في وقت تُحذّر فيه السلطات الأفغانية من تفاقم الأوضاع الأمنية بحلول الربيع المقبل، تُولي حركة "طالبان أفغانستان" اهتماماً بالغاً بشمال البلاد، وتتوجّه أعداد كبيرة من مسلّحيها صوب الأقاليم الشمالية، وبالتحديد إلى المناطق التي تقطنها قبائل البشتون، كإقليم قندز وبغلان وتخار. وتتخوّف مصادر قبلية من نشوب حروب بين "طالبان" والجماعات المسلّحة المنافسة لها في شمال البلاد، على غرار ما حصل في جنوبها، بعد تصاعد نشاط الكثير من الجماعات المسلحة، كتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجماعة "جند الله" وغيرهما.
وتفيد التقارير الواردة من إقليم قندز، أكثر الأقاليم تضرراً جراء أعمال العنف، بأن مسلحي "طالبان" يخوضون معارك ضارية مع القوات المسلّحة الأفغانية، وتمكنوا من السيطرة على مناطق استراتيجية وحسّاسة.
وازدادت "طالبان" قوة في المنطقة بعد تعيين الحركة القيادي البارز فيها المولوي عبد السلام، والياً على قندز، ومسؤول العمليات في الشمال. وكان عبد السلام معتقلاً في باكستان لسنوات عديدة، ومع إطلاق سراحه قبل أسابيع سارعت الحركة إلى تعيينه مسؤول العمليات العسكرية على جبهة الشمال، بسبب ما شهدت المنطقة من تطورات خطيرة، تكاد أن تعصف بوجود الحركة فيها.
ومن أبرز تلك التطورات إعلان عدد كبير من مسلّحي الحركة، بقيادة القيادي فيها المولوي نعمت الله، انشقاقهم عن الحركة، وانضمامهم إلى الجيش الأفغاني، في حين تزايدت أنشطة المسلحين المنتسبين إلى تنظيم "داعش" في الشمال الأفغاني، خصوصاً بعد انضمام المقاتلين الأزبك وغيرهم من الأجانب إلى التنظيم، بعد فرارهم من المقاطعات القبلية الباكستانية، إثر عمليات عسكرية للجيش الباكستاني. يُضاف إلى ذلك، قيام الحكومة الأفغانية بإجراء تغييرات جذرية في المنظومة العسكرية، وإطلاق الجيش الأفغاني عمليات عسكرية مكثفة، بهدف القضاء على الجماعات المسلّحة.
كل تلك التطورات، هددت وجود "طالبان" في شمال أفغانستان، ما دفع قيادة الحركة إلى تدارك الأمر، وإجراء سلسلة من التغييرات في القيادات الميدانية.
وفي موازاة اهتمام "طالبان" بشمال أفغانستان، يتصاعد نشاط "داعش" في المناطق الشمالية الأفغانية المجاورة لدول آسيا الوسطى، وذلك ربما لتنفيذ مخططاته المستقبلية التي تتعلق بتلك الدول المجاورة للأقاليم الشمالية الأفغانية، بحسب ما يراه بعض المراقبين.
كما أن المناطق الشمالية تُعدّ الأنسب لمقاتلي حركة أوزبكستان الإسلامية التي أعلنت ولاءها لـ "داعش"، بعد أن كانت موالية لـ "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، لذا توجّه عدد كبير من المقاتلين الأزبك والطاجيك إلى شمال أفغانستان، بعد أن كانوا ينشطون في المناطق القبلية الباكستانية ضد الجيش الباكستاني، وفي جنوب أفغانستان ضد القوات الأفغانية والدولية.
وفي هذا السياق، يقول حاكم إقليم قندز، محمد عمر، إن العشرات من مقاتلي "داعش" ينشطون حالياً في بعض مناطق الإقليم، وإنهم يخططون للتوسّع في المناطق الأخرى، والانتقال إلى أقاليم مجاورة، لا سيما أقاليم تخار وبدخشان وبغلان، مشدداً على أن القوات المسلّحة الأفغانية قادرة على قمع كل تلك الجماعات.
في هذه الأثناء، كثّفت قوات الجيش الأفغاني عملياتها العسكرية ضد المسلحين، واندلعت معارك ضارية بين المسلحين والجيش الأفغاني، بعد إطلاق الأخير عملية عسكرية، تشمل ستة أقاليم شمالية، وسماها عملية "فتح". وأدت المعارك بين الطرفين على مدى ثلاثة أيام إلى مقتل 86 مسلحاً مقابل أربعة جنود، فيما تتواصل العملية، كما يقول قائد عمليات الجيش في الشمال الجنرال زلمي ويسا. ويؤكد ويسا أن قوات الجيش الأفغاني تمضي قدماً في مواجهة الجماعات المسلّحة بغضّ النظر عن أسمائها، في إشارة إلى حركة "طالبان"، ومقاتلي تنظيم "داعش"، وغيرهما من الجماعات المسلّحة كحركة "جند الله".
وسبق أن أعلن الجيش عن مقتل العضو في المجلس العسكري في "طالبان" المولوي محي الدين مع سبعة من مسلحي الحركة، إثر عملية عسكرية أطلقتها قوات الأمن في مدينة ميمنة عاصمة إقليم فراه شمال أفغانستان، إضافة إلى اعتقال عدد من المقاتلين المنتسبين إلى "داعش" في مناطق مختلفة من شمال أفغانستان، من دون الإدلاء بأي تفاصيل حول العملية، وهوية المعتقلين الذين تم نقلهم إلى العاصمة الأفغانية كابول، بحسب مصادر أمنية.
من جهة أخرى، أثار إعلان نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم الذي ينتمي عرقياً إلى الأزبك القاطنين في شمال أفغانستان، عن تشكيل مليشيات خاصة، يبلغ عدد جنودها نحو عشرين ألف عنصر، لمجابهة الجماعات المسلحة، استياء القيادة السياسية والعسكرية. وقال قائد العمليات المسلحة في جنوب أفغانستان، إنه في ظل وجود الجيش والقوات المسلحة، لا داعي لتشكيل مليشيات خاصة. كما أعرب قائد القوات الدولية الموجودة في أفغانستان الجنرال جون كيمبل عن قلق قواته إزاء إعلان نائب الرئيس الأفغاني. وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال دوستم مصمماً على المضي قدماً في تشكيل المليشيات.
في غضون ذلك، يُحذر مسؤولون في الجيش الأفغاني من تفاقم الأوضاع الأمنية في أفغانستان بحلول الربيع المقبل، إذ تخطّط حركة "طالبان" لمضاعفة هجماتها ضد المؤسسات الحكومية والمنشآت الحكومية، وهو ما يؤكده القيادي في "طالبان" الملا منصور داد الله، قائلاً إن الحركة بدأت تستعد لهجمات الربيع، وتقوم بتدريب الانتحاريين، لتنفيذ مخططتها العسكرية.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام أفغانية عن المسؤول في الاستخبارات الأميركية الجنرال ويست ستيورت، قوله إن "حركة طالبان قادرة على تنفيذ مخططاتها العسكرية داخل المدن الأفغانية حتى نهاية عام 2018"، معرباً عن أمله في أن تكون القوات المسلحة الأفغانية قادرة على القيام بمهمتها العسكرية المزدوجة، وهي الحفاظ على أمن المدن، ومواجهة "طالبان" في المناطق النائية، ما يشير إلى أن القوات المسلحة الأفغانية ستواجه مهمة قتالية صعبة بحلول الربيع المقبل، لا سيما أنها تجابه زحف "طالبان" والجماعات المسلحة بمفردها، ولأول مرة بعد انسحاب القوات الدولية نهاية العام الفائت.