عام من حرب السودان: تبدل خريطة السيطرة بلا حسم

15 ابريل 2024
قوات من الجيش في القضارف، أغسطس الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع لم يحسم بعد عام من القتال، مع تقاسم مناطق السيطرة وفشل المفاوضات في إيجاد حل سياسي.
- في الخرطوم، قوات الدعم السريع سيطرت على مواقع استراتيجية بينما الجيش استعاد بعض المناطق بفضل تحديث تسليحه، مما يعكس تغير موازين القوى.
- الوضع في دارفور وكردفان يظهر تعقيد الصراع وتأثيره على الأمن والاستقرار، مع استمرار العنف والنهب وصعوبة تحقيق نصر حاسم لأي طرف.

رست الحرب في السودان، بعد عام على اندلاعها في 15 إبريل/نيسان 2023، على تقاسم طرفيها، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مناطق السيطرة في البلاد، مع إخفاق أي منهما في تحقيق نصر نهائي وحاسم. ويصادف، اليوم الاثنين، مرور عام كامل على حرب السودان التي انطلقت شرارتها في العاصمة الخرطوم، ومدينة مروي في الولاية الشمالية، قبل أن تتأثر بها مباشرة، ولو لأوقات قصيرة، 14 ولاية من جملة 18 ولاية، هي العدد الكلّي لولايات السودان. اليوم، وبعد مرور عام، تتوزع خريطة السيطرة في الولايات المختلفة، لكنها لم تسفر عن أي حسم واضح وهو ما لا يتوقع أن يتحقق أيضاً مع دخول المعارك عامها الثاني، ليبقى التعويل على تسوية تعيد طرفي الحرب إلى طاولة المفاوضات، بما قد يتيح التوصل إلى حل سياسي بعدما فشلت جولات تفاوض عدة أجريت على فترات متقطعة طيلة عام كامل في تحقيق أي اختراق. 

ولاية الخرطوم

مساحة ولاية الخرطوم تزيد عن 22 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة، وتقع في وسط السودان وأكثر ميلاً إلى الجزء الشمالي الغربي للبلاد. تتكون الولاية من 3 مدن رئيسية، هي الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وزعت لاحقا على 7 محليات (محافظات). اشتعلت حرب 15 إبريل 2015 من المدينة الرياضية، جنوب الخرطوم، وسرعان ما انتشرت في كل المناطق العسكرية بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وسلاح الطيران، ليمتد الحريق إلى داخل الأحياء في العاصمة. وباكراً، استحوذت قوات الدعم السريع على أهم المواقع الاستراتيجية في الخرطوم، مثل مطار الخرطوم والقصر الرئاسي والوزارات والجزء الجنوبي من مقر قيادة الجيش السوداني ومقر الاستخبارات العامة، عدا منطقة وسط الخرطوم، ثم وسّعت هذه القوات عملياتها لتسيطر على مقر اللواء الاستراتيجي ومقر مصرف السودان المركزي، غرب مدينة الخرطوم، كما هيمنت على كل مداخل مدينة الخرطوم، وعلى غالبية الجسور التي تربط المدن بعضها ببعض.

 

 سيطرت قوات الدعم السريع، باكراً، على أهم المواقع الاستراتيجية في الخرطوم

وفي مدينة الخرطوم أيضاً، استحوذت "الدعم السريع" في أسابيع لاحقة، على مجمع اليرموك لتصنيع السلاح وعلى مقر قيادة الاحتياطي المركزي التابع للشرطة، وعلى منطقة جبل أولياء العسكرية. وبعد مرور عام من الحرب، تبدو مدينة الخرطوم تحت قبضة قوات الدعم السريع بالكامل عدا منطقتين فقط لا يزال الجيش ممسكاً بهما رغم تعدد الهجوم عليهما وحصارهما عشرات المرات، وهما مقر القيادة العامة في وسط الخرطوم، المحصن بجدار اسمنتي سميك، ومقر سلاح المدرعات في منطقة الشجرة، جنوب الخرطوم. وحتى خلال الأسابيع الماضية ومع تقدم الجيش في العديد من المناطق واستعادته زمام المبادرة، لم ينفذ أي عمليات عسكرية في مدينة الخرطوم ما عدا غارات جوية على تمركزات لقوات الدعم السريع.

في أم درمان، العاصمة التاريخية، مُنيت قوات الدعم السريع خلال الأيام الأولى للحرب، بخسارة كبيرة وصلت لنحو 4800 من جنودها في يوم واحد، وذلك في مناطق شمال أم درمان، حيث قاعدة وادي سيدنا العسكرية والتي منها تنطلق القوة الضاربة للجيش، سلاح الطيران. وبالتالي، ظلت المنطقة من وداي سيدنا أقصى شمال أم درمان وحتى بداية أحياء الثورات جنوباً، تحت نفوذ الجيش. في المقابل، سيطرت "الدعم السريع" على أحياء أم درمان القديمة ومقر الإذاعة والتلفزيون، وأحياء الموردة والعباسية وغيرها من الأحياء الغربية لمدينة أم درمان، وفرضت لأشهر حصاراً على مقر سلاح المهندسين إلى الجنوب قليلاً، لكنها لم تتمكن من دخوله والهيمنة عليه خلال 10 أشهر. وفي أقصى جنوبي المدينة، فرضت قوات الدعم السريع نفوذها على المنطقة بأحيائها ومقراتها الحكومية، علماً أن الجيش جعل من منطقة شمال أم درمان مدخلاً لإمداده الرئيسي بينما جعلت قوات الدعم السريع مناطق غرب أم درمان مدخلاً لخط إمدادها الممتد حتى الحدود مع تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.

استعاد الجيش زمام المبادرة أخيراً بدخول مسّيرات إيرانية حديثة، وتحديث كل منظومته التسليحية

خلال الشهرين الماضيين، استعاد الجيش السوداني زمام المبادرة في مدينة أم درمان وذلك بدخول مسّيرات إيرانية حديثة، وتحديث كل منظومته التسليحية، وزيادة عدد قواته المقاتلة بانضمام متطوعين جدد، فقاد عمليات في أم درمان، أمّن فيها بشكل كامل خطّ إمداده وفرض الأمن في الأحياء الشمالية وتقدم وسيطر على كل أحياء أم درمان القديمة. وكانت القفزة الكبرى حتى الآن فتح الطريق الرابط بين منطقة وادي سيدنا وسلاح المهندسين، في السادس عشر من فبراير/شباط الماضي. بعدها ركز الجيش على جهة الغرب ليحرّر عدداً من أحياء أمبدة، ثم حقّق ضربة أخرى ضد قوات الدعم السريع، بتحرير مقر الإذاعة والتلفزيون في الثاني عشر من مارس/آذار الماضي، وتقدم أكثر لجهة الجنوب ليكون مسيطراً على ما لا يقل عن 70 في المائة من مساحة مدينة أم درمان.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

الضلع الثالث لولاية الخرطوم، هو مدينة الخرطوم بحري، وواضح فيها تفوق قوات الدعم السريع التي استحوذت عليها منذ اليوم الأول وحتى الأشهر الأولى بنسبة كبيرة فيما صمد سلاح الإشارة التابع للجيش السوداني. وشمال المدينة، سيطرت قوات الدعم السريع على "الجيلي"، أكبر مصفاة لتكرير البترول في البلاد وعلى مواقع عسكرية أخرى باستثناء منطقة عسكرية في الكدرو ومعسكر للجيش في منطقة حطاب، كما تستحوذ قوات الدعم السريع على كبري (جسر) الحلفا، وكانت تتحكم كذلك بكبري شمبات قبل قصفه وتدميره جزئياً. كذلك تهيمن قوات الدعم شرقاً على المناطق في شرق النيل وامتدت سيطرتها لأبعد من ذلك في مدينة العيلفون وأم ضوبان. لكن ومع تطورات الأيام الماضية، تحرك الجيش برّاً وجواً للتقدم في مناطق بحري وأحكم إغلاق طريق رئيسي يؤدي إلى مصفاة الجيلي، كما وجّه غارات كثيفة على تجمع "الدعم السريع" في المصفاة ومناطق أخرى، وتمكن في الوقت ذاته من صدّ هجمات على سلاح الإشارة ومقر للاستخبارات في المدينة.

دارفور

إقليم دارفور، غرب السودان، أكبر الأقاليم السودانية من حيث المساحة والسكان، وظلّ طوال العقود الثلاثة الماضية محل توتر ونزاعات وحروب مستمرة، وفيه النواة الأولى لقوات الدعم السريع من تجميع مليشيات قبلية سلّحها نظام الرئيس المعزول عمر البشير ليواجه بها تمرداً عسكرياً في الإقليم قادته حركات مسلحة، وتوسعت "الدعم السريع" بعد ذلك وشرعن النظام السابق لوجودها بقانون أجازه برلمان البشير في عام 2017. 

رغم سيطرة "الدعم السريع"، تتواصل عمليات النهب والسلب والخطف والابتزاز في دارفور

ومنذ الأيام الأولى، انتقلت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى إقليم دارفور الموزع إدارياً على 5 ولايات هي شمال دارفور، وسط دارفور، وجنوب دارفور، وغرب دارفور، وشرق دارفور، وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور. وتصاعدت وتيرة المعارك التي أخذت بعداً إثنيا بين العرب والمساليت، حتى وصلت أوجها منتصف يونيو/حزيران الماضي، حيث لقي والي الولاية خميس عبد الله أبكر مصرعه على أيدي قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، لتصنف الجريمة مع جرائم أخرى كجرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوات "الدعم السريع" بحسب ما تقول منظمات دولية، وأدت لمقتل 12 ألف شخص في أيام قليلة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سقطت آخر مقرات الجيش في ولاية غرب دارفور لتذهب السيطرة بالكامل إلى قوات الدعم السريع.

السيناريو ذاته تكرّر بسقوط مقر فرق وألوية ومناطق عسكرية تابعة للجيش السوداني في كل من ولايات شرق دارفور ووسط دارفور وجنوب دارفور، بينما كانت هيمنة "قوات الدعم" على الأخيرة، جنوب دارفور، هي الأعنف حيث شهدت معارك ضارية استمرت لأسابيع. أما ولاية شمال دارفور، فإن قوات الدعم السريع استحوذت على عدد من مدنها وقراها مثل كبكابية وكتم، في حين فشلت حتى اليوم في دخول مدينة الفاشر عاصمة الولاية، التي تتعرض باستمرار لمحاولات اقتحام من "الدعم السريع". وأكثر ما يُبقي صمود المدينة، هو تحالف الجيش مع حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام مع الحكومة، ومساع أخرى قام بها زعماء القبائل والقيادات المجتمعية لحقن الدماء في المدينة. ورغم سيطرة قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، إلا أن الأمن في الإقليم ما زال بعد عام على اندلاع الحرب، يواجه مهدّدات عدة، حيث تتواصل عمليات النهب والسلب والخطف والابتزاز في المدن الدارفورية، وساءت خدمات المياه والكهرباء والصحة. يضاف إلى ذلك وجود نقص كبير في الغذاء، كما تستمر موجات النزوح واللجوء في الإقليم. 

كردفان

إقليم كردفان، وسط غرب البلاد، يتكون من ثلاث ولايات: شمال كردفان، جنوب كردفان، وغرب كردفان. ومنذ اليوم الأول للحرب، شهدت عاصمة ولاية شمال كردفان، مدينة الأبيض، معارك طاحنة بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث سعت الأخيرة من خلالها إلى الاستيلاء على مطار في المدينة يستخدم لأغراض عسكرية، لكن قوات الهجانة التابعة للجيش، وطوال عام، ظلت صامدة أمام هجمات "الدعم السريع"، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى وضع الهجوم. ولم يمنع ذلك قوات الدعم من الاستيلاء على أحياء داخل مدينة الأبيض وتوسعها شرقاً واستيلائها على مدن الرهد وأم روابة والله كريم، كما استحوذت لجهة شمال الولاية على مدينة بارا ووصلت حتى حدود مدينة أم درمان.

أما في ولاية غرب كردفان، فقد بسط الجيش سيطرته على مدينة النهود، كبرى مدن الولاية، وكذلك الفولة. ومنذ شهرين، تدور معارك عنيفة في مدينة بابنوسة، التي فرغت من سكّانها، ويبسط الجيش السيطرة على أكبر مقراته في المدينة، مقر الفرقة 22، كما انكسرت كل العمليات الهجومية لقوات الدعم السريع لطرد الجيش. أما مدينتا غبيش وأبو زبد، فهما بيد "الدعم". الولاية الثالثة هي جنوب كردفان، وفيها تشتعل أصلاً حرب بين الجيش والحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو منذ عام 2011. ومع بدء الحرب استحوذت قوات الدعم السريع على مدينة الدبيبات، وتصدى الجيش والحركة الشعبية لمنعها من الاستيلاء على مدينة الدلنج، ثاني كبريات مدن الولاية.

الجزيرة 

ولاية الجزيرة هي الأولى من حيث الأهمية الاقتصادية، وتمتاز بموقع استراتيجي وسط السودان، وتمد كافة ولايات البلاد بعدد من المحاصيل الزراعية المنتجة في مشروع الجزيرة، أكبر مشروع زراعي في أفريقيا. الولاية واحدة من 3 ولايات اندلعت فيها الحرب منذ البداية، حيث تحركت القوة التي هاجمت المدينة الرياضية من منطقة عسكرية بمنطقة الباقير المتاخمة لولاية الخرطوم. وبعد ساعات من ذلك بسطت قوات الدعم السريع النفوذ على الباقير، وهي من أهم مداخل ولاية الخرطوم الشرقية. وبعد أسبوع واحد، تغولت قوات الدعم أكثر عن طريق الخرطوم - ود مدني لتصل إلى مناطق النوبة والسعودية ومدينة جياد الصناعية، وهي جزء من المنشآت التابعة لهيئة التصنيع الحربي، ثم سيطرت على مناطق أخرى بمحلية الحصاحيصا. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنّت قوات الدعم هجوماً على عاصمة الولاية، ود مدني، وانسحب أمامها الجيش بعد يوم واحد من بدء الهجوم، لتستكمل قوات الدعم سيطرتها على كامل تراب الولاية باستثناء مدينة المناقل وما حولها، غرب الولاية، وهي المدينة التي انسحبت إليها وحدات من الجيش وأقامت ارتكازات ومعسكرات فيها. ورأت بعد ذلك قيادة الجيش في المناقل، موقعاً استراتيجياً ونقطة انطلاق بعد التقاط الأنفاس لتحرير ود مدني من قبضة "الدعم السريع"، ولتأمين ولايتي النيل الأبيض وسنار.

شرق السودان والنيل الأزرق

شرق السودان المكون من ولاية البحر الأحمر، والقضارف وكسلا، ومعها ولاية النيل الأزرق جنوب شرق البلاد، هي أربع ولايات لم تشهد أي عمليات عسكرية ويحتفظ الجيش فيها بكامل مقراته، حيث يجهز المزيد من الجنود والمتطوعين للدفع بهم للقتال في الولايات الأخرى.

النيل الأبيض وسنار

كذلك يهيمن الجيش على كامل أجزاء ولاية النيل الأبيض باستثناء مناطق متاخمة لولاية الخرطوم، مثل القطنية ونعيمة وود الزاكي والدردار، كما سبق له التوغل في محلية أم رمتة، غرب النيل الأبيض، ليبقى الوضع على حاله هذا بعد مرور عام من الحرب.

الولاية الشمالية ونهر النيل

الولاية الشمالية المتاخمة لمصر، هي الأكثر أمناً، ويسيطر عليها الجيش بالكامل. المعارك الوحيدة التي شهدتها الولاية في الأيام الأولى من الحرب، كانت داخل قاعدة مروي العسكرية وانتهت بتبادل الطرفان الكر والفر فيها، قبل أن تنسحب قوات الدعم السريع نهائياً من الولاية.

أما ولاية نهر النيل، فهي أيضاً لا تزال تحت هيمنة الجيش السوداني، وتعد واحدة من نقاط إمداده في الخرطوم. كما أن الولاية شهدت حملات استنفار واسعة للمدنيين وتدريبهم وتسليحهم تحسباً لأي تسلل لقوات الدعم السريع كما حدث في الجزيرة، علماً أن قرى صغيرة على الحدود الجنوبية مع الخرطوم تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقبل نحو أسبوعين، أثار هجوم نفذ بواسطة طائرة مسّيرة واستهدف إفطاراً رمضانياً نظمه متطوعون للقتال مع الجيش في مدينة عطبرة، ما أودى بحياة أكثر من 10 أشخاص، القلق في الولاية.

كيف تحولت موازين القوى؟ 

لم يكن الجيش السوداني في أحسن حالاته حتى الربع الثالث من عام الحرب، حيث أظهر ضعفاً في التكتيك والمناورة، وضعفاً في التسليح، مقارنة بأسلحة قوات الدعم السريع، كما ظهر بشكل واضح التفوق العددي لقوات الدعم، عدا التفوق في خطوط إمداد مفتوحة على أكثر من منطقة وأكثر من دولة، حيث استخدم الجيش طوال تلك الفترة تكتيك الدفاع مقابل الهجوم المتواصل من "قوات الدعم". لكن وخلال الربع الأخير، استعاد الجيش زمام المبادرة وأعاد ترتيب صفوفه، وزاد عديده، وظهرت أسلحة جديدة له كما غيّر كثيراً من خططه الحربية.

قول الفريق بحري فتح الرحمن محي الدين، وهو قائد سابق لقوات البحرية السودانية، إن الحرب مع مطلع عامها الثاني تقترب من نهايتها، والنتيجة لصالح الجيش وذلك خلال شهرين على الأقل، مبيناً أن الجيش استخدم تكتيكاً واستراتيجية عالية المستوى، خصوصاً في الفترة الأخيرة، استندت على تدمير قدرات العدو تدريجياً، والحفاظ على قوته وتقليل نسبة الخسائر، وامتصاص هجوم ما سماها مليشيا الدعم السريع المتكررة على المواقع العسكرية، عدا إعادة تأهيل القوات الجوية وسلاح المدفعية بغرض تحقيق أكبر تدمير في جهة العدو.

وبرأي محي الدين، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن تلك الاستراتيجية نجحت في قتل ما يقارب 200 ألف من عناصر "الدعم السريع" خلال عام من الحرب، موضحاً أن هذه القوات بدأت الحرب بنحو 100 ألف مقاتل، وزادت عليها أثناء الحرب مائتي ألف باستجلاب مرتزقة من دول أخرى، وتنظيم نفير وسط القبائل. وبحسب قوله، فإن الروح المعنوية لمليشيا "الدعم السريع" منهارة تماماً بعد تغليب كفّة الجيش حيث بدأت حالات الهروب وتسليم أنفسهم للجيش. ويوضح الفريق محي الدين، أن المرحلة الحالية للجيش تشمل التخطيط لتحرير الخرطوم والجزيرة والتوجه بعد ذلك نحو كردفان ودارفور، وفيهما ستكون الحرب مكشوفة وليس حرب مدن كما حدث في العام الأول، علماً أن الحرب المكشوفة أسهل بكثير، حسب تقديره، من حرب المدن.

ويضيف الفريق فتح الرحمن محي الدين، أن الطائرات المسّيرة أدت دوراً فاعلاً في ترجيح كفة الجيش والتي حصل عليها بتعاون مع دول أو تلك التي صنّعها قبل الحرب وتم تطويرها خلال الأشهر الماضية بواسطة كفاءات وطنية، كما أدت القوات الجوية دوراً حاسما في المعارك، بمثل ما حدث لسلاح المدفعية الذي كان دقيقا في تحديد أهدافه عبر إحداثيات "جي بي سي" (نظام التموضع العالمي) والأقمار الاصطناعية. ويوضح أن جميع هذه الأمور ساهمت بتقليل خسائر الجيش لأنها تعمل عن بعد، فضلاً عن تغلب الجيش على عقبات تحريك الدبابات. كما يبّين أن انضمام مئات الآلاف للقتال إلى جانب الجيش خلال الفترة الأخير عبر الاستنفار والمقاومة الشعبية، كان له دور كبير في الانتصارات التي حقّقها الجيش خلال الأسابيع الماضية.

أما اللواء المتقاعد صلاح الدين عيساوي، مستشار قوات الدعم السريع، فيعزو عدم حسم أي من الطرفين للمعركة رغم مضي عام كامل على اندلاع المعارك، إلى وجود توازن في القوى بامتلاك "الدعم" لقوات برّية ضاربة وتفوق عددي مقابل امتلاك الجيش لسلاح الطيران وقوات جوية ساعدته فيها دول مثل أوكرانيا التي بعثت بأسلحة متطورة وخبراء، بينما سلّمته إيران طائرات مسّيرة، ما حدّ في النهاية من قدرات قوات الدعم، على حد تعبير عيساوي.

عمر أرباب: أدت التحالفات السياسية للجيش مع الحركات المسلحة والمستنفرين، دوراً لصالحه

ويبيّن عيساوي أن تجنيد المواطنين بواسطة الجيش كان له أثر أيضا رغم ما فيه من مخاطر ستظهر مستقبلاً، لكنه عيساوي، يبدي رفضه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، لفرضية إلحاق هزيمة كاملة بـ"الدعم السريع"، لأن هذه القوات لا تزال تُمسك بمواقع عسكرية استراتيجية مهمة. وبرأيه فإن الجيش يحتاج سنوات لتحرير بقية المناطق والمواقع الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم، مستشهداً باستعادة الجيش هيمنته على مقر الإذاعة والتلفزيون والتي احتاج لها عاماً كاملاً، بالتالي فهو بحاجة لأعوام أخرى لاستعادة المواقع الباقية، بحسب رأيه.

ويتوقع عيساوي سقوط الفرقة 22 في مدينة بابنوسة بيد "الدعم السريع"، وهي مدخل مهم للسيطرة على مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان ومدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض، محذراً من نهاية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في عامها الثاني، وتحولها إلى حرب قبلية شاملة.

أما الخبير العسكري، عمر أرباب، فيرى أن طريق الحسم العسكري النهائي، لم يكن متاحاً في العام الأول ولن يكون متاحاً أيضاً في العام الثاني، مبيناً أن الحرب ذاتها عبارة عن وسيلة لتحقيق موقف تفاوضي جيد لا أكثر.

ويشير أرباب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن مسألة الاستحواذ هنا وهناك نسبية، وأن الطرفين يتبادلانها، وأي حديث غير ذلك غير دقيق، لافتاً إلى أن عامل الزمن يلعب لصالح الجيش ويستطيع به الاستفادة من موارد الدولة، ليعيد ترتيب صفوفه ويستفيد منها في التنسيق والحشد، كما تساعده الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع في زيادة شعبية المؤسسة العسكرية. وبرأيه، فإنه بإمكان الجيش إدخال مزيد من الأسلحة النوعية التي تستطيع إحداث أضرار في بعض المناطق الحيوية والمؤثرة.

ويتفق أرباب مع المتحدثين السابقين بأن سلاح المسّيرات لدى الجيش أحدث نقلة نوعية في العمليات، كما تمكن الجيش من إدخال أجهزة تشويش تحول دون قدرة "الدعم السريع" على تنفيذ ضرباتها للمناطق العسكرية. ويؤكد الخبير نفسه أن الجيش هو الأقدر على استيراد مزيد من الأسلحة باعتباره يمثل الدولة ويتعامل معه الآخرون على ذلك الأساس، وذلك ما مكّنه فعلياً من شراء عدد من الطائرات في الفترة السابقة، وهو ما قاد إلى تقدم الجيش في بعض المحاور. كما أدت، طبقاً لما يقوله الخبير عمر أرباب، التحالفات السياسية للجيش مع الحركات المسلحة والمستنفرين، دوراً في توفير مزيد من الكوادر البشرية.