أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جويل ريبرون، عن انتهاء مهمته برسالة وجهها للسوريين صباح الأربعاء، معبراً فيها عن فخره بالخدمة كمبعوث لسورية ونائب لمساعد وزير الخارجية لمدة عامين ونصف، كما خاطب النظام بلهجة شديدة بأن الخيارات أمامه مستحيلة، سوى الخضوع للقرار الأممي 2254.
ومع نهاية مهمة ريبرون، مع تسلم الإدارة الأميركية الجديدة لمهامها برئاسة جو بايدن، تترقّب المعارضة المرحلة المقبلة، سيما أن ريبرون كان من أشد المبعوثين الأميركيين إلى سورية ضغطًا على الأسد، سواء من خلال العقوبات أو دفع دول إقليمية لجهة تثبيت عزلته دولياً وإقليمياً، بالإضافة لعلاقته الجيدة مع المعارضة. ومع أنه لا ترشيحات صدرت عن فريق بايدن حول خلف ريبرون كبعوث للملف السوري، إلا أن التعيينات المتوقعة لتسلم ملفات الشرق الأوسط في البيت الأبيض والإدارة الأميركية، أو التي لها علاقة مع القضية السورية بشكل مباشر، لا تدعو للتفاؤل من جهة المعارضة، سيما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، كونها حملت أسماءً لأشخاص لا يملكون موقفاً إيجابياً اتجاه المعارضة المدعومة من تركيا.
وقال ريبرون في رسالته التي عنونها بـ"إلى كل السوريين": "لن أتوقف عن العمل من أجل العدالة والسلام لكم ولن يتوقف زملائي في وزارة الخارجية، نحن كـلنا متفقون أن مصالح وقيم الولايات المتحدة تدعو إلى حكومة من نوع مختلف في دمشق، حكومة تعامل شعبها والعالم كله بشكل مختلف".
حملت التعيينات المتوقعة أسماءً لأشخاص لا يملكون موقفاً إيجابياً اتجاه المعارضة المدعومة من تركيا
وعبّر ريبرون في رسالته عن فخره "بأكثر من مئة شخص يعملون في ثلاث قارات حول العالم وهم ملتزمون بقلوبهم وأرواحهم نحو تنفيذ سياساتنا في سورية، وأعرف أن المهمة ستستمر بدوني أيضاً"، وأكد على مسؤولية النظام عن الكثير من الجرائم بالقول: "خلال فترة ولايتي، استطعت أن أشهد على كل الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري. لقد كانت الأدلة على جرائم النظام ساحقة. سأقف دوماً مع الشعب السوري وأنا واثق من أن العدالة ستتحقق".
وأشار ريبرون إلى أن "العالم كله يرى أن نظام الأسد سقط من خلال سعيه دائماً للحل العسكري، بينما الحل الوحيد في سورية هو سياسي يلتزم بقرارات الأمم المتحدة 2254 بما يتضمن الانتقال السياسي في دمشق"، مشدداً على أنه "ليس هناك حل آخر". وأضاف: "لقد وصل نظام الأسد لحدوده وما سيحصل الآن هو انهيار أكبر ضمن صفوفه، أسبوعاً وراء أسبوع وشهراً وراء شهر".
كذلك نوه المبعوث الأميركي إلى أنه "إذا تمكن الشعب السوري من البقاء متحداً، حتماً ستتاح له الفرصة لتشكيل مستقبله، ربما في وقت أقرب مما يعتقد الكثير من الناس". وأكد أنهم في واشنطن يرون بوضوح أن "نظام الأسد لن يستطيع التهرب من ضغوطات قانون قيصر ولن يستطيع تجاوز العزلة الدولية".
ويبقى الملف السوري في جدول أعمال الإدارة الأميركية الحالية، محط أنظار السوريين، والمعارضة على وجه الخصوص، إذ خرجت أنباء عن تعيين بايدن لبريت ماكغورك منسقاً للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض، كخطوة لم تلقَ صدى إيجابياً داخل المعارضة السورية، كون ماكغورك يعد صديقاً للقوات الكردية شمال وشرق سورية، وهو بذلك يعارض تطلعات أنقرة الحليفة الأقرب للمعارضة في الوقت الحالي حيال ترتيبات شمال وشرق البلاد، ويخشى أن تشكل علاقته المتوترة مع أنقرة عاملاً سلبياً على خيارات المعارضة شمالي البلاد في المرحلة المقبلة، كما أن ماكغورك لا يملك انطباعاً جيداً عن المعارضة السورية، الأمر الذي سيفضي في المسألة السورية لمزيد من التعقيد.
كما رجحت وسائل إعلام أميركية، أن يلجأ ماكغروك لتعيين زهرة بيل، المسؤولة الأميركية للبعثة الأميركية شمال شرق سورية، كمسؤولة عن الملف السوري في مجلس الأمن القومي، مع احتمالية أن تكون المسؤولة المباشرة عن الملف، ما قد يفضي إلى تغيير صيغة تواصل الإدارة الأميركية مع القضية السورية، من اعتمادها على مبعوث خاص يتبع إلى وزارة الخارجية، إلى موظف يدير الملف من البيت الأبيض.
لكن الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، المقيم في واشنطن، أشار إلى أن تلك المعلومات غير أكيدة، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أن مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض سيكون تحت إشراف كل من ماكغورك وباربارا أليف، التي تحمل صفة سفيرة، وشغلت عدة مناصب مهمة في الخارجية الأميركية، منها نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شبه الجزيرة العربية ومن ثم العراق، قبل أن تعيّن سفيرة للولايات المتحدة في الإمارات العربية المتحدة.
ونوه بربندي، إلى أن ليف من الدبلوماسيين المخضرمين والمتفهمين والتي يمكن التعاطي الإيجابي معها في الملف السوري، وسيكون الحال مختلفاً نسبياً فيما إذا كان المسؤول المتحكم بالملف بيرت ماكغورك الذي لديه أحكام وانطباعات سلبية مسبقة عن الملف السوري وطريقة التعاطي معه، مشيراً إلى أن تركيبة الإدارة الجديدة لن تسمح لأي شخص أن يتخذ مواقف شخصية أو بعيدة عن السياسة العامة الأميركية.
أما بخصوص تعيين زهرة بيل كمسؤولة مباشرة عن الملف السوري لتديره من واشنطن، وتغير صيغة التواصل الأميركي مع القضية السورية، أشار الدبلوماسي بربندي إلى أن ذلك غير محسوم إلى الآن، معتبراً أن المعلومات التي تناولتها وسائل الإعلام محط تكهنات وتسريبات، وأكد في حديثه مع "العربي الجديد" بأنه سواء تم تعيين مبعوث خاص جديد عوضاً عن جويل ريبرون أو اللجوء إلى صيغة أخرى، فإن ذلك لن يغير جوهرياً في التعاطي مع الأزمة السورية.
واعتبر بربندي أن التصريحات الرسمية للإدارة الجديدة حول الملف السوري لا تزال إلى الآن دون مستوى التوقعات مقارنة بمواقفهم تجاه إيران والملف النووي، مستشهداً بجلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس للمصادقة على تعيين مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إذ إن مداخلته ونقاشات أعضاء الكونعرس خلت من الحديث عن الملف السوري، طيلة الجلسة التي استمرت أربع ساعات، يوم أمس الثلاثاء، رغم أن الكثير من الأعضاء، وبلينكن، مطلعون بشكل كبير على الملف السوري ويعرفون الكثير من تفاصيله، بحسبه. معتبرًا تبعًا لذلك أن القضية السورية ليست من ضمن أولويات السياسة الأميركية مع الإدارة الجديدة برئاسة بايدن، بل هي جزء من التعامل مع الملف الإيراني.
وعن تقييمه لفترة ريبرون، أشار بربندي إلى أن الأخير حاول جاهداً التضييق على النظام، والضغط على الوجود الإيراني في سورية، وكان له جهد في فرض العقوبات وتثبيت العزلة على النظام، لكن نقطة ضعف ريبرون، بحسب بربندي، تكمن بمراهنته على المعارضة، والائتلاف بشكل رئيسي، إلى حد كبير، "وهو رهان لم يكن له ما يدعمه أو يشجعه على أرض الواقع نظراً لما تعانيه المعارضة من عدم شرعية شعبية وتمثيلها لمصالح الدول أكثر من تمثيلها لمصالح السوريين، وهذا ما جعل جهوده تفقد الكثير من فاعليتها".