طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الخميس، في قرار حظي بغالبية ساحقة، بانسحاب "فوري" للقوات الروسية من أوكرانيا، ودعت إلى سلام "عادل ودائم" عشية الذكرى السنوية الأولى للغزو.
من إجمالي 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، حصل القرار غير الملزم على تأييد 141 دولة مقابل اعتراض سبع دول وامتناع 32 دولة عن التصويت.
وصوتت غالبية الدول العربية لصالح القرار، باستثناء سورية، فيما امتنعت الجزائر والسودان عن التصويت. ومن اللافت امتناع كل من الصين وإيران والهند وجنوب أفريقيا عن التصويت أيضاً.
وصاغت أوكرانيا مسودة القرار بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودول غربية، وحمل عنوان "مبادئ ميثاق الأمم المتحدة التي يقوم عليها السلام الشامل والعادل والدائم في أوكرانيا".
وكان مشروع قرار دان ضم روسيا مناطق أوكرانية قد حصل في أكتوبر/تشرين الأول على موافقة 143 دولة، فيما صوتت خمس دول ضده.
تناوب ممثلو عشرات الدول، منذ الأربعاء، على منبر الأمم المتحدة لإلقاء خطب دعم لأوكرانيا، بينما حضّت كييف أعضاء المجتمع الدولي على الاختيار بين "الخير والشر".
ويعيد القرار المعتمد الخميس تأكيد "الالتزام" بـ"وحدة أراضي أوكرانيا" ويطالب روسيا بـ"السحب الفوري والكامل وغير المشروط لجميع قواتها العسكرية من الأراضي الأوكرانية داخل الحدود المعترف بها دوليًا للبلاد"، في إشارة إلى الأراضي التي أعلنت روسيا ضمها، كما يدعو إلى "وقف الأعمال العدائية" و"يشدد على ضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا بأسرع ما يمكن وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
ويشدد القرار على "ضرورة كفالة المساءلة عن الجرائم الأشد خطورة المرتكبة على أراضي أوكرانيا وفق تصنيف القانون الدولي، من خلال تحقيقات ومحاكمات تكون مناسبة وعادلة ومستقلة على المستوى الوطني أو الدولي، وكفالة إنصاف جميع الضحايا".
ويشتمل القرار على عدد من الفقرات التي تتكرر بصيغ مختلفة ويتم التأكيد فيه على التفاوض والسلام دون طرح أي آلية واضحة للقيام بذلك، إذ يشد القرار على "ضرورة التوصل في أقرب وقت ممكن إلى سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا بما يتفق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة"، كما يرحب "بجهود الأمين العام والدول الأعضاء لتعزيز سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا، بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة"، فيما يهيب "بالدول الأعضاء والمنظمات الدولية أن تضاعف الدعم للجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا، بما يتفق مع الميثاق".
ويأتي القرار في الذكرى الأولى للاجتياح الروسي لأوكرانيا، والذي يصادف اليوم الجمعة الـ24 من الشهر الجاري.
وسيعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الجمعة، جلسة خاصة على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة الموضوع، دون أن يكون هناك أي بيان رئاسي أو مشروع قرار مطروح بسبب الفيتو الروسي المحتمل.
وعلى مدار عام، لجأت روسيا إلى حقّ النقض (الفيتو) لمنع تمرير أي مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن أوكرانيا، فتولت الجمعية العامة معالجة هذه المسألة.
رغم أن القرار غير ملزم، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الخميس، أنه "ليس مجرد حبر على ورق"، مشدداً على أنه يعكس مخاوف المجتمع الدولي.
وحضر إلى نيويورك عدد من وزراء خارجية دول غربية، كما وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الذي ركز في مداخلته أمام الجمعية العامة قبل التصويت وفي تصريحاته الإعلامية بعد التصويت على "سعي روسيا لتدمير أوكرانيا وسيادتها على أراضيها".
كما ناشد كوليبا الدول الغربية تقديم المزيد من الدعم والأسلحة لبلاده "للدفاع عن نفسها"، وتحدث عن خوض بلاده "نضالاً من أجل البقاء، حيث شهد العالم فظائع يرتكبها الروس وتشمل قتل المدنيين، والتعذيب، والاغتصاب، والاضطهاد السياسي، والقصف الذي لا يميز بين العسكري والمدني، والنقل القسري لآلاف الأوكران، وتحديدا للأطفال، وتبنيهم من قبل أسر روسية ضمن ما يسمى بإعادة تربيتهم كروس، وكل هذا يشكل إبادة جماعية".
وكان المسؤول الأوكراني قد أشار أيضاً إلى خطة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للسلام والتفاوض، ولخصها بأنها "تقوم على نقاط عشرة، السلامة الإشعاعية والنووية، والأمن في مجال الطاقة، والأمن الغذائي، وإطلاق سراح السجناء والنازحين قسرياً، وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة وإعادة سيادة أوكرانيا على كافة أراضيها وضمن حدودها المتعارف عليها دولياً، وانسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية، وإعادة العدالة من خلال إنشاء محكمة خاصة، ومنع الإبادة الجماعية، ووقف التصعيد وتكرار العدوان، والتأكيد على نهاية الحرب".
من جهته، قال وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي، الخميس: "خلال عام يجب ألا نجتمع مرة أخرى في الذكرى الثانية لهذه الحرب العدوانية العبثية"، معرباً عن أمله في عقد "مؤتمر سلام" عام 2024، بحسب ما أوردت وكالة "فرانس برس".
لكن نظيرته الفرنسية كاترين كولونا حذرت من على منصة الأمم المتحدة من أن "روسيا لا تظهر أي رغبة في السلام".
"الحروب لا منتصر فيها"
أما وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، فشددت على أن "الطريق إلى السلام واضح جداً"، مضيفة أن "على روسيا أن توقف القصف" وأنه "ليس من السلام أن يطلب المعتدي من ضحيته الاستسلام".
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في مستهل هذه الجلسة الخاصة، الأربعاء، أن الغزو يمثّل "إهانة لضميرنا الجماعي"، وأضاف أن "العواقب المحتملة لتصعيد النزاع خطر واضح وقائم حاليا"، في إشارة خصوصا إلى "التهديدات الضمنية" باستخدام السلاح النووي والأنشطة العسكرية "غير المسؤولة" في محيط محطات طاقة نووية.
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد هذا الأسبوع بمواصلة الهجوم "بشكل منهجي" في أوكرانيا، في خطاب مناهض للغرب يذكر بالحرب الباردة، بحسب "فرانس برس".
وردّ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قائلاً إن هذه الحرب لا تضع فقط "الغرب في مواجهة روسيا"، بل إن "هذه الحرب غير الشرعية تهم الجميع: الشمال والجنوب والشرق والغرب"، وأضاف أنها "حرب معولمة"، لكنها "ليست حربًا عالمية"، مشددًا على التأثيرات المتتالية على العالم بأسره.
في هذا السياق، وعدت الصين، التي امتنعت مرة أخرى عن التصويت، بأن تعلن هذا الأسبوع عن مقترح "تسوية سياسية" أطلعت كييف وموسكو على بعض عناصره.
وقال نائب سفير الصين في الأمم المتحدة داي بينغ قبل التصويت، الخميس، إن "الحروب لا منتصر فيها"، مضيفا أنه "بعد عام من بدء الأزمة الأوكرانية، تثبت الوقائع أن إرسال الأسلحة لن يجلب السلام"، وحضّ كييف وموسكو على "استئناف الحوار في أسرع وقت".
وحظيت القرارات الثلاثة السابقة المتعلقة بالغزو الروسي التي صوتت عليها الجمعية العامة بعدد أصوات يراوح بين 140 و143 صوتا، فيما صوتت خمس دول بشكل منهجي ضدها (روسيا وبيلاروسيا وسورية وكوريا الشمالية وإريتريا)، وامتنع أقل من 40 بلدا عن التصويت.
لكن التوافق كان أقل عند التصويت على قرار رابع في إبريل/نيسان عُلقت بمقتضاه عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان (93 صوتًا داعماً و24 رافضا و58 امتناعًا عن التصويت).