عدوان على الضفة تحت ضجة التعديلات القضائية

23 فبراير 2023
من المواجهات مع قوات الاحتلال في نابلس أمس (رنين صفاوته/رويترز)
+ الخط -

تؤكد المعارك التي استمرت لساعات بين عناصر المقاومة من كتيبة نابلس، والجيش الإسرائيلي، أمس الأربعاء في مدينة نابلس، واستخدام الاحتلال للصواريخ والمسيّرات الهجومية خلالها، بعد يوم من الاقتحامات والمواجهات في جنين، أن حكومة الاحتلال ماضية في التصعيد الشامل ضد جهات المقاومة في الضفة الغربية، تحت مسمى "كاسر الأمواج".

وكان الاحتلال قد أطلق العملية المذكورة في مارس/ آذار من العام الماضي، بزعم إعادة الاستقرار والسيطرة على مخيم جنين، وتثبيت حكم السلطة الفلسطينية. وعلى مدار العام، اقتحم الاحتلال وقواته مخيم جنين مرات عديدة، ونفذ مجازر في المخيم، خلال حرب فعلية، مستعيناً بالمسيّرات الهجومية والصواريخ المحمولة على الكتف، بدلاً من إدخال قوات برية كبيرة ومدرعات، تعيد إلى الأذهان، وخصوصاً في الرأي العام الدولي، الاجتياح العسكري البري للضفة الغربية عام 2002.

ومع فشل الاحتلال منذ مارس الماضي في تصفية المجموعات الفدائية العسكرية في الضفة، ولا سيما كتيبة جنين وكتيبة نابلس ومجموعات عرين الأسود، وتكرار قيادات في الجيش الإسرائيلي إلى جانب محللين مقربين من المؤسسة الأمنية والعسكرية، في الآونة الأخيرة، الحديث عن اقتراب شنّ حملة واسعة في الضفة الغربية المحتلة، يبدو أن هذه العملية جارية فعلاً، ولكن من خلال سعي حثيث للاحتلال للتخفيف من حجمها، أو الحديث عنها.

عدوان "كاسر الأمواج" يطاول الضفة الغربية

وتشير الأنباء الميدانية والوقائع في الضفة الغربية منذ مارس 2022، وفي الشهرين الأخيرين على نحو خاص، أن عدوان "كاسر الأمواج" بات شاملاً لأراضي الضفة الغربية ومحافظاتها كافة، ربما باستثناء مدينة رام الله. ولم تسلم محافظة أو قرية أو ناحية في الضفة الغربية، من جنين شمالاً وحتى الخليل جنوباً والأغوار الشمالية شرقاً، من عمليات مداهمة واقتحامات وعمليات تصفية ميدانية.

لم تسلم محافظة أو قرية أو ناحية في الضفة الغربية، من عمليات مداهمة واقتحامات وعمليات تصفية ميدانية

ويستخدم الاحتلال المسيّرات الهجومية والصواريخ المحمولة، كما حصل أخيراً في مخيم عقبة جبر قرب أريحا، وأمس في نابلس، وقبل ذلك في جنين، فضلاً عن حملات الاعتقالات اليومية وسط اقتحام بلدات قرب بيت لحم والخليل وفي محيط رام الله.

ويصرّ الاحتلال في إعلامه على أن هذه الاقتحامات والمعارك تهدف إلى اعتقال عناصر في التنظيمات الفلسطينية ممن يخططون، بحسب زعمه، لعمليات ضد أهداف إسرائيلية، وأن أحد أهداف هذا العدوان أيضاً "إعادة تثبيت حكم السلطة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، وتحديداً في جنين".

لكن المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في تل أبيب ورام الله، أضافت إلى خريطة الأهداف تثبيت "الاستقرار" في نابلس أيضاً، مع طرح خطة أميركية جديدة (للجنرال مايكل فينزل) لإعادة بناء وتعزيز أداء أجهزتها الأمنية، أبدت السلطة الفلسطينية، قبل أسابيع تحفظاً عليها، إلا أنها عادت بحسب موقع "والاه" قبل يومين، ووافقت على تبنّيها.

ويبدو واضحاً أن التراجع في مواقف السلطة الفلسطينية، في هذا الباب، مع التفاهمات التي جرى التوصل إليها تحت ضغوط أميركية بشأن سحب مشروع اقتراح قرار إدانة للسياسات الإسرائيلية في مجلس الأمن الدولي، والاكتفاء ببيان رئاسي يدين إسرائيل، كما يدين عمليات المقاومة الفلسطينية بعد وصفها بالعمليات الإرهابية، كلها عوامل شجّعت حكومة بنيامين نتنياهو على التصعيد العسكري في الضفة الغربية، مستغلة جملة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية.

استغلال التراخي بمحاسبة الاحتلال

ومما لا شك فيه، أن نتنياهو يحاول أن يقدّم إلى الإسرائيليين نصراً على جيوب المقاومة في نابلس وجنين، مقابل فشل حكومة يئير لبيد ـ نفتالي بينت في قمع هذه المجموعات.

ويستغل نتنياهو حالة التراخي في محاسبة دولة الاحتلال، بفعل الحسابات الأميركية في أوكرانيا وضغطها بشكل غير متوازن على السلطة الفلسطينية، مقابل التحذيرات وعبارات عدم الرضى عن الممارسات الإسرائيلية، مع ضمان دعم أميركي في المحافل الدولية لإسرائيل، كما حدث في سحب مقترح الإدانة كقرار صادر عن مجلس الأمن واستبداله ببيان رئاسي لا غير.

يستغل نتنياهو، لمواصلة التصعيد، استمرار مساعي التطبيع مع إسرائيل من قِبل دول عربية مختلفة

كذلك يستغل نتنياهو، لمواصلة هذا التصعيد، استمرار مساعي التطبيع مع إسرائيل من قِبل دول عربية مختلفة، ولا سيما دول في الخليج، والدول المحيطة بإسرائيل، التي تكتفي ببيانات إدانة من دون أي خطوات فعلية. ويبني نتنياهو، وبشكل خاص أخيراً في التصعيد المتواصل في الأراضي الفلسطينية، على الضجة وحالة الصخب الإعلامي، محلياً ودولياً حول "حركة الاحتجاجات" الداخلية ضد التشريعات القضائية لحكومته، وابتعاد الأنظار عما يحدث في الأراضي المحتلة، خصوصاً أن المعارضة الإسرائيلية وحركة الاحتجاج العامة لا تعارض سياسة القمع في الأراضي المحتلة.

مع ذلك، لا يمكن أيضاً تجاهل التحذيرات الإسرائيلية منذ أسابيع عن ارتفاع منسوب العمليات العسكرية ضد الاحتلال في الضفة الغربية، ولا سيما عمليات إطلاق النار على مركبات للجيش والمستوطنين، مقابل العمليات الفردية الأخيرة في القدس، التي تغذي دعاية أقطاب التطرف في حكومة نتنياهو، ولا سيما الوزيران بتسلئيل سموطريتش وإيتمار بن غفير، وتزيد من دافعية نتنياهو للتصعيد في الضفة الغربية.

ويترافق ذلك مع تراجع السلطة الفلسطينية أيضاً عن قرار وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وتكرار لازمة رفع الجهوزية عشية اقتراب شهر رمضان، وارتفاع حالة الاحتقان في القدس المحتلة بشكل خاص، مع ارتفاع عمليات الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

المساهمون