في 11 يناير/كانون الثاني، أعلن زعيم مجموعة "فاغنر" الروسية، يفغيني بريغوجين، السيطرة على مدينة سوليدار في شرق أوكرانيا، بعد قرابة شهرين فقط من افتتاح أول مقر رسمي لها في روسيا، في معركة وُصفت بأنها من المعارك "الأكثر دموية" في الحرب التي تشنها موسكو على كييف منذ فبراير/شباط 2022.
ولم تكن الحرب الروسية على أوكرانيا بالتأكيد هي الساحة الوحيدة التي تختبر فيها مجموعة "فاغنر" دمويتها، إذ تنشط المجموعة في دولٍ أخرى عديدة، لكن نفوذ المجموعة المسلحة ارتفع بشكل ملحوظ منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
إذاً ما هي أهم الأسباب الرئيسية وراء نجاح الرجل الذي سيصير معروفاً بكونه قائد المجموعة الأكثر دموية في تاريخ الحرب الروسية على أوكرانيا، هل هي فعلاً علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقط؟ أم تزامن هذا النجاح مع الحرب على أوكرانيا؟
تبدو الإجابات السابقة غير مقنعة بالكامل، إذ برز اسم المجموعة بعد 10 أشهرٍ من بدء الحرب على أوكرانيا، مع أن علاقات زعيمها مع بوتين كانت قد تشكلت قبل ذلك بكثير. كما أن المجموعة، مع أنها كانت معروفة حتى قبل الحرب، بدأ نفوذها في الازدياد بشكلٍ ملحوظ في الأشهر السابقة فقط، تحديداً مع إعلان الرئيس الروسي عن نيته بدء "التعبئة الجزئية"، ومع مغادرة جزء كبير من الروس البلاد هروباً من المشاركة في الحرب، إضافة إلى مظاهرات أخرى عمت البلاد احتجاجاً على خطوة "التعبئة".
فهل وجد بوتين في مجموعة "فاغنر" خلاصاً لأزمة "التعبئة الجزئية" التي واجهها حينها؟ وماذا تؤثر إمكانية بوتين على تعويض النقص في الجيش الروسي على مستقبل المجموعة؟
"الجودة بدلاً من الكمية"
يشير تزامن افتتاح "فاغنر" مكتبها في روسيا مع إعلان بوتين لـ"التعبئة الجزئية" إلى الكثير، إلا أن أهم ما يشير إليه هو أنّ الرئيس الروسي وجد نفسه مجبراً، مع احتدام الحرب في أوكرانيا، على تعزيز قواته ولو بشكلٍ غير رسمي (أي بالاعتماد على مجموعة مسلحة خاصة).
وصفت تقارير صحافية مختلفة تكتيكات مجموعة "فاغنر"، في الفترة الأخيرة، بأنها تعتمد على "الجودة بدلاً من الكمية". فكما يشير تقرير نشرته "بي بي سي"، أواخر الشهر الماضي، فإن المجموعة بدأت بتجنيد أعداد "ضخمة" من داخل السجون الروسية في قواتها، إذ تقول الصحيفة إن 80% من المقاتلين في صفوف المجموعة في أوكرانيا تم تجنيدهم من السجون الروسية، وجزء كبير منهم كانوا محكومين بالإعدام، ووعدوهم بأن يتم حل قضاياهم بعد العودة من القتال. وهو ما كان، بحسب الصحيفة ذاتها، خلاصاً لأزمة بوتين في العثور على مزيد من القوات في الجيش النظامي.
تبدو هذه الخطوة بالنسبة إلى بوتين مريحة على المستوى الاقتصادي، فعملية تمويل مجموعة من "عناصر أقل لكن بجودة أعلى" قد لا ترهق ميزانية البلاد التي تخوض حربها في أوكرانيا منذ ما يقارب العام، خصوصاً مع انكماش الاقتصاد الروسي خلال العام الماضي بنسبة 2.1% من إجمالي الناتج المحلي، بحسب وكالة "بلومبيرغ".
على الصعيد القانوني، فإن تصنيف المجموعة باعتبارها شركة خاصة، يسهل من دخول عناصرها في معارك "مميتة"، دون أي ملاحقة قانونية للضباط المسؤولين عن إصدار الأوامر في ساحة المعركة، لأنه كما ذكرنا سابقاً، فإن قرابة الـ80% من عناصر المجموعة هم سجناء تم إطلاق سراحهم للقتال فقط، ومعظمهم محكومون بالإعدام.
هذا التصاعد في نفوذ المجموعة يفسر مثلاً أن واشنطن صنفت "فاغنر" كمجموعة إرهابية، فقط قبل أشهر قليلة، قائلةً إن هذا يعود إلى مشاركتها في الحرب في أوكرانيا، إضافةً إلى "وجودها المتنامي في أفريقيا"، مع أن التقارير تشير إلى أنّ نفوذ المجموعة في دول أفريقية بدأت قبل سنوات من قرار واشنطن، وهو ما يفسر التصاعد الكبير في نفوذ "فاغنر" في الحرب على أوكرانيا، خصوصاً مع حاجة بوتين، حينها، إلى معالجة أزمة نقص قوات الجيش النظامي.
إضافة إلى ما سبق، تتبع المجموعة تكتيكاتٍ قتالية "مميتة"، يصعب على الجيش النظامي أن يتبعها، بحسب ما يشير تقرير نشرته "سي إن إن"، فإن عناصر "فاغنر" يمنع منعاً باتاً عليهم الانسحاب من المعركة أو التراجع إلا بأمرٍ رسمي، ومن يخالف ذلك "يتم إعدامه فوراً".
الخوف من تصاعد النفوذ ومصير المجموعة المعلق
لكن بالرغم من كل ذلك، يبدو أن تصاعد نفوذ المجموعة بدأ يهدد بعض السياسيين في روسيا، فقبل أيام، أعلنت مجموعة "فاغنر" أنها أوقفت تجنيد معتقلين في السجون الروسية لإرسالهم للقتال في أوكرانيا.
وقال رئيس المجموعة، بحسب ما ذكره بيان نشره جهازه الإعلامي: "توقف بالكامل تجنيد معتقلين من قبل مجموعة فاغنر المسلحة الخاصة"، لكن تقريراً نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الثلاثاء، يشير إلى أن قرار الإيقاف جاء بأمر من وزارة الدفاع الروسية.
ويبدو أن الصراع بين المجموعة المسلحة والجيش الروسي في تصاعدٍ مستمر، إذ اتهم بريغوجين، أمس الثلاثاء، هيئة الأركان العامة الروسية بـ"الخيانة"، بسبب رفضها تسليم معدات لعناصره الذين هم في الخطوط الأمامية في شرقي أوكرانيا، على حد قوله.
فيما يرتفع التوتر بشكلٍ أوضح في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً مع محاولة القوات الروسية الاستيلاء على مدينة باخموت، حيث ادعى كل من الجيش ومجموعة "فاغنر" التقدم فيها، في تصريحات متناقضة في بعض الأحيان.
تشير المعطيات السابقة، إلى أن مصير المجموعة التي بدأت التوترات بينها وبين الجيش الروسي تتصاعد، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة بوتين على تأمين قوة كبيرة من الجيش النظامي، خصوصاً أن الرئيس الروسي، بحسب تقرير "نيويورك تايمز" ذاته، تجاهل في خطابه الأخير ذكر مجموعة "فاغنر" خلال مديحه المطول للجيش الروسي في أوكرانيا، وأضاف أنه اختار حذف أسماء وحدات "متطوعة" مختلفة من خطابه.