مع اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا من دخول عامها الثاني (في 24 الجاري) وبمناسبة انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن الذي كان هذا النزاع محور مداولاته، تكثف الجدل في واشنطن حول مدى وحجم التسليح الأميركي لأوكرانيا في المرحلة القادمة، خاصة أن التوقعات تتحدث وبشبه إجماع عن حرب طويلة دمارها واسع وأبوابها مشرّعة على احتمالات قد تكون "مخيفة".
الواضح في هذا الصدد أن الخطاب الأميركي ارتفعت نبرته ورافقته خطوات ومواقف في الآونة الأخيرة تشير إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بدأت تغادر سياسة "التسليح المفرمل" لأوكرانيا وتتجه نحو تزويد كييف تدريجياً بالمزيد من أسلحة التصعيد الميداني.
التعليل أن هذا التطور فرضه تزايد الحشود الروسية التي تعد لعمليات هجومية واسعة وعميقة في الأراضي الأوكرانية. لكن حسب التقديرات الأميركية، تكبدت موسكو خسائر عسكرية فادحة وعملياتها الميدانية متعثرة، بما أدى إلى "فشل استراتيجي وتكتيكي" على حدّ تعبير رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي. وإذا كان هذا هو واقع الحال فإنه لا يستدعي رفع المنسوب النوعي في تسليح أوكرانيا، إلا إذا كان الغرض فضح العجز الروسي في لحظة صعبة وربما إيقاع "هزيمة" بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما قال السناتور ليندسي غراهام.
مثل هذا التوجه والخطاب الذي يرافقه، أثار مخاوف سارع أصحابها إلى التذكير بعواقب المغامرات العسكرية السابقة التي أقدمت عليها قيادات أميركية استبدت بها "غريزة الصقور" والتي يمكنها في اللحظة الراهنة أن "تفاقم إدمان أميركا على الحروب" حسب قراءة مارك هانّه الخبير الجيوسياسي في مجموعة "يوراسيا" للدراسات الاستراتيجية.
هذا كلام ليس بجديد، فقد قيل مثله من باب التحذير عشية شن موسكو حربها عل أوكرانيا التي ربط كثيرون من العارفين جذورها "بخطأ توسيع" حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الانهيار السوفييتي، وذلك من دون تخفيف مسؤولية الرئيس الروسي عن إشعال حرب غير مبررة وصارت مرشحة لما هو أدهى وأخطر.
ولاجتناب هذا الاحتمال، ربطت إدارة بايدن منذ البداية التسليح بضرورات الدفاع التي تقتضيها الحالة الميدانية، كما زعمت. وقد كررت تحفظها على مدّ أوكرانيا بمعدات عسكرية هجومية متقدمة رغم إلحاح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حرصا منها كما كانت تقول، على عدم التسبب بالانجرار إلى مواجهة روسية أميركية.
لكن هذا التحفظ تراجع. البيت الأبيض انقلب على موقفه في غضون 24 ساعة ليوافق على تزويد أوكرانيا بدبابات "أبرامز" الأميركية، بحجة أنه اضطر لذلك لحمل ألمانيا والأوروبيين في المقابل على تسليم أوكرانيا دبابة "ليوبارد" الألمانية.
أما الضغوط من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس فإنها تتزايد لفتح حنفية السلاح بما يلبي "حاجة أوكرانيا ومطالبها"، ولوبي الصقور دفع بقوة في المدة الأخيرة بهذا الاتجاه ولم تعد تُسمع اعتراضات المتشددين الجمهوريين في مجلس النواب الذي تعهدوا بوقف تمويل الحرب. صاروا قلة لا تبدو قادرة على ترجمة تهديدها.
والآن يتزايد الضغط لتسليم كييف طائرات "إف-16" المقاتلة، حيث يتوقع أن يوافق عليها بايدن في نهاية المطاف كما وافق على "أبرامز". وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تذرع في مقابلاته السبت من ميونخ، بأن هذه الطائرات "تتطلب تدريبات وقدرات صيانة غير متوفرة الآن لدى الأوكرانيين". نفس الذريعة ترددت بالنسبة لدبابات "أبرامز" والتي جرى التراجع عنها بسرعة. في السابق، أعلنت الإدارة أن مساعداتها العسكرية لن تشمل مثل هذه المقاتلات لأن في ذلك "ما يشبه الحرب على روسيا".
كما غاب في التسويغات الأخيرة ما كانت الإدارة تشدد عليه بأن هدف تسليح أوكرانيا ليس سوى "تمكينها من تحسين وضعها الميداني وبما يعزز وضعها التفاوضي" عندما يحين وقت الجلوس إلى طاولة المحادثات. هذا الوقت على ما يبدو بعيد، والحرب آخذة في التحول إلى "حرب أميركية بالوكالة"، والقلق أشد هذه المرة من أن تتحول إلى منازلة أميركية روسية.