يصرّ الرئيس التونسي قيس سعيّد على قيادة البلاد في المسار الذي يريد، وفق خريطة الطريق التي أعلنها في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي. ووفق هذه الخريطة، جرى أول من أمس السبت إطلاق المنصة الإلكترونية للاستشارة الشعبية حول الإصلاحات، وذلك قبل صياغة مسودة التعديلات الدستورية والقانونية لعرضها على الاستفتاء الشعبي منتصف عام 2022، ما يجعل المرحلة المقبلة في تونس تبدو أكثر ضبابية وصعوبة.
وتجمع الكثير من الأحزاب التونسية على أن البلاد تسير نحو أزمات متعددة، سياسية واجتماعية واقتصادية، وأن خريطة طريق سعيّد غير قابلة للتنفيذ، وليست مساراً جديّاً للرجوع إلى الشرعية وعودة الديمقراطية.
لكن هذه الأحزاب لم تتفق بعد على رؤى وخطة موحدة لإنهاء الأزمة القائمة منذ قرارات سعيّد الانقلابية في 25 يوليو/ تموز الماضي، والتي استتبعها بمواصلة تعليق عمل البرلمان.
يتفق معارضو الرئيس على ضرورة حصول حركة نضالية واسعة
وتجمع هذه الأطراف في المقابل على ضرورة حصول حركة نضالية واسعة من الشعب والطبقة السياسية، مع إشارتها إلى وجود حالة استفاقة متنامية وتوحد بين القوى حول هدف إسقاط الانقلاب. كما أن بعضها يراهن على فشل سعيّد في معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وهو فشل سينزع عنه المشروعية.
في مقابل ذلك، تسير قوى أخرى بدعم خطط سعيّد، متحدثة عن إمكان نجاح خريطة طريق الرئيس، تحت مبرر إدخال إصلاحات على النظام السياسي في البلاد.
شرعية واهية لمشروع قيس سعيّد
ورأى القيادي في حزب "التيار الديمقراطي"، النائب في الكتلة الديمقراطية، نبيل حجي، أن ما أعلنه سعيّد من مواعيد في 2022 "ليس خريطة طريق، بل مشروعه الشخصي ومحاولة منه لإضفاء شرعية كاذبة وواهية ومزيفة على مشروع معد مسبقاً، طالما كان يستشهد به بخطاباته في عامي 2012 و2013".
وأضاف حجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يقدمه سعيّد هو حلم شخصي عبثي يريد أن يضفي عليه كساء ديمقراطياً وشعبياً"، مشيراً إلى أنه لا يعتبر سعيّد رئيساً للجمهورية "فهو لا يستحقها، لأن الرئيس يفترض أن يكون ضامناً لوحدة الدولة وهو أبعد من هذا".
ورأى حجي أن "ما أعلنه سعيّد لا يستقيم قانونياً ودستورياً، وهو مواصلة في الانحراف بالدستور، فنحن في حالة استثنائية فعّلها بالفصل 80، وبالتالي لا يمكن تعديل الدستور والنظام تحت غطاء التدابير الاستثنائية من قبل شخص واحد".
وتوقع حجي "ألا بذهب سعيّد إلى منتهى ما أعلنه، وسيتبين للشعب التونسي، قبل المنظمات والأحزاب، أن مشروعه كاذب لا يمكن أن يحقق لهم لا رخاء ولا تقدماً ولا بناء اقتصادياً ولا نهوضاً بالفقراء، بل هو مجرد مشروع خيالي وهمي".
وأشار القيادي في حزب "التيار الديمقراطي" إلى "غياب الرؤية سياسياً واقتصادياً ومالياً للانعكاسات الاجتماعية للأزمة، فعلاوة على الأزمة الصحية والوفيات في 2021، شهدت البلاد زلزالاً سياسياً نعتبره انقلاباً على الدستور".
وبيّن حجي أن "قانون المالية 2022 وتعهدات الحكومة لصندوق النقد الدولي، لا تبشر باستقرار اجتماعي بسبب ذهابنا في خيارات مؤلمة في غياب التشاور وأي رؤية لما بعد 2022 ما يجعل من الصعب قبول هذه الخيارات من الشعب ومن المنظمات والأحزاب".
وتوقع حجي أن "تأتي الأوضاع الاقتصادية على سعيّد وتنزع عنه كل مشروعية يتبجح بها، وهو إما سيتراجع أو سيلفظه الشعب"، على حدّ تعبيره. وتمنى أن "يعود سعيّد إلى رشده ويدخل في تشاركية حقيقية مع الأطراف الحزبية والاجتماعية والمؤسساتية ويتم الاتفاق للخروج من الأزمة بمشاركة الجميع وبتحمل الجميع للتضحيات".
من جهته، اعتبر القيادي في حركة "النهضة"، وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن العام الجديد "سيكون بشكل أو بآخر امتداداً للحراك السياسي الذي شهدناه أواخر العام الماضي، مع اشتداد خط المقاومة للانقلاب، سواء في أوساط النخبة عبر تشكيل جبهة سياسية عريضة، أو على المستوى الشعبي بتوسع حركة الشارع، متوقعاً أن يكون عام 2022 "عام نهاية الانقلاب وإغلاق حقبة قيس سعيّد السوداء".
وعن المواعيد التي أعلنها سعيّد للاستحقاقات، اعتبر عبد السلام أنها "جميعها مناورات لا معنى لها"، مضيفاً أن "الكل طالب سعيّد بوضع سقف زمني للعودة إلى الشرعية والدستور، فإذا به يضع خريطة طريق مسقطة هدفها تأبيد الخروج على الدستور".
وشدّد القيادي في "النهضة" على أن "خريطة قيس سعيّد لم يعترف بها أحد غير المجموعات المناصرة له، فإجراء الانتخابات آخر عام 2022 لا يعني شيئاً، وإذا حصلت فلن تكون سوى مبايعة لسعيّد الذي اختطف كل السلطات ووضعها بين يديه".
ولفت عبد السلام إلى أن "آلية الاستفتاء الإلكتروني التي اقترحها سعيّد لتمرير مشروعه أصبحت موضع تندر من الجميع، ولن تجد استجابة من الرأي العام، وكل ما يفعله قيس سعيّد الآن هو تقصير عمر انقلابه وتبديد أوقات وجهود التونسيين في غير محله".
وأسف عبد السلام لأن الرئيس التونسي "لا يؤمن بتوافقات ولا حوار، بل كل ما يريده هو إشباع شهوته من السلطة لا غير، ولذلك فإن عودة الديمقراطية لن تكون إلا بحركة نضالية واسعة من الطبقة السياسية وقوى الشعب". ورأى "أن هناك فعلاً حالة استفاقة متنامية بين القوى السياسية وتوحد على هدف إسقاط الانقلاب".
وحذّر القيادي في "النهضة" من أنه "لا توجد خيارات كثيرة اليوم، فإما أن يتخلّى سعيّد عن مشروعه الخيالي ويعود إلى إطار الشرعية والدستور، أو أن يرحل غير مأسوف عليه".
خريطة طريق سعيّد غير واضحة حتى بالنسبة للمؤيدين
ورأى عبد السلام أن "الإيجابي هو أن العشرية الأخيرة بعد الثورة خلقت حالة من الوعي لدى قطاعات واسعة من التونسيين بشكل يجعلهم غير قابلين بتسليم قيادتهم لرجل واحد متفرد بالسلطة، مثلما صنعت جرأة على الاستبداد وتحدٍ لحاجز الخوف".
وبرأيه، فإن سعيّد "حاول مقايضة الحرية بالتنمية، بمعنى التخلي عن مكتسب الحرية والديمقراطية من أجل حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ولكن كل ما فعله هو القضاء على الحرية والتنمية ودفع البلاد نحو متاهات الإفلاس لا غير".
توقعات بتوسع المعارضة
ولا يخرج حزب "حراك تونس الإرادة" (الذي أسسه الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي) عن التوقعات بسنة صعبة على تونس. وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم الحزب عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تونس تسير نحو مسار غامض، وستكون السنة صعبة من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية".
وشدّد هو الآخر على أن "الطريق التي وضعها قيس سعيّد، أو ما يسمى بخريطة الطريق، غير قابلة للتنفيذ، وهي ليست مساراً جدياً للرجوع إلى الشرعية ولعودة الديمقراطية."
وتابع: "ننتظر أن تتوسع معارضة الانقلاب، وستكون مقاومة قوية للانقلاب، وأن يكون الضغط شديداً لتعود الأمور إلى نصابها"، متوقعاً أن "تتضح نوايا السلطات القائمة، وسيظهر أن ما فعلته سيعقّد الأزمة التي تمر بها البلاد أكثر".
وفي السياق، رجح النائب عن حزب "ائتلاف الكرامة"، منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يكون عام 2022 "سنة نضال بامتياز ضد الانقلاب والديكتاتورية، وسنة سجال بين القوى الديمقراطية بمختلف مرجعياتها وكل المؤمنين بالديمقراطية والثورة ضد قوى الرجعية والدكتاتورية والمؤمنين بالانقلاب ومن يرغبون بفرض رأيهم بالقوة وبالعسكر".
وأضاف: "ستكون سنة صراع حقيقي ضد قوى تريد إعادة تونس إلى مربع الاستبداد، ضد من يعتقدون بأن تونس لا تستحق الحرية والديمقراطية، ويريدون مقايضتها بالخبز، في وقت أثبتت التجارب أن من يقايض يخسر المساومة ويخسر الديمقراطية والخبز".
وتابع بن عطية: "ستكون سنة نضال ضد التحايل على الشعب الذي وقع في 25 يوليو بأكاذيب وشعارات رنّانة".
وينضم النائب عن حزب "قلب تونس"، رفيق عمارة، إلى الرأي نفسه، قائلاً في تعليق لـ"العربي الجديد" إن "سلطات الانقلاب ماضية في تكريس سياساتها اللادستورية من خلال البحث عن شرعنتها باستفتاء إلكتروني غامض في ضرب لقواعد الديمقراطية التشاركية ووسائل التعبير للديمقراطية الدستورية".
وتوقع عمارة أن "تزداد معارضة الانقلاب قوة وصلابة في مقاومة محاولات الالتفاف على الديمقراطية"، مشيراً إلى أن "العام الجديد سيظهر فشل خيارات سعيّد العبثية وقد تنتهي بنهاية الانقلاب وعودة الديمقراطية". ورأى أنه "لا توجد خيارات كثيرة إلا مواصلة النضال".
أما القيادي في حراك "توانسة من أجل الديمقراطية"، الوزير الأسبق سمير ديلو، فقال لـ"العربي الجديد": "لا أنتظر سوى التردي الاقتصادي والتدهور الاجتماعي ومزيداً من الانقسام السّياسي، بوجود رئيس يحتمي بالمؤسّسات الصلبة ويعاني عزلة متصاعدة ومعارضة ليس لها من خيار إلا توحيد جهودها لإسقاط انقلاب لا مستقبل له".
وحول المواعيد التي أعلنها سعيّد، قال ديلو إن "هذه المواعيد غير قابلة للتنفيذ، وإن أصرّ سعيّد على المرور بقوّة فسيكون المشهد أقرب للعبثية، ولم تتم استشارة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات قبل إقرار هذه المواعيد، على الرغم من أن تحديد المواعيد الانتخابية هو من صميم اختصاصاتها وفق القانون الانتخابي الحالي، ما ولّد تقاطعاً مع مواعيد انتخابيّة محددة سابقاً (الانتخابات البلدية)، ولكن الإشكال الأكبر ليس تقنياً ولا فنياً بل دستوري سياسي".
ورأى ديلو أن "الرفض يتوسع لانقلاب سعيّد على الدستور، ورزنامته الانتخابية لن تنتج في أقصى الحالات إلا سلطة أمر واقع ودستوراً وقوانين لا قيمة لها".
وأضاف ديلو: "لا أتوقّع انفراجة سريعة ولا عودة وشيكة للديمقراطية بل نضالاً مستميتاً سيؤتي أُكله بتقاطع اللحظتين السياسيّة والاجتماعية، وما لذلك من تأثير في مواقف القوى الخارجية والمؤسسات الداخلية"، بحسب تعبيره.
ولا يرى القيادي في مبادرة "اللقاء الوطني للإنقاذ"، رئيس كتلة حزب "تحيا تونس" البرلمانية، مصطفى بن أحمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، مؤشرات على نهاية الأزمة السياسية خلال العام الحالي، "إذا لم يقع أمر خارق للعادة لقلب الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها، وما دون ذلك فالأزمة تتجه نحو مزيد من التعمق".
ولفت بن أحمد إلى أن "الوضع ضبابي وينبئ بمزيد من التعقيدات"، مضيفاً أن "الأزمة ليست سياسية فقط، فالمسألة مالية واقتصادية، وهي التي ستحسم الأمر".
ورأى بن أحمد أن "المواعيد الافتراضية التي أعلنها الرئيس سعيّد ستكون رهن الوضع الاقتصادي، وهي مواعيد هشّة لا تنبئ بوضوح وثبات، وإذا ما اكتفينا بمشروع الرئيس فهو مشروع طوباوي وغير قابل للتنفيذ". وتابع أنه "حتى بالنسبة للمساندين لسعيّد، فالعملية غير واضحة لا من حيث الاستفتاء ولا الاستشارة الإلكترونية"، مشيراً إلى أن "المعارضة أيضاً في حالة تململ، ولم تتشكل بعد حتى تكون بديلاً للوضع الحالي".
دعم محدود لمسار سعيّد
لكن على الرغم من هذه المواقف المعارضة لتوجهات سعيّد وانقلابه، تبرز آراء أخرى ترى إمكانية نجاح المحطات التي حدّدها الرئيس التونسي.
وقال القيادي في حركة "الشعب"، النائب عبد الرزاق عويدات، لـ"العربي الجديد": "ننتظر أن ننجح في المحطات السياسية المتفق على إنجازها في المرحلة المقبلة، وهذا النجاح مشروط".
وأوضح عويدات أنه "لا يمكن النجاح في إنجاز الإصلاحات الكبرى في الدستور وفي النظام السياسي والقانون الانتخابي، إلا بتشاركية حقيقية بين كل القوى السياسية المساندة لمسار 25 يوليو، على أن يفرز هذا الحوار والنقاش جملة من المخرجات تكوّن مسودة الدستور الجديد والنظام السياسي والقانون الانتخابي الجديد، ويعرض على استفتاء شعبي عام يشارك فيه كل التونسيين".
وشرح عويدات أن "من يوافق على مخرجات هذا الحوار يصوّت بنعم، والرافض بلا، وإذا ساد الرفض نعود إلى دستور 2014، وإذا سادت الموافقة بنعم نعتمد الدستور الجديد ونقوم بانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها".
واعتبر عويدات، أن "الحوار السياسي في تونس ضروري بين القوى المدنية والسياسية المساندة لمسار 25 يوليو/تموز فقط، حتى نتفق على الإصلاحات السياسية. أما بالنسبة للقوى الرافضة لهذا المسار، فلتجنّد نفسها للإجابة بالرفض والتصويت بلا، فيكون الاستفتاء هو الفيصل بين مختلف الفرقاء السياسيين، فهذه هي الديمقراطية"، على حدّ قوله.