استمع إلى الملخص
- أطلقت الفصائل المعارضة عمليات عسكرية بدعم تركي للسيطرة على مناطق استراتيجية في ريف حلب الشمالي، مما يثير مخاوف من توسع سيطرة الأكراد وربط مناطقهم.
- تواجه "قسد" تحديات كبيرة، حيث تحاول الحفاظ على وجودها في حلب عبر التفاوض، وسط انقسامات داخلية وضعف إمكاناتها العسكرية.
على غرار ما فعل في عام 2011، يحاول النظام السوري مرة أخرى تسليم المناطق التي يعجز عن الاحتفاظ بها إلى حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري في سورية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مع تواتر أنباء عن تسلم الأخيرة العديد من مواقع النظام العسكرية والمدنية في حلب، إضافة إلى بلدات وقرى في ريف حلب الشرقي، وذلك لمنع وقوعها بيد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل المسلحة التي سيطرت على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بعد العاصمة دمشق.
ووفق معطيات متقاطعة، فقد انتشرت وحدات من "قسد"، بتنسيق مع قوات النظام، في الأحياء الشمالية والشرقية من حلب، وهي الأشرفية والشيخ مقصود والشيخ حديد وبستان الباشا والهلك الفوقاني، التي تضم عشرات الآلاف من السكان الأكراد، ومن ضمن ذلك، مستشفى ابن رشد وبنك الدم ومستشفى القلب بجانب فرع الأمن الجنائي وصولاً إلى السريان الجديدة. كذلك سيطرت "قسد" على المنطقة الصناعية في الشيخ نجار ومطار كويرس ونبل والزهراء بعد انسحاب قوات النظام والمليشيات الإيرانية منها. وتسلمت أيضاً مطار حلب الدولي من قوات النظام، فيما أعلنت سلطات النظام السوري توقف المطار عن الخدمة.
سيطرة "قسد" في حلب
غير أن معظم تلك المناطق فضّلت "قسد" عدم الدفاع عنها وانسحبت منها، إذ أعلنت الفصائل سيطرتها على المدينة الصناعية في الشيخ نجار ومطار كويرس وبلدتي نبل والزهراء. واكتفت "قسد" بالتمسك بالمناطق التي يوجد فيها سكان أكراد مثل الأحياء الشمالية في حلب، خصوصاً حيي الأشرفية والشيخ مقصود. ومنذ سنوات، تسيطر "قسد" على بعض أحياء حلب الشرقية، ولم تخرج منها. وقد بدأت في توسعة السيطرة بعد ساعات من دخول فصائل المعارضة إلى داخل حلب، ووقعت اشتباكات محدودة في حلب مع فصائل المعارضة. كما جرت تصفية بعض عناصر الفصائل ممن ضلوا طريقهم ودخلوا إلى أحياء تسيطر عليها قوات كردية. وتسلمت "قسد" مناطق أخرى من قوات النظام في ريف حلب الشرقي مثل دير حافر، المحطة الحرارية، السفيرة، وتل حاصل (ذي الغالبية الكردية) وعدة قرى أخرى بريف حلب الشرقي، حيث توجهت قوات النظام هناك إلى منطقة مسكنة بريف حلب الشرقي. وهنا أيضاً، انسحبت "قوات سوريا الديمقراطية" من معظم هذه المناطق، وتسلمتها فصائل المعارضة.
أحمد البرو: سقوط حلب بيد المعارضة يعني تلقائياً نهاية وجود "قسد" في المدينة
وبالتوازي مع عملية "ردع العدوان" التي بدأتها الفصائل الأربعاء الماضي، أطلق "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا والمنتشر في شمال سورية، أمس الأحد، عملية "فجر الحرية" التي قال إنها تستهدف السيطرة على مدينة تل رفعت وريفها، في ريف حلب الشمالي، الخاضعين لسيطرة مشتركة من "قسد" والنظام السوري. وأعلن "الجيش الوطني"، عصر أمس الأحد، سيطرته على مدينة تل رفعت وطرد "قسد" منها، بعد سيطرته على قرى المالكية وشواغرة وكفين وكفر نايا على محور تل رفعت.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية تركية قولها إن "الجيش الوطني" منع محاولة من جماعات كردية لإقامة ممر يربط منطقة تل رفعت بشمال شرق سورية. وأضافت المصادر أن جماعات مسلحة كردية، من بينها حزب العمال الكردستاني و"وحدات حماية الشعب" الكردية، سعت لاستغلال انسحاب قوات النظام السوري من بعض المناطق في شمال البلاد كانت خاضعة لسيطرة قوات الأسد، لتوسيع مناطق سيطرتها. والمنطقة التي كان سيقيم فيها مسلحون أكراد ممراً، كانت ستربط مناطق في شمال شرق سورية يسيطر عليها الأكراد بتل رفعت، وهي منطقة استراتيجية تقع شمال غربي حلب.
وكانت غرفة عمليات "فجر الحرية" أعلنت قبل ذلك السيطرة على مدينة السفيرة، شرقي حلب، وهي مدينة مهمة لقوات النظام، إضافة إلى مطار كويرس العسكري، وقرى طومان، وأبو طلطل، والشوماوية بريف مدينة الباب الغربي، شرقي حلب. ووصلت قوات "الجيش الوطني" إلى مدينة حلب من الجهة الشرقية لتلتقي مع فصائل عملية "ردع العدوان" التي دخلت إلى حلب قبل ذلك من الجهة الغربية. ويتألف "الجيش الوطني" من ثلاثة فيالق، وثمة تقديرات بأن عديده يتراوح بين 50 ألفاً و80 ألفاً.
في المقابل، أعلنت "الإدارة الذاتية"، في بيان أمس الأحد، مرحلة التعبئة العامة بسبب الأحداث الجارية في سورية. واعتبرت أن الهجوم "الذي تقوده تركيا" يعتبر "استكمالاً لما فشل داعش بتحقيق"، مشيرةً إلى أنه يهدد كل سورية وليس منطقة معينة فقط. وأضافت أن "العدوان التركي هو شكل جديد من الإرهاب الداعشي بأبعاد إقليمية وعالمية". وأشارت إلى أن "المقاومة في حلب والشهباء دليل على صمود شعبنا ضد العدوان التركي"، مضيفة: "المجتمع الدولي مسؤول عن وقف العدوان التركي لتفادي كارثة إنسانية". ودعت مؤسساتها إلى "الاستنفار الكامل والعمل خلايا أزمة لمواجهة تحديات العدوان التركي"، مطالبة "شباب وشابات شمال وشرق سورية بالالتفاف حول قوات قسد لمواجهة العدوان".
وحول الخيارات المتاحة أمام "قسد" إزاء هذه التطورات، رأى الصحافي الكردي أحمد البرو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الموقف بشكل عام مربك لجميع الأطراف. وأضاف أنه مع انسحاب قوات النظام من حلب، اضطرت "قسد" إلى اتخاذ بعض الإجراءات لحماية وجودها في حلب، لأن سقوط حلب بيد المعارضة يعني تلقائياً نهاية وجود "قوات سوريا الديمقراطية" في المدينة، ذلك لأن هذا الوجود كان قائماً على تفاهمات مع سلطات النظام السوري، وكان خيار "قسد" استمرار التنسيق مع النظام، وجرى الانسحاب من بعض الأحياء، والتمدد في أحياء أخرى، إضافة إلى السيطرة على بعض مخازن الأسلحة التي تركها النظام. وأعرب البرو عن اعتقاده أن "قسد" لا تفضل المواجهة مع فصائل المعارضة، لكنها اتخذت تلك الإجراءات ورقةَ ضغط للتفاوض معها، مشيراً إلى ضعف قدرة "قوات سوريا الديمقراطية" على المواجهة في حلب، بسبب افتقارها إلى طرق إمداد بشري وعسكري وخضوعها لنوع من الحصار، ما يجعلها في موقف أضعف إزاء الفصائل.
ورأى البرو أن هناك إمكانية لدخول "قسد" في مفاوضات مع فصائل المعارضة لتسليم هذه المناطق مقابل الإبقاء على وضع معلق في الأحياء الكردية، الأشرفية والشيخ مقصود، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن تركيا قد تدفع الفصائل إلى المواجهة مع "قوات سوريا الديمقراطية" والقضاء عليها في مدينة حلب والريفين الشمالي والشرقي، وقطع كل صلة تواصل بين "قسد" في تلك المناطق ومناطقها المركزية في شرق نهر الفرات. ورأى أن هناك إمكانية لأن تدفع تركيا الفصائل إلى محاولة السيطرة على منبج بريف حلب الشرقي، الخاضعة لسيطرة "قسد". واعتبر البرو أن على "قسد" الطلب من قوات التحالف منع تركيا من دفع الفصائل للسيطرة على هذه المناطق، مقابل فتح جبهة دير الزور ضد قوات النظام الذي يبدو منهاراً هناك. وأشار إلى أن "قسد" بشكل عام في موقف صعب، وأن هناك فارقاً كبيراً في الإمكانات العسكرية بينها وبين قوات المعارضة لصالح الأخيرة من ناحية العدد والعتاد، خصوصاً أن فصائل المعارضة عقائدية ومتمرسة في القتال ولديها دعم تركي كبير، بينما "قسد" تسليحها خفيف، وليست لديها أسلحة ثقيلة.
رشيد حوراني: خطوة تسليم مناطق إلى "قسد" تمثل محاولة من النظام لتمديد وجوده
احتمالات تعاون "قسد" مع المعارضة
وقال مسؤول رفيع داخل "قسد"، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن ما جرى في حلب قد يشكل فرصة نحو الحل والتعاون بين المعارضة السورية و"قسد". واعتبر أن قوات "قسد" الموجودة غرب الفرات قد تكون مفتاحاً للتعاون مع المعارضة، خلافاً للطروحات التي تدفع للتصادم وزج "قسد" في حلف النظام. ولفت إلى أن هناك تياراً داخل "قسد" يمثله مظلوم عبدي وإلهام أحمد وأغلبية أحزاب "مسد" (الجناح السياسي لقوات قسد) تحبذ التعاون مع الفصائل، مقابل تيار "قنديل" (الأكراد الأتراك) والمتعاونين مع النظام، وبعض الإعلاميين الأكراد الذين يروجون للتحالف مع النظام ضد فصائل المعارضة. وأشار المسؤول إلى ما وصفه بـ"البيان المتوازن"، الذي صدر عن قيادة "قسد" بشأن هذه التطورات، الموقع باسم مدير المكتب الإعلامي لقوات "قسد" فرهاد شامي، الجمعة الماضي، الذي قال فيه إن التطورات الأخيرة في شمال وغرب سورية "تهمنا بشكل مباشر ونتابعها من كثب". وأضاف أنه "مهما حدث، لدينا أولوية وطنية وأخلاقية وهي حماية شعبنا ومناطقنا، لذلك سنتدخل حسب ضرورات حماية شعبنا".
كما قال المتحدث باسم دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" كمال عاكف لوكالة هاوار، أول من أمس السبت، إن موقف الإدارة منذ تأسيسها في التعاطي مع جميع الأطراف ينطلق دائماً من" آليات تحقيق الاستقرار، ونفضّل عدم التصادم والتصعيد مع أي طرف". وأضاف أن دور "الإدارة الذاتية" يتمثل في السعي نحو ضمان وحماية الشعب: "دورنا في سورية أساسي ومهم ونسعى لضمان وحماية شعبنا، وجودنا يرتكز على أساس الحماية الذاتية". واعتبر أن الإدارة الذاتية تتجه دائماً إلى كل "ما يضمن وحدة سورية وشعبها".
ورأى رشيد حوراني، الباحث في مركز "جسور للدراسات"، أن خطوة تسليم المناطق إلى "قوات سوريا الديمقراطية" تمثل محاولة من النظام لتمديد وجوده، في ظل حالة الضعف الشديدة التي يمر بها هو وحلفاؤه. وأضاف حوراني أنه يتوجب على الفصائل التعامل بحزم مع هذا الواقع، لأن ردة فعلها لم تكن حتى الآن بالمستوى المطلوب، وكان عليها أن تكون أسرع وأكثر حزماً في التعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية" داخل حلب، عبر "القضم التدريجي" لمناطق سيطرتها. واعتبر أن "قسد" مجرد ورقة مؤقتة لا أحد يعترف بها حتى الأميركيون، ولا توجد أية التزامات متبادلة بينها وبين فصائل المعارضة. ولاحظ حوراني أن دخول "قسد" على خط المواجهات يمكن أن يؤثر سلباً على سرعة العمليات العسكرية لفصائل المعارضة في بقية الجبهات.