رئاسيات تونس: قرارات المحكمة الإدارية تعيد ترتيب أوراق السباق

29 اغسطس 2024
رفع العلم التونسي خلال الانتخابات التشريعية، 10 ديسمبر 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **قرارات المحكمة الإدارية التونسية**: قبول طعن منذر الزنايدي وإعادته للانتخابات، تمديد المفاوضات في ملف عماد الدايمي، ورفض طعنين من عبير موسي والبشير العواني، مما أعاد تشكيل مشهد الانتخابات الرئاسية.

- **ردود الفعل**: حملة عبد اللطيف المكي وصفت القرار بالعادل، ودعت لوقف المتابعات القضائية السياسية. سمير ديلو أكد أن القرارات أظهرت ظلماً سابقاً واستفاد منها المسار الانتخابي والمترشحون.

- **تساؤلات حول هيئة الانتخابات**: وسام الصغير أكد نزاهة المحكمة وأشار إلى إخلالات في هيئة الانتخابات، معرباً عن أمله في تطبيق قرارات المحكمة بشكل عادل.

قررت المحكمة الإدارية التونسية، اليوم الخميس، قبول طعن المترشح منذر الزنايدي، وإعادته إلى سباق الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى إلغاء قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بحسب ما أكد المتحدث الرسمي باسم المحكمة الإدارية فيصل بوقرة لـ"العربي الجديد".

كما أوضح بوقرة أن المحكمة قررت تمديد المفاوضات في ملف طعن المترشح عماد الدايمي حتى يوم غدٍ الجمعة لاستكمال بعض الوثائق المطلوبة، في حين رفضت طعنين آخرين، أحدهما مقدّم من عبير موسي والآخر من البشير العواني.

وأصدر الفريق القانوني للمرشح الرئاسي عماد الدايمي بياناً مقتضباً، أكد فيه أن "المحكمة الإدارية قررت التمديد في التفاوض بخصوص الطعن الذي قدمناه إلى يوم غدٍ الجمعة. نأمل أن تنصفنا المحكمة لتحقيق العدل واحترام إرادة الناخبين والحفاظ على مصداقية القضاء، خاصة بعد أن أسقطت الطعن الشكلي ودخلت في جوهر القضية، باعتبار أن ملفنا هو الأكثر متانة ووضوحاً".

وكانت المحكمة قد أصدرت قراراً قبل يومين يقضي بإعادة المرشح عبد اللطيف المكي إلى سباق الانتخابات، بعدما استبعد في وقت سابق من قبل هيئة الانتخابات والدائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية. وبهذه القرارات، أعادت المحكمة الإدارية تشكيل مشهد الانتخابات الرئاسية المرتقبة، موسعة قائمة المتنافسين لتشمل الرئيس الحالي قيس سعيّد، زهير المغزاوي، العياشي زمال، عبد اللطيف المكي، ومنذر الزنايدي، مع ترقب قرارها بشأن عماد الدايمي غدًا.

قرارات المحكمة الإدارية التونسية صدرت بعد انعقاد جلستها العامة، والتي ألغت أحكام الدائرة الابتدائية التي كانت قد أيدت رفض هيئة الانتخابات عدداً من الترشحات. في هذا السياق، أوضح القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب، في تصريح لإذاعة "موزاييك"، أن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية تمثل أعلى هيئة قضائية في القضاء الإداري، مشبهًا إياها بالدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب في القضاء العدلي. وتضم هذه الجلسة 27 قاضياً، من بينهم رؤساء الدوائر التعقيبية والاستئنافية والاستشارية، وتصدر قرارات نهائية لا تقبل الطعن وتكتسب حجية مطلقة.

من جانبها، أعربت الحملة الانتخابية للمرشح عبد اللطيف المكي عن تقديرها القرار الصادر عن المحكمة الإدارية، واصفة إياه "بالعادل والمنصف والشجاع". وفي بيان صادر مساء الأربعاء، أكدت الحملة أن هذا القرار أقر بصحة ملف ترشح المكي، معربة عن أملها في أن تستمر المحكمة على نفس النهج في معالجة بقية الملفات، بما يعيد الأمل إلى الشعب التونسي في انتخابات حرة ونزيهة.

كما دعت الحملة إلى وقف جميع المتابعات القضائية ذات الخلفية السياسية ضد كافة المترشحين، وإنهاء الملفات القضائية المفتعلة ضدهم، وإطلاق سراح جميع الموقوفين السياسيين. وناشدت التونسيين "المشاركة الفاعلة في الانتخابات، سواء من خلال الانخراط في الحملة الانتخابية التي لم يتبقَ لها سوى أربعين يوماً، أو بالمشاركة في التصويت ومراقبة سير الانتخابات والاقتراع".

إعادة الثقة بمسار الانتخابات

بدوره، اعتبر القيادي في جبهة الخلاص الوطني المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قرارات المحكمة الإدارية في جلستها العامة أظهرت أن هناك ظلماً في القرارات الابتدائية السابقة، رغم أن المحكمة معروفة بسمعتها العريقة في عدم الخضوع للتعليمات السياسية". وأكد ديلو أن "المستفيد من هذه القرارات هو المسار الانتخابي والمترشحون الذين استعادوا حقهم في التنافس، وأيضاً المحكمة نفسها التي استرجعت مصداقيتها بعد تلك القرارات الابتدائية التي تعرضت لانتقادات قاسية".

وأوضح ديلو أن "هناك عدة محطات تاريخية هامة وقرارات اتخذتها المحكمة الإدارية، مثل إلغاء إقالة القضاة المعفيين التي كانت قد فرضت في يونيو/حزيران 2022، ورفضت المحكمة الإدارية تلك القرارات بعد أشهر. كما شملت قراراتها إلغاء الإجراء المعروف بـ'إس 17'، والذي كان يمنع السفر بناءً على استشارة أمنية، وإعادة العمل لمن أُقيلوا من دون وجه حق. هذه السمعة الجريئة للمحكمة الإدارية معروفة حتى قبل الثورة".

وأضاف ديلو أن "الانطباع الأول لا يزال سارياً، وهو أن مصداقية الانتخابات نسبية وشكلية، وأن شفافيتها ونزاهتها تحتاج إلى تأكيد. ذلك في ظل انفراد السلطة والتضييق على الإعلام والمدونين ووجود سجناء سياسيين. ما كان سيحدث، وربما لأول مرة في الانتخابات، هو غياب تمثيلية للأحزاب والعائلات السياسية الكبرى، وهو ما جرى تعديله بقرارات المحكمة الإدارية الأخيرة. فقد كان هناك قيس سعيد والعياشي زمال، ولكن حزبه 'عازمون' ليس له تمثيل سياسي أو أيديولوجي واضح، وزهير المعزّوي الذي يمثل العائلة القومية. لكن بإضافة عبد اللطيف المكي والمنذر الزنايدي إلى القائمة، إلى جانب انتظار قرار بشأن طعن عماد الدايمي، أصبحت هناك تمثيلية للعائلات الفكرية والسياسية التقليدية: الإسلامية المحافظة (المكي)، القومية (المعزّوي)، والدستورية (الزنايدي). غير أن هناك تمثيلية ناقصة وهي تمثيل عبير موسي التي  أُقصيت وهي في السجن، والعائلة اليسارية التي اختارت عدم المشاركة".

كما لفت ديلو إلى أن "التمثيلية تبقى محترمة، ولكن كان بالإمكان تحسينها. نحن أمام انتخابات غير مسبوقة في التضييق". وفي ما يتعلق بمنع عبد اللطيف المكي من التنقل والظهور الإعلامي، أوضح ديلو أن "فريق الدفاع عنه قدّم مطلباً لقاضي التحقيق لمراجعة القرارات المتخذة بالتحجير، والتي تعتبر من حيث الواقع منعاً مقنعاً من القيام بالحملة الانتخابية".

وبيّن ديلو أن "هذه الانتخابات حتى الآن تعتبر مجرد عملية اقتراع وليست انتخابات رئاسية حقيقية، ولتكون كذلك، يجب أن يكون هناك حد أدنى من التنافس المتكافئ والنزيه، وأن تكون هناك نافذة لتداول السلطة، وهذان الشرطان للأسف غائبان".

وفي ما يتعلق بموقف جبهة الخلاص من الانتخابات بعد هذه التطورات، قال ديلو: "كانت هناك قراءات سابقة لقرارات المحكمة الإدارية، وعلى ضوء هذه المستجدات، سيجرى الاجتماع خلال الـ24 ساعة القادمة واتخاذ قرارات في هذا الشأن".

تساؤلات حول هيئة الانتخابات

وأكد المتحدث باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قرارات المحكمة الإدارية أظهرت نزاهتها وثباتها رغم التحديات التي تواجه المؤسسة القضائية. وأشار الصغير إلى أن "المحكمة الإدارية، التي صمدت في وجه العواصف في زمن الاستبداد، عززت مكانتها بقرارها الأخير، رغم الترهيب والتنكيل الذي تعيشه المؤسسة القضائية، فقد بقوا على العهد، وهذا يحسب لهم ويثمنه كل تونسي يعي أن القضاء هو الركيزة الأساسية لتنظيم المجتمع وتحقيق العدل".

وأوضح الصغير أن "القرارات الصادرة عن المحكمة الإدارية تؤكد ما قاله جزء كبير من الحركة الديمقراطية بشأن وجود إخلالات في التعامل مع المرحلة الانتخابية. واليوم، تأكد ذلك بصدور حكم إيجابي لصالح مترشحين أُقصوا من الترشح للانتخابات الرئاسية، ما يثير تساؤلات حول جدية هيئة الانتخابات في إشرافها على العملية الانتخابية وإقصائها مرشحين".

وأضاف الصغير: "هذه القرارات تبعث على الفرحة والأمل بأن البلد ما زال فيه شرفاء يدافعون عن الدولة ومفهومها. ننتظر لنرى مدى تقيّد هيئة الانتخابات بهذه القرارات وتنفيذها، وهل ستتمكن من تدارك الأخطاء التي ارتكبت، ونحن نأمل أن تطبق قرارات المحكمة وأن تقف الهيئة على نفس المسافة من كافة المترشحين، كي يكون للانتخابات معنى حقيقي ولتمثل التونسيين".

وختم الصغير حديثه قائلاً: "ما حدث هو بمثابة خلط جميع الأوراق بعد المجزرة السياسية التي طاولت المترشحين الوازنين. اليوم، بعد إنصاف عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي، وفي انتظار إنصاف عماد الدايمي غدًا، أصبح الوضع أكثر جدية ويحفز على المشاركة الكثيفة في الانتخابات وتغيير الواقع عبر صناديق الاقتراع بطريقة سلمية وديمقراطية".

من جهته، علق رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي على قرارات المحكمة الإدارية عبر تدوينة على صفحته في فيسبوك، حيث قال: "ويبقى الأمل قائماً في الجلسة العامة للمحكمة الإدارية... شكراً لقضاة الجلسة العامة لحسن تطبيق القانون ولرفع المظالم وتصويب الإجراءات وإرجاع الحقوق لأصحابها".

وأضاف الطريفي: "بغض النظر عن الأشخاص والمرشحين، أنا لا أساند أيًا منهم. قرارات المحكمة الإدارية ترد الروح وتبقي الأمل في تونس حيث يُطبق القانون، وتُحترم الحقوق والإجراءات، وتكون فيها المؤسسات مستقلة". واختتم تدوينته قائلاً: "شكراً لكل نفس حر مناضل متمسك باحترام القانون، ويطمح إلى تونس دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية والحريات وتكافؤ الفرص".