نجح النظام السوري إلى درجة كبيرة، في جرّ سكان ريف حماة الشرقي إلى لعبة المقارنة بينه وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كما تمكن من استقطاب معظم أصحاب الموقف الرمادي من الثورة السورية في المنطقة، وجرّهم إلى العمل لصالحه بعد أن وجدوا أنفسهم محاصرين بمجموعة من الأخطار أهونها النظام، علماً أن مدينة سلمية أكبر مدن ريف حماة الشرقي، هي ثاني مدينة سورية تثور على النظام بعد درعا منذ بداية الثورة.
أبو حسين، مزارع من قرية المبعوجة في ريف حماة الشرقي، وهو رب لأسرة مكونة من ستة أفراد، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه "ليس مؤيداً للنظام، ولكنه لم يتمكن من تقديم شيء للثورة أو المشاركة فيها بسبب قبضة النظام المحكمة على المنطقة منذ بداية الثورة"، موضحاً أن قريته "محاصرة من تنظيم "داعش" من الشرق منذ نحو سنتين، فيما النظام الذي يسيطر على المنطقة قد تخلّى عن معظم واجباته تجاهها، تاركاً إياها تواجه خطر "داعش" الذي يتهددها في كل لحظة، وفي ذات الوقت يلاحق أبناءنا للالتحاق بالخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط .أما المعارضة المسلحة فتتعامل مع سكان المنطقة كعملاء للنظام، من دون أن تترك لهم أدنى فرصة للذهاب إلى الطرف الآخر (المعارض)".
ويتابع أبو حسين: "لقد فقدت كل الأراضي الزراعية التي أملكها وهي مصدر رزقي الوحيد، بعد أن استولى عليها سكان قرى صلبا وقليب الثور التابعون لتنظيم داعش، فأنا لم أتمكن من الذهاب إلى أرضي منذ أكثر من سنة، وبعد الهجوم الأخير الذي شنه تنظيم داعش على المبعوجة، جاءت قوات من لواء صقور الصحراء الموالية للنظام باتجاه القرية، فظن الناس أن تلك القوات جاءت لتشكل حواجز تمنع عناصر التنظيم من التسلل إلى القرية، وتشجعوا بالذهاب إلى أراضيهم، ولكننا فوجئنا أن أراضينا معظمها قد زرعت بالألغام، إذ تعرضت المنطقة لستة حوادث انفجار ألغام معظمها ضمن الأراضي الزراعية وعلى الطرقات المؤدية إليها، تسببت بمقتل خمسة مواطنين، فيما عاد لواء صقور الصحراء من حيث أتى تاركا المنطقة تواجه مصيرها مع داعش".
ولواء صقور الصحراء هي مليشيا خاصة ممولة من قبل رجل الأعمال محمد جابر الذي يمتلك معامل لتصنيع الحديد، وتصنيع البراميل المتفجرة، وقد تشكّلت من اجل استعادة السيطرة على حقل الشاعر النفطي وتضم عناصر من أهالي مدينة سلمية.
اقرأ أيضاً: مجزرة المبعوجة تحت أعين النظام السوري
ويقول علي. ق. الرجل الستيني من قرية المبعوجة، لـ"العربي الجديد": "أولادي جميعهم متزوجون عدا ابني يامن الذي يبلغ 19 عاماً، وهو الوحيد ضمن عائلتي الذي يمكن أن يساعد بمصاريف المنزل، إلا أنه وبسبب الطلب من الخدمة الإلزامية في صفوف جيش النظام، احترتُ في الطريقة التي يمكن أن أخفيه فيها كي لا يتم سوقه إلى القتال، فأنا أسعى لإخراجه من البلد إلا أن مروره على أي حاجز قد يتسبب بسوقه إلى الخدمة الإلزامية، كما أن خروجه عن طريق مناطق المعارضة فيه خطر أكبر، خصوصاً بعد الحادثة الأخيرة التي تم فيها قتل أربعة شبان من سلمية، على يد جبهة النصرة في ريف إدلب، أثناء محاولتهم الهرب الى تركيا، على الرغم من أنهم من ناشطي الثورة".
ويتابع: "أصبح معظم السكان هنا يدركون أن النظام لم يترك أمامهم أي خيار سوى التهجير أو البقاء تحت رحمة داعش، فقد سمعنا عن مبادرات كثيرة من بعض سكان القرى المحاذية لأماكن سيطرة داعش، من أجل تسليحهم لمواجهة التنظيم، إلا أن الرد دائماً كان يأتيهم بأنكم غير مهددين".
ويروي جهاد. س. وهو مزارع من قرية عقارب الصافية شرق مدينة السلمية، لـ"العربي الجديد" كيف ساهم شبيحة النظام في المنطقة بتوتير العلاقة بين قراهم وبين سكان قرى البدو المجاورة لهم، وذلك من خلال سلبهم ما يتسوقونه من مدينة السلمية، أثناء مرورهم على الحواجز التي كان ينصبها الشبيحة على الطرقات في الفترة التي سبقت مجيء "داعش" للمنطقة، الأمر الذي خلق ردود فعل انتقامية لدى سكان قرى البدو، إذ قاموا بعد مبايعتهم لتنظيم "داعش" بالاستيلاء على الأراضي الزراعية للقرى المجاورة لهم، ومارسوا عمليات سرقة وتعدٍ على الثروة الحيوانية التي يربيها سكان تلك القرى، بالإضافة إلى مشاركة عناصر التنظيم بالهجمات عليها كالهجوم الأخير الذي حصل على قرية المبعوجة.
ويضيف جهاد: "هناك مواطنون من بلدة عقارب الصافية لم يستطيعوا استخدام أراضيهم الزراعية منذ نحو سنتين، بسبب استيلاء البدو من سكان بلدة ابو حنايا عليها، لأن مجرد تواجد أي مواطن ضمن أرضه يعرضه لإطلاق نار من التنظيم، كما أن هناك مواطنين من ريف حماة الشرقي كانوا يعتمدون في معيشتهم على تربية الأغنام، ولكن اضطر معظمهم لبيعها بسبب التضييق عليهم من قبل قرى البدو التابعة للتنظيم وسرقة أغنامهم، ما ساهم في فقدان معظم الثروة الحيوانية في المنطقة".
ويقود ما يسمى بلجان الدفاع الوطني (الشبيحة) في ريف حماة الشرقي، عضو مجلس الشعب فاضل وردة، الذي تفرّغ لتشكيل قوى خاصة في معظم ريف سلمية تقوم على أساس عائلي. ففي كل منطقة من مناطق ريف سلمية شكّل قوة تابعة له من خلال استقطاب بعض العائلات المعروفة بولائها للنظام، وبدورها أسست بعض هذه القوى مجموعات في القرى الأصغر تابعة لها بالطريقة نفسها، إذ يتبع لوردة الذي يتخذ من مدينة سلمية مقراً له مجموعة من المليشيات، أهمها مليشيا غزوان السلموني في مدينة صبورة، والذي كان يعمل جابي عدادات مياه تحوّل خلال السنوات الثلاث السابقة إلى ملياردير يمتلك الكثير من العقارات والمطاعم، من خلال عمليات النهب التي يقودها مع عناصره في مدينة صبورة، وعن طريق العناصر التابعة له في القرى الأخرى، بعدما استطاع تجنيد أنصار في قرية عقارب الصافية للعمل معه في عمليات التشبيح تحت اسم الدفاع الوطني.
وتؤكد مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" أن لجان الدفاع الوطني تعمل نهاراً فقط، ويعود عناصرها ليلاً الى بيوتهم في الوقت الذي من المفترض فيه ان يراقبوا تحركات تنظيم "داعش". وتوضح المصادر أنه بعد تحويل طريق حلب دمشق عن طريق سلمية نصبت لجان الدفاع الوطني حاجزاً بالقرب من بلدة خنيفس، يُعرف باسم "حاجز المليون" لأن عناصره يتفاخرون بأنهم لا يبرحون الحاجز حتى يحصلوا على مليون ليرة سورية يومياً، إذ يبتز الحاجز ركاب الباصات التي تمر من الطريق بألف ليرة عن كل راكب، كما يبتز الشاحنات التي تنقل بضائع بمبالغ أكبر بكثير حسب نوع السيارة والحمولة.
اقرأ أيضاً: تنظيم "الدولة الإسلامية" يحتجز خمسين مدنياً في ريف حماة