يشكل طريق وادي عارة التاريخي في فلسطين، منذ ما قبل النكبة، محوراً رئيسياً للمواصلات، خصوصًا أنه كان موازياً لطريق الساحل الذي يبدأ من عكا ويمتد حتى يافا. وعلى مر السنوات كان طريقاً رئيسياً يربط شمال البلاد بجنوبها، إذ يبدأ من مفترق مجيدو في مرج بن عامر وينتهي جنوبي باقة الغربية، ليواصل المسافر طريقه عندها عبر شبكة طرق أخرى.
ومع تعزيز الهوية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، منذ يوم الأرض، تحول هذا الطريق إلى كابوس للمسافر الإسرائيلي، لأنه يبقى مكشوفاً عن جانبية لسفوح وادي عارة، وقد غذت المؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها النفور منه وعدم الرغبة باستخدامه إلا لمن كان مضطراً.
وشهد وادي عارة احتجاجات منذ أحداث يوم الأرض، ثم هبة القدس والأقصى عام 2000 وأخيراً في "هبة الكرامة" التي اندلعت في الداخل الفلسطيني، رداً على العدوان الإسرائيلي في مايو/أيار الأخير ضد قطاع غزة، ورافقتها هبة شعبية في الداخل الفلسطيني، ولا سيما في مدن الساحل الفلسطني وتحديداً عكا ويافا واللد والرملة.
ومع أن دولة الاحتلال شقت طرقاً بديلة كثيرة، وأطولها ما يسمى بـ"عابر إسرائيل"، الذي يربط بين جنوب إسرائيل في النقب والمخطط له أن ينتهي عند الحدود اللبنانية، فإنّ كل الطرق البديلة، وحتى زرع مستوطنات في وادي عارة، لم تعوض عن استخدام طريق وادي عارة التاريخي.
ومناسبة هذا التوصيف، هي التصريحات التي أطلقها، اليوم الجمعة، الجنرال الإسرائيلي إيتسيك ترجمان، رئيس قسم التكنولوجيا واللوجستيات في جيش الاحتلال، وأعلن فيها أنّ الجيش الإسرائيلي لن يستخدم طريق وادي عارة لنقل القوات والعتاد في حال اندلاع حرب، سواء على الجبهة الشمالية (تشمل في التعريف الإسرائيلي اليوم سورية ولبنان)، أو على الجبهة الجنوبية، بل قام بشق طرق بعضها ترابي للالتفاف على الطريق وتجنب السير فيه خوفاً من مواجهات بين القوات وقوافل نقل العتاد، وبين فلسطينيي الداخل في بلدات وادي عارة، وأهمها مدينة أم الفحم، مما سيضطر الجيش إلى الانشغال وبذل جهد واستثمار لضمان فتح الطريق أمام قوافل الجنود والسلاح والعتاد.
ووفقا للمقابلة التي نشرتها صحيفة "معاريف"، اليوم الجمعة، فقد أعلن ترجمان أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والهبة في الداخل الفلسطيني، أضاءا الكثير من "الأضواء الحمراء" في صفوف القيادة العليا للجيش، حيث يستعدون هناك أيضاً لما تسميه إسرائيل باضطرابات وأعمال شغب عنيفة في الداخل الفلسطيني وفي مدن الساحل التاريخية (يسميها الاحتلال المدن المختلطة/ حيفا ويافا وعكا واللد والرملة) ولأحداث عنف من شأنها أن تقع على نطاق واسع أكبر من تلك التي وقعت في العدوان الأخير.
وقال الجنرال ترجمان: "إنّ ما يقلقني هو محاور الطرق والشوارع الرئيسية وتأثير الاضطرابات العنيفة على الأمن الداخلي وحركة القوافل التي تنقل الجيش. هذا معطى أتوقع أن يكون وارداً جداً وقادراً على عرقلة القدرة على تجميع قوات الجيش ونقلها".
وأضاف ترجمان "هذا يتضمن قسماً من محاور الطرق التي خططنا في الماضي لاستخدامها، ولن نقوم الآن باستعمالها؛ فأنا أعتقد أنّ وادي عارة هو محور سير ليس من الصحيح الاعتماد عليه أو المواجهة فيه، هذا لا يستحق تخصيص الموارد، يجب الاستثمار أكثر بتنظيم القوات ونقلها، توجد لدينا محاور طرق بديلة، خططناها لساعة الحرب".
ورداً على سؤال حول أنّ تصريحاته هذه تنطوي على تنافر وتناقض بين الرغبة بنقل القوات بأسرع ما يمكن وبين ما تبثه التصريحات في الوعي الإسرائيلي بأنّ الجيش يخشى من المرور بالقوات والعتاد من قلب إسرائيل، قال ترجمان "نحن لسنا خائفين، لكن الاشتغال ومواجهة وادي عارة لا يستحقان العناء والجهد اللازم، وخلال الحرب سنبذل الجهد لكل ما يلزم وصحيح لجلب أكبر عدد من القوات وبأسرع ما يمكن لساحة الحرب. لدينا ما يكفي من البدائل الأخرى. وكجزء من العبر من الحملة الأخيرة (العدوان على غزة)، أقمنا خلايا حماية تهتم بتأمين القوافل والقوات، مكونة من جنود مسلحين تم إعدادهم لهذه المهمة وسيكونون مزودين بوسائل تفريق المظاهرات".
وأقرّ الجنرال ترجمان بأنّه وقعت خلال العدوان الأخير على غزة "عدة حالات تم فيها رشق شاحنات عسكرية بالحجارة، لكن في ساعة الحرب قد تكون هذه العمليات على نطاق أكبر وأوسع وهذا الأمر يقلقني. فعلينا في الحرب أن نكون جاهزين، والاضطرابات العنيفة على هذا الطريق ليست مسألة أزمة سير أو اختناق مروري يمكن توجيه حركته؛ بل هو حدث أكثر تركيباً وتعقيداً ولذلك ينبغي الاستعداد لسيناريوهات مختلفة".
وأوضح الجنرال ترجمان، في هذا السياق، أنه "تبعا لخطة رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، والتي تحمل اسم (محور المحاور) أو (محور الطرق)، فقد تم شق 1600 كلم من الطرق الترابية الواسعة لاستخدامها في ساعات الطوارئ في مختلف الجبهات القتالية، دون أن تكون هناك حاجة لاستخدام الطرق العادية". وبحسبه "توجد لدينا اليوم خطة لبناء طرق التفافية بأدوات هندسية، مثلا في حال وقع صاروخ في مفترق جولاني (في الجليل) فلدينا خطة لمن سيقوم بإخلاء الشارع وقوات أخرى لشق طريق بديل".
ونفى الجنرال ترجمان ما كانت نشرته الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام المختلفة عن أنّ سائقين عرباً من الداخل رفضوا خلال الهبة والعدوان الأخير على غزة الامتثال في أماكن عملهم، لا سيما سائقي الشاحنات والحافلات، ورفضوا المشاركة في نقل الجنود والعتاد الحربي إلى الحدود مع قطاع غزة، مضيفًا أن هناك تعاقدات مع شركات مدنية، وفي هذه التعاقدات لا ذكر لـ"ديانة السائق"، بل تستند إلى معيارين أساسيين: "ألا يكون هناك تاريخ أمني لدى السائق، وأن يخضع للتدريب المهني اللازم".