ذكر مصدر في النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب أن كاهنا روانديا يقيم في فرنسا منذ عشرين عاما، وحصل على الجنسية الفرنسية، أوقف الأربعاء بسبب اتهامات حول دوره في مجزرة ذهب ضحيتها أفراد من إثنية التوتسي لجأوا إلى كنيسته في بداية حملة الإبادة في رواندا قبل 27 عاماً.
وقال مصدر في مكتب النائب العام لمكافحة الإرهاب لوكالة "فرانس برس" إن مارسيل هيتايزو، المولود في عام 1956، اتهم رسميا الأربعاء بـ"حرمان أفراد من التوتسي لجأوا إلى كنيسته من الطعام والمياه"، و"تقديم مواد غذائية إلى أعضاء المليشيا الذين هاجموا هؤلاء اللاجئين التوتسي" في أبرشيته في موبوغا بجنوب رواندا.
وقالت النيابة المكلفة متابعة ملفات الجرائم ضد الإنسانية في بيان إن "مارسيل هيتايزو نفى هذه الوقائع خلال استجوابه أمام قاضي التحقيق".
وذكر مصدر مقرب من التحقيق أن محققين من المكتب المركزي لمحاربة الجرائم ضد الإنسانية اعتقل القس الأربعاء في منزله في قرية في جنوب غرب فرنسا.
وأمر باعتقاله قاض من "قطب الجرائم ضد الإنسانية" في محكمة باريس، مكلف منذ 26 يوليو/ تموز 2019 بتحقيق يستهدف القس فتح بعد ثلاث سنوات على رفض القضاء الفرنسي نهائيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تسليم مارسيل هيتايزو إلى رواندا.
بعد استجوابه، اتهم القس بارتكاب "إبادة جماعية" و"التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية"، ووضع في الحبس الاحتياطي.
وذكرت صحيفة "لا كروا" الكاثوليكية الفرنسية أن الرجل أمضى ثلاث سنوات في مخيمات اللاجئين في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، ثم "وصل بين 1998 و1999" إلى أبرشية لاروشيل (جنوب غرب) وحصل على اللجوء في "يناير/ كانون الثاني 2011".
رأى آلان غوتييه، أحد مؤسسي "جمعية الأطراف المدنية لرواندا" التي تضم أطراف الادعاء في الملف، أن توجيه الاتهام لهيتايزو "نبأ ممتاز". وقال لـ"فرانس برس": "يجب على الكنيسة أن تسأل نفسها عن كيفية منح مسؤوليات لأشخاص يشتبه في مشاركتهم في إبادة جماعية".
وأسقطت دعوى في 2015 ضد قس كاثوليكي آخر لجأ إلى فرنسا، هو وينسيلاس مونييشياكا، متهم أيضا بلعب دور في مجازر 1994.
وفي ديسمبر/ كانون الأول، جمع صحافي في "فرانس برس"، رافق آلان غوتييه في تحقيقاته في رواندا، شهادتي ناجيتين من موبوغا.
وقالت المرأتان، اللتان طلبتا عدم ذكر اسميهما، إن الكاهن كان ينشد أمام اللاجئين الخائفين "أغاني يتم ترديدها عادة خلال جلسات الترحم على الأموات"، بينما كان مسلحو مليشيا الهوتو المتطرفة "إنترهاوامي" المسؤولة عن الإبادة في المكان. وصرحت إحداهما "كنا مثل الأحياء الأموات".
وروت إحداهما، وكانت في العاشرة من عمرها في 1994، وهي تبكي، لـ"فرانس برس"، أنها بقيت في الكنيسة "أسبوعين مختبئة بين جثث أفراد عائلتها" بسبب حالة الهلع التي أصابتها بعد هجوم المسلحين، إلى أن أخرجتها جرافة جاءت تجمع الجثث.
وفي اتصال هاتفي معه الجمعة في رواندا، قال برنار كايومبا (52 عاما)، الذي أمضى ثلاثة أيام في الكنيسة في موبوغا قبل أن يتمكن من الفرار، بتأثر "حقا؟ (...) أنا سعيد جدا هذه أخبار سارة جدا".
وكان كايومبا في 1994 طالبا في المعهد الديني الرئيسي، وكان يعرف الأب هيتايزو من أبرشية مسقط رأسه. وقال كايومبا "شعرت بخيبة أمل شديدة (...) كان سلوكه إجراميا".
وأضاف أن هيتايزو "كان يعقد اجتماعات مع سلطات الإبادة الجماعية المحلية، مع العمدة والدرك، أمام أعيننا"، مؤكدا أن "مارسيل هو الذي سلم التوتسي الذين كانوا في الكنيسة ... يجب أن يحاكم على أفعاله".
وبين إبريل/ نيسان ويوليو/ تموز 1994، قتل في الإبادة الجماعية أكثر من 800 ألف شخص، حسب الأمم المتحدة، غالبيتهم من أقلية التوتسي.
ويشكل المصير القضائي للمشتبه بتورطهم في هذه المجازر، اللاجئين في فرنسا، واحدا من الملفات الخلافية بين باريس وكيغالي، التي تسمم العلاقات بينهما وتثير تساؤلات عن دور السلطات الفرنسية في 1994.
ويميل الجانبان إلى التهدئة منذ نشر تقرير المؤرخ الفرنسي فنسنت دوكلير، الذي خلص في مارس/ آذار إلى أن باريس تتحمل "مسؤوليات جسيمة" خلال المجازر.
وأحيل سبعة متهمين إلى محكمة الجنايات في فرنسا لارتكابهم جرائم مرتبطة بهذه الإبادة الجماعية، لكن ثلاثة منهم فقط حوكموا وأدينوا، وما زال قرابة ثلاثين تحقيقا جارية.
(فرانس برس، العربي الجديد)