فيها في أعقاب الانتفاضة الثانية.
باتت "مسيرة العودة" بعد أكثر من عقدين على انطلاقها، الحدث الوطني الأبرز والجامع للفلسطينيين في الـ48، يُتجاوز فيها عن الانقسامات والخلافات الحزبيّة، وتعتبر المسيرة هذه يوما وطنيا وعودة إلى أصل الصراع والحدث وهو النكبة عام 1948، وتؤكد على حق العودة إلى كل فلسطين. وما يثير التفاؤل بهذه المسيرة، المشاركة الواسعة من جيل الشباب والمساهمة في تنظيمها، وهو الجيل الثالث والرابع للنكبة التي راهنت قيادات إسرائيل المؤسسة على نسيانه لما اقترفوا من جرائم تطهير عرقي.
خلال عام 2020، لم تُنظّم المسيرة لأول مرّة بسبب جائحة كورونا والإغلاق العام الأول، واقتصرت على نشاطات رقميّة. وهذه السنة، بادر الحراك الفحماوي الموحد- وهو حراك سياسي في مدينة أم الفحم ضد الجريمة والعنف والشرطة- إلى تنظيم المسيرة إلى قرية اللجون، بعد أن تنازلت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين عن المسيرة السنوية والاستمرار في نشاطات رقميّة. عكس حجم المشاركة في مسيرة اللجون ونجاحها، استعداد الجيل الجديد لاستمراره في حمل الراية.
كذلك لا يقتصر إحياء النكبة على مسيرة العودة القُطرية، إذ يبادر أهالي القرى المهجّرة اللاجئون الباقون في وطنهم التي تصل نسبتهم إلى ربع الفلسطينيين في الـ48، إلى تنظيم مسيرات ومناسبات إحياء محليّة لقراهم ومدنهم. فنرى مثلًا إحياء للنكبة في صفورية وسحماتا والطنطورة وترشيحا وعيلبون والدامون وحيفا وغيرها، وأحيانًا تكون هذه المناسبات خارج التاريخ الرسمي في 15 أيار أو في ذكرى "استقلال إسرائيل"، إذ تُنظم في ذكرى سقوط البلد. وبذلك نشهد عددا من المناسبات على مدار السنة لإحياء النكبات المتعددة للقرى والمدن.
وهذا يستدعينا لذكر المبادرات التي قد تقوم بها الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني أيضًا في إحياء ذكرى النكبة، من خلال فعاليات أو أمسيات وندوات ومشاريع عمل وتفكير مستقبلي وأعمال فنية على مدار السنة، منها ما صار يُركز على تخيّل العودة وعدم التوقف عند لحظة الماضي، أو تنظيم نشاطات تجمع فلسطينيين في الداخل والخارج عبر التواصل الرقمي العابر للحدود الاستعماريّة.
تُحيي إسرائيل "يوم استقلالها" في مناسبة واحدة، تدأب من خلالها أن تجد شخصيّة عربيّة ذليلة لتضيء شعلة الاستقلال فيها، في سعي لتعزيز البروبوغندا التي تبثها حول نفسها وعن "اندماج المواطنين العرب" داخلها وفرحهم بالعيش تحت مواطنة الدولة اليهوديّة، بينما الشعلة الحقيقية هي شعلة الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الداخل، الذين لا يتوقفون عن إحياء النكبة طوال العام ويتطلعون إلى أن تبقى الشعلة مضاءة حتى انتهاء الاحتلال وعودة اللاجئين إلى وطنهم.