عام على غزو أوكرانيا: روسيا تخسر الرهان وترفض الاعتراف

عام على غزو أوكرانيا: روسيا تخسر الرهان وترفض الاعتراف

24 فبراير 2023
شكّل مشهد الدبابات الروسية المدمرة أبرز صور خسائر موسكو (Getty)
+ الخط -

في 24 فبراير/شباط 2022 بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا عبر شن ضربات واسعة استهدفت البنى التحتية المدنية والعسكرية، مراهنة على ضربات خاطفة تتيح لها أن يكون الغلبة في المعركة وتحقيق الأهداف التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب ملأه بالسرديات التي تبرر الحرب وتصورها كأنها أمر واقع فرض على موسكو ولم يكن بالإمكان تفاديه. 

لكن بعد عام كامل على هذه الحرب المفتوحة، لم ترفرف أعلام النصر الروسية فوق كييف التي استعصت طوال عام كامل على الجيش الروسي ومرتزقته، وأبت أن ترفع الرايات البيضاء. لم تخسر روسيا الحرب لكن مكانتها كقوة عظمى باتت محط تساؤلات كثيرة مشروعة في العالم.

ولم تربح أوكرانيا الحرب لكن رئيسها فولوديمير زيلينسكي أصبح رجل العام من دون منافس، ليثبت الرئيس القادم من عالم التمثيل أن التاريخ لا يكتبه القياصرة إلا إذا حققوا انتصارات. وقد تختصر الهزائم كثيراً ذكر القياصرة في صفحات التاريخ الذي لطالما كتبه المنتصرون والأقوياء، ولا تستحضره الشعوب عادة إلا للفخر والتباهي وأحياناً للتعلم من الأخطاء.

وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالنتيجة النهائية للحرب التي تدخل عامها الثاني، فقد بات واضحاً أن عالم ما قبل 24 فبراير/شباط 2022 ليس كما بعده. والمؤكد أن نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا ستكون فاصلة وحاسمة في تاريخ روسيا والعالم في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وستحدد طبيعة العلاقات الدولية لسنوات طويلة.

وفي حين أظهر العام الأول من الحرب جزءاً من مواقف الدول المختلفة واصطفافاتها، فالأرجح أن يحسم العام الثاني الاصطفافات بشكل أكثر وضوحاً، ليرسم طبيعة التحالفات الجديدة في نظام عالمي جديد يريده الكرملين عالماً يعترف بروسيا قوة عظمى ضمن عالم متعدد الأقطاب، ويعمل البيت الأبيض على أن يكون استمراراً للهيمنة الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

وبين الرؤيتين، وبعدما كشف العام الأول من الحرب هشاشة نظام الأمن العالمي، بات واضحاً أن عام 2022 فتح الباب لإنهاء النظام العالمي الذي كان قائماً قبله، ولكن نتائجه لم تحدد بعد شكلاً نهائياً لطبيعة النظام الجديد، ومواقع روسيا والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي فيه.

خيبات روسية متتالية

اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه السنوي، يوم الثلاثاء الماضي أمام البرلمان، أن الحرب تعد صراعاً وجودياً مع الغرب يحدد مستقبل روسيا، وأن "الغرب الجماعي" يريد تحويل الصراع المحلي المحدود إلى مواجهة عالمية. وأكد بوتين العزم على الاستمرار في الحرب، وأنه لا يمكن إلحاق هزيمة بالجيش الروسي في ساحة المعركة.

أكد بوتين العزم على الاستمرار في الحرب، وأنه لا يمكن إلحاق هزيمة بالجيش الروسي في ساحة المعركة

وفي خطاب ألقى فيه اللوم على الغرب، لم يطلق بوتين أي وعود حول زمن انتهاء العملية العسكرية، وبدلاً من ذلك جهز شعبه لمواجهة طويلة مع الغرب، ولكنه لم يعلن تحوّلها إلى حرب. كما تعهّد بالنصر، من دون أن يحدد أي معايير واضحة لمعنى النصر بعد عام شهد عثرات ونكسات عدة لموسكو، بدأت بعجز الجيش والمليشيات الروسية عن تحقيق نصر سريع وكاسح والسيطرة على كييف في أيام، وفشل الرهان على استقبال الأوكرانيين للجيش الروسي بالورود.

وبمراجعة سريعة للأداء العسكري الروسي، فقد كان اجتياح أوكرانيا فوضوياً، وسرعان ما ثبت أن بوتين وجنرالات الجيش الروسي كانت لديهم أفكار خاطئة حول قدرتهم على إخضاع الجيش الأوكراني بسهولة، فيما أبدى الأوكرانيون مقاومة باسلة فاجأت الجميع. واتسم أداء القوات الروسية بضعف التخطيط والتنظيم والإمداد والدعم اللوجستي، ورداءة التسليح والتجهيز، وتدني الروح المعنوية للجنود.

وفشل الجيش الروسي في حصار كييف وتقهقر بعيداً عنها في نهاية شهر مارس/آذار نتيجة خسائر كبيرة بالأرواح والمعدات، ما شجع الدول الأوروبية والغربية على الخروج من حالة الحذر، والبدء بتقديم دعم عسكري للجيش الأوكراني ضمن ضوابط مشددة نسبياً، تم لاحقاً التراخي بها تدريجياً.

استطاع الجيش الأوكراني قلب المعادلة من خلال الهجمات المرتدة التي شنّها في صيف وخريف العام الماضي، بفضل الأسلحة الغربية

واستطاع الجيش الأوكراني قلب المعادلة نسبياً من خلال الهجمات المرتدة التي شنّها في صيف وخريف العام الماضي، بفضل الأسلحة والذخائر الغربية التي حصل عليها، بينما عانت القوات الروسية من مظاهر الإعياء والتخبّط. وفي الصيف والخريف الماضيين، تحوّل الجيش الروسي من الهجوم إلى الدفاع، واضطر إلى إجراء تغييرات كبيرة في صفوف قيادة العمليات أكثر من مرة، وخسر أكثر من نصف الأراضي التي سيطر عليها سابقاً.

ومنذ استهداف جسر القرم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لجأ الجيش الروسي إلى التوسع في استخدام الصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات الإيرانية لضرب البنى التحتية الأوكرانية، وخصوصاً محطات الطاقة، بهدف إضعاف الروح المعنوية للأوكرانيين وإجبارهم على الاستسلام. ولكن النتائج جاءت معاكسة، كما أدت إلى زيادة الدعم والتعاطف من قبل الأوروبيين للأوكرانيين.

واضطر الكرملين إلى الاستعانة بمقاتلي "فاغنر" والإقرار بوجودهم في صيف العام الماضي، بعد النتائج المتواضعة للجيش الذي خضع منذ العام 2008 لعملية إعادة بناء وتطوير كلفت مئات المليارات، واتضح أنها لم تكن كافية لتحقيق النتائج المرجوة منه في أول مواجهة حقيقية مع الجيش الأوكراني المنظّم وإن كان أقل عدة وعتاداً.

وعلى الرغم من توجّه الكرملين إلى إعادة النظر في دور مجموعات "فاغنر"، بعد حملة التعبئة العامة الجزئية، وتحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد حرب لإنتاج ما يلزم من أسلحة وذخائر، بالإضافة إلى شراء أسلحة وذخائر من إيران ومصادر أخرى، فإنه لم يستطع الاستغناء عن خدمات هذه المجموعة.

وواصلت "فاغنر" أداء دور أساسي في المعارك، على الرغم من الخلافات مع جنرالات الجيش الميدانيين بداية، وانتقال المواجهة أخيراً بين مؤسس المجموعة المعروف باسم "طباخ بوتين" يفغيني بريغوجين، من جهة، ووزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان وقائد العملية العسكرية في أوكرانيا غينادي غيراسيموف، من جهة أخرى.

أدت "فاغنر" دوراً أساسياً في المعارك (أوليفر بونك/فرانس برس)

تجاوز الخطوط الحمراء الروسية

يمكن اختزال جزء مهم من نتائج العام الأول من الحرب في زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كييف الإثنين الماضي، وتصريحاته حول مواصلة الدعم الأميركي لأوكرانيا حتى الانتصار.

ومنذ بداية الغزو الروسي تبدّلت المواقف الأميركية كثيراً، وتأثرت بالأوضاع الميدانية. في البداية سارع بايدن إلى الإشارة أن أحد أهم أهداف الولايات المتحدة في هذا الصراع هو منع دخول بلاده وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في مواجهة مباشرة مع روسيا.

والأرجح أن واشنطن انطلقت من أن العملية العسكرية ستنتهي بانتصار سريع إلى حد ما لروسيا، ولذلك بنت خطتها على احتواء موسكو، وتعزيز الجناح الشرقي للأطلسي، والمحافظة على قيادة شرعية لأوكرانيا حتى ولو من المنفى لتنسيق عملية دعم الأعمال العسكرية والاحتجاجات في الأراضي المحتلة من قبل روسيا.

ومع رفض زيلينسكي الخروج من كييف وطلبه الدعم بالأسلحة بدلاً من طائرة لنقله، وبعد النجاحات الأوكرانية والإخفاقات الروسية، اضطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى زيادة تقديم المساعدات تدريجياً للجيش الأوكراني، مع مراعاة بعض الخطوط الحمراء التي يمكن أن تتسبّب في تصعيد نووي مع روسيا.

زاد الدعم العسكري لأوكرانيا شيئاً فشيئاً مع تأكد الغرب أنها تستطيع الدفاع عن أراضيها

وزاد الدعم العسكري لأوكرانيا شيئاً فشيئاً مع تأكد الغرب أنها تستطيع الدفاع عن أراضيها وتحرير أجزاء احتلتها روسيا، وتطور الدعم ليشمل صواريخ هجومية ودبابات ومدافع، ما أدى إلى تغيرات نوعية في أداء الجيش الأوكراني وتمكّنه من وقف تقدّم الجيش الروسي والمرتزقة، وتحرير أجزاء من خاركيف وليمان، وإجبار روسيا على الانسحاب من مدينة خيرسون.

واللافت أن الدعم الغربي لأوكرانيا بالأسلحة تواصل وتحسن نوعياً، على الرغم من إعلان موسكو ضم دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون إلى الاتحاد الروسي بعد نكسات ليمان وخاركيف، ما يعني أنها باتت مناطق محمية ضمن القبة النووية الروسية.

وبعد الضم، واصل الأوكرانيون هجوم الخريف على خيرسون ومناطق في لوغانسك ودونيتسك، وحتى نهاية الخريف الماضي استطاعوا تحرير نصف الأراضي التي احتلتها روسيا بعد الغزو. ولكن على الرغم من كل النكسات التي تعرضت لها روسيا، فهي ما زالت تسيطر حتى اليوم على حوالي 20 في المائة من أراضي أوكرانيا.

وتكشف تصريحات المسؤولين الغربيين أن "الخطوط الروسية الحمراء" بشأن تسليح أوكرانيا سيتم تجاوزها، على الرغم من زيادة تهديدات المسؤولين الروس بإمكانية اللجوء للسلاح النووي، وأنه "لا يمكن هزيمة دولة نووية تتعرض لخطر وجودي".

وبدا واضحاً أن الغرب تشجع تدريجياً على تجاوز الخطوط الحمراء للكرملين، بعد تكشف عدم قدرة موسكو على الدفاع عنها على أرض الميدان وتواضع قدراتها. فمع الوقت تبدد الخوف من شنّ موسكو هجمات سيبرانية، وبدا أن الأسلحة عالية الدقة التي لوّحت باستخدامها القوات المسلحة الروسية لضرب القوافل بمساعدة عسكرية آتية من بولندا، إما أنها ليست دقيقة جداً أو نادرة الاستخدام ومحفوفة بالمخاطر، نظراً لتواصل تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا.

ومن جهة أخرى، خسرت روسيا الرهان على أن أوروبا ستستجديها ولن تتجرأ على فرض عقوبات اقتصادية، نظراً لاعتمادها المفرط على واردات النفط والغاز من روسيا، كما لم تقلل حرب الغاز من مستوى الدعم الأوروبي لأوكرانيا. وربما طرأت عوامل عدة لصالح أوكرانيا والأوروبيين، فالشتاء كان دافئاً نسبياً، والمواطنون الأوروبيون نفذوا تعليمات حكوماتهم بدقة، ما أسهم في تراجع استهلاك الغاز كثيراً، والخروج من الشتاء بمستويات جيدة من الاحتياطات في مخازن الغاز الطبيعي.

وأفلحت الدبلوماسية المكثفة للأوروبيين في إيجاد مصادر بديلة للنفط والغاز الروسيين بأسرع مما كان متوقعاً، ما شجعهم على وضع سقف لسعر النفط الروسي ولاحقاً الغاز، واتخاذ قرار استراتيجي بالتخلي عن مصادر الطاقة الروسية التي تشكل عصب الاقتصاد الروسي ومصدراً مهماً من مصادر الموازنة الروسية.

تعزيز الوجود الأميركي في أوروبا

بعد عام على غزو أوكرانيا، تبدو روسيا كدولة مارقة تعاني قطيعة سياسية شاملة مع الغرب الذي فرض عليها أقسى عقوبات ممكنة على دولة في العصر الحديث. وبدلاً من تراجع حلف الأطلسي إلى حدود عام 1997، أي التراجع عن ضم دول من أوروبا الشرقية والوسطى، فقد انتقل مركز ثقل الناتو إلى الجناح الشرقي وازدادت متانة مجموعة بوخارست، وتحوّلت بولندا إلى مركز لإيصال المساعدات إلى أوكرانيا. كما تضاعف عدد قوات الناتو في بلدان البلطيق ورومانيا.

والأسوأ بالنسبة لروسيا، أن الحرب على أوكرانيا أثارت مخاوف السويد وفنلندا، اللتين قررتا التخلي عن سياسة الحياد من عقود، وسارعتا إلى تقديم طلب للانضمام إلى حلف الأطلسي، ما يعني تضاعف حدود روسيا مع الناتو مرتين إلى قرابة 2600 كيلومتر مع الانضمام المتوقع لفنلندا إلى الحلف، وتحوّل بحر البلطيق إلى بحر للناتو يسيطر الحلف على شواطئه ومداخله باستثناء جيبين صغيرين في حال رفعت تركيا اعتراضها على انضمام السويد.

ومن الناحية الاستراتيجية، فإن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، يعني أيضاً زيادة قوة ونفوذ الناتو في منطقة القطب الشمالي، وعزل روسيا في هذه المنطقة الحيوية.

ساهمت الحرب في تقريب الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وأعادتها بقوة إلى أوروبا

وعلى عكس الآمال الروسية بتراجع قوة ومتانة حلف الأطلسي، إثر الانسحاب من أفغانستان، والخلافات بين جناحي الحلف حول المحيط الأطلسي، فقد ساهمت الحرب في تقريب واشنطن من بروكسل، وأعادت الولايات المتحدة بقوة إلى أوروبا، وأعادت الاعتبار للحلف الذي كان يعاني موتاً سريرياً. كما استطاعت واشنطن استمالة كوريا الجنوبية واليابان للوقوف في وجه روسيا.

وتسبّبت الحرب في تغيرات كبير في نظرة الأوروبيين لقضايا الأمن والدفاع، وتحررت ألمانيا من "عقد التاريخ" وبدأت بتزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة، وزادت بشكل كبير نفقاتها الدفاعية لتصل إلى 100 مليار يورو. كما قررت المزيد من الدول الأوروبية رفع إنفاقها على الدفاع إلى 2 في المائة وأكثر من ناتجها المحلي الإجمالي.

في المقابل، فشلت روسيا في تشكيل حائط صدّ سياسي متين في مواجهة الموقف الغربي، فدعم بلدان منظمة "بريكس" لم يرقَ إلى مستوى الطموح الروسي، والأمر ينطبق على منظمة شنغهاي، وكذلك بلدان رابطة الدول المستقلة، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي زادت مخاوف بعضها من إمكانية تكرار السيناريو الأوكراني في تعامل روسيا معها.

مستقبل الحرب في أوكرانيا

من الواضح أن الاستراتيجية الأميركية باتت تنطلق من إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، من دون المغامرة باندلاع مواجهة مباشرة وحرب نووية. في المقابل، فإن روسيا تصرّ على مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها التي تغيّرت أكثر من مرة، ولا يعرف هذه الأهداف تماماً إلا بوتين وربما قلة من المحيطين فيه. وعلى الرغم من تمترس كل طرف وراء أهدافه، فإن إمكانية فتح باب التفاوض ممكنة، خصوصاً بعد تعليق مشاركة روسيا في اتفاقية "نيو ستارت"، ما يزيد من الخطر على الاستقرار والسلم العالميين.

يراهن زيلينسكي على استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا (رومان بيلباي/Getty)

وبرزت في الأيام الأخيرة محاولة صينية لوضع حد للحرب وإيجاد تسوية للصراع المتواصل والذي يهدد بنسف الاستقرار في العالم. وجاءت الجهود الصينية بعد فشل جولات التفاوض السابقة في وضع حدّ للحرب نظراً للتضارب الكبير في أهداف البلدين، والتي تعقّدت بعد ضم روسيا أربع مناطق جديدة من أوكرانيا، وتعهّد الأخيرة بأنها ستواصل الحرب حتى استعادة كامل أراضيها وفق الحدود الدولية المعترف بها في 1991 أي استعادة القرم. وعلى الرغم من جدية بكين، فالأرجح أن موضوع التسوية السلمية مؤجل إلى حين حدوث تغيرات كبيرة في ميزان القوى على الأرض لصالح أحد الطرفين.

وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة في الأرواح والمعدات، والتي لا يمكن التحقق من حجمها الحقيقي في ظروف الحرب الميدانية والإعلامية، فالأرجح أن تتواصل الحرب، فبوتين لن يرضى بهزيمته، ويتجاهل جميع التغيرات التي تقود إلى استنتاج بأنه لا يمكنه كسب الحرب.

يراهن بوتين على قدرة الجيش الروسي على الصمود طويلاً وعدم استمرار الدعم الغربي لكييف

وفي خطابه يوم الثلاثاء الماضي، قال بوتين إنه المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة، مراهناً على أن الجيش الروسي يمتلك قوة كبيرة على الصمود لفترة طويلة، خصوصاً أنه استطاع التأقلم مع الحرب واستدراك أخطائه، وقام بعمليات تعبئة بشرية وإعادة تسليح. كما يراهن بوتين على عدم استمرار الدعم الغربي إلى ما لا نهاية، وأن الانسحاب من "ستارت 3" سيثير مخاوف في واشنطن وأوروبا.

في المقابل، فإن زيلينسكي الذي استطاع ببقائه في كييف تغيير المعادلات، يراهن على استمرار الدعم الغربي انطلاقاً من أنه يدافع عن أوروبا والعالم في وجه التوسع الروسي.

وبعيداً عن تقديرات الطرفين، فإن نتيجة الحرب الحالية تعتمد ميدانياً على توفر الذخائر لدى الطرفين، واستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا التي أثبتت أنها قادرة على إحداث فارق في حال وجود دعم دائم. ومن جهة أخرى، فإن نتيجة الحرب ستعتمد على الحرب الاقتصادية وقدرة الاقتصاد الروسي على الصمود، والاقتصادات الغربية على تحمل ارتفاع أسعار الطاقة. ومن المؤكد أن قواعد اللعبة في الحرب ستتغير كلياً في حال قررت الصين تزويد روسيا بأسلحة وذخائر، وتكثيف دعمها الاقتصادي لروسيا.

بعد عام من الحرب، توسعت حدود العالم الروسي جغرافياً بنحو 100 ألف كيلومتر مربع، ولكن آفاق توسع "العالم الروسي" تضيق في أوكرانيا التي ساهمت الحرب في بروز هوية وطنية أوكرانية أكثر تشدداً وتماسكاً، تضم الأوكرانيين والقوميات الأخرى والروس والناطقين بالروسية في أوكرانيا الرافضين للغزو الروسي. كما أن المخاوف من تكرار سيناريو أوكرانيا سيزيد القيود على الأقليات الروسية في البلطيق ومولدوفا وآسيا الوسطى بعدما أعطى الغزو الروسي لأوكرانيا درساً مجانياً للدول التي تضم جاليات روسية كبيرة.

المساهمون