- رغم الدمار والمعاناة، يستمر الفلسطينيون في الدفاع عن كرامتهم وقيمهم، مقدمين تضحيات جسام في سبيل الحرية والكرامة، بما في ذلك قادة وأفراد من مختلف المجالات.
- الأكاذيب والتشويهات التي تستهدف الفلسطينيين، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتطبيع والتهكم على معاناتهم، تكشف عن محاولات لضرب روح المقاومة وتجاهل الدعم العربي الرسمي المفترض.
في المسيرة الفلسطينية الطويلة والدامية، بقي كذب بعضهم بحقها مُخجلا للغة الضاد، من وزن: باع الفلسطينيون أرضهم. كذبة سمعتها أجيالٌ كبرت، لكنها لم تمح ألماً وحزناً حين أعيد تلميعها في سوق التطبيع. وحتى بتوثيق ما ارتُكب منذ مذابح في عام النكبة 1948، وتدمير مئات القرى والبلدات الفلسطينية، ظلت العقول المريضة تردّد الأكاذيب. لم يكلّف نفسه لا مُطلِق الأكاذيب ولا مسوّقها ولا مكررها الإجابة عن سؤال: طالما أنهم باعوا أرضهم، وقبضوا الثمن، فلم أقاموا 75 سنة في مخيّمات لجوء، حوّلوها لاحقاً إلى معسكراتٍ تنبض مقاومة، متمرّدة على الواقع وترفض الخنوع، الذي أسّست له مجدّداً هزيمة الجيوش في سويعات عام نكسة 1967؟ حتى مع دخول حرب الإبادة على غزّة شهرها السابع، استمرت ألسنة تحميل الضحايا مسؤولية ارتكاب المحتل الإسرائيلي جرائمه.
صحيحٌ أن الفلسطينيين ليسوا شعباً من الملائكة، لكنهم بالتأكيد ليسوا بلا كرامة، ولا هم عديمي شرف، ليكونوا ضد عروبتهم، وضد قيم أمتهم، مهما تكاثرت سهام الطعن، إلى حد التهكّم من قضيتهم، بتسميات يصعب نقل بذاءة مضامينها. فمع غزة تُختزل اليوم الحكاية الفلسطينية. فمع كل الدمار الذي حدث، كل الضحايا، كل الصدمات، وكل الخذلان المتحوّل إلى فرجة على الإبادة، لا يحقّ للفلسطيني أن يسأل السؤال المزعج: أين العرب؟ أي أين السياسات الرسمية الجمعية العربية؟ إذ يبدو أن زبانية تلك السياسات جاهزون لمزيد من أكاذيب تغطية العجز والوصول إلى القاع.
ببساطة، وسط مأساة غزة، ولضرب روحها، وليس روح قيادة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية عموماَ، ظل بعضهم يستنبط من "التطبيع" تهكّماً واستهتاراً بالدماء: "قيادة وأبناء في الفنادق وشعب في الخنادق". جردة بسيطة تكشف الأكاذيب، وليس دفاعاً عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في فقدانه ما فقده شعبه، إنما دفاعاً عن العقل الذي لا يحتاج دروساً عن حقيقة تضحيات أخيه الفلسطيني، سواء كان قيادياً أو عنصرا في المقاومة. على أرض فلسطين نفسها، رحل مئات قادة الكفاح الطويل، في مواجهة المحتل أو في زنازينه النازية، ومنهم أخيراً الأسير وليد دقة "أبو ميلاد"، من دون مساومة، ومن دون أن يرتجف ساعده، أو يخبو عقله المقاوم، أو يزايد على غيره.
نعم، على أرض فلسطين، ومنذ ثورتها الكبرى في عام 1936 والمعاصرة منذ 1965، قدّم الفلسطينيون قوافل تتلو قوافل من شهداء الصفوف القيادية، يضحون في سبيل حرية وكرامة شعبهم. لا فرق اليوم عند ابن قضية فلسطين بين أن يكون الشهيد يحيى عياش أو أبو جهاد (خليل الوزير) وسعد صايل وأبو إياد (صلاح خلف)، أو أحمد ياسين وأبو عمّار وأبو علي مصطفى وخالد نزّال، أو حتى بين "غيفارا غزة" وعماد عقل، وبقية القافلة الطويلة من المقاومين، والتي منها أدباء وكتّاب ومثقّفون ومفكرون وساسة وعسكر ونقابيون وأطباء ومهندسون، وغيرهم كثيرون، قضوا استهدافاً وقصفاً واغتيالاً في الداخل والخارج. القصة ببساطة أن هذا الشعب غير الملائكي، وغير المعصوم من أخطاء البشر، يؤلمه أن يُكذَب عنه أكثر، خصوصاً حين تكون الأكاذيب بلغة الضاد، المُترجمة حرفياً من عبرية أجهزة الحرب النفسية الصهيونية.