يثير التعديل الأخير للإعلان الدستوري الذي أقره مجلس النواب الليبي تساؤلات عديدة، ويفرض الصمت الذي قابل إقراره أسئلة أكثر عمّا بات يجري في دهاليز المجلس، ومدى تأثيره في مستقبل البلاد سياسياً.
وأقرّ المجلس، خلال جلسته الثلاثاء الماضي، التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري بإجماع النواب (دون الإشارة إلى نصاب التصويت)، في جلسة مغلقة حضرها 113 نائباً، وترأسها رئيس المجلس عقيلة صالح، الذي أشار خلال كلمته في الجلسة، إلى أن التعديل سيشكل أساساً للقاعدة الدستورية الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وعلى غير عادته، خلص المجلس إلى تداول ومناقشة وإقرار التعديل في جلسة واحدة فقط، ولم ينشر مواد التعديل رسمياً، مكتفياً بتوزيع نسخة منه على الأعضاء في أثناء الجلسة، وجرى لاحقاً تسريبها إعلامياً.
ويتكون التعديل من 32 مادة، دون الإشارة إلى أصل هذا التعديل، أي ما إذا كان مقترحاً من اللجنة الدستورية بالمجلس، أو أنه هو نفسه الوثيقة الدستورية التي أعلن صالح التوافق عليها مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري من القاهرة في 5 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويتطابق ما كشف عنه التعديل الثالث عشر، مع ما سبق أن سربته مصادر لـ"العربي الجديد" في العاشر من يناير/ كانون الثاني الماضي من صيغة للوثيقة الدستورية التي توافق عليها صالح والمشري في القاهرة، فيما أشارت مقدمة ديباجة التعديل إلى أنه جاء "بناءً على اتفاق مجلسي النواب والدولة"، دون أن يفصح عن الاتفاق المقصود.
واقتصر التعديل على المواد المتعلقة بـ"نظام الحكم"، حيث يقرّر أن تسمّى السلطة التشريعية بـ"مجلس الأمة"، وهو "الاسم الذي كان متداولاً قبل إلغاء النظام الاتحادي الليبي سنة 1963".
ويتكون مجلس الأمة من غرفتين: مجلس للنواب في بنغازي توزع فيه المقاعد بناءً على الكثافة السكانية، وآخر للشيوخ في طرابلس من 60 عضواً موزعين بالتساوي بين أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة وفزان، الأمر الذي يثير استفهامات عن احتمال نية العودة للنظام الفدرالي الذي بات كثيرون يطالبون بالعودة إليه، وخاصة في شرق البلاد.
وعدا عن ذلك، لم يحسم التعديل أمر المواد الخلافية في القاعدة الدستورية الخاصة بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، وأحال البت فيها للجنة تشكل لاحقاً من 12 عضواً، بالمناصفة بين مجلسي النواب والدولة، في الوقت الذي اشترط على أعضاء مجلس الأمة ورئيس الوزراء والوزراء عدم حمل جنسية أخرى.
وبسبب غياب دستور دائم للبلاد، يحتكم الليبيون لإعلان دستوري مؤقت، أقرّه المجلس الوطني الانتقالي السابق في أغسطس/ آب 2011 عقب الثورة الليبية، وأجريت عليه لاحقاً تعديلات عدة، سواء من المؤتمر الوطني العام سابقاً، أو من مجلس النواب الحالي.
وعلى الرغم من مرور أربعة أيام على إعلان التعديل، إلا أن المجلس الأعلى للدولة لم يعلن أي موقف حياله، لكن عضو المجلس وعضو لجنة المسار الدستوري سعد بن شرادة، يرى أن فكرة تعديل الإعلان الدستوري "لم تأتِ اعتباطاً"، بل جاءت نتيجة لقاءات لجنة المسار الدستوري المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، "وأيضاً ما نتج من اجتماعات القاهرة الأخيرة"، في إشارة إلى لقاءات صالح والمشري.
وأفاد بن شرادة في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه اتُّفق على إقرار نتائج الاتصالات بين المجلسين في تعديل دستوري لـ"تكون هناك وثيقة دستورية"، مشيراً إلى أن المجلسين اتفقا على ترحيل المواد الخلافية إلى لجنة خاصة، في إشارة إلى اللجنة المكونة من 12 عضواً من المجلسين.
وشدّد بن شرادة على ضرورة التمييز بين التعديل الدستوري والقاعدة الدستورية التي ناقشها المجلسان، مشيراً إلى أن القاعدة الدستورية المكونة من نحو 198 مادة "من غير المجدي تضمينها في التعديل الدستوري، فالتعديل تضمن النقاط الرئيسية والخطوط العريضة التي اتفق عليها المجلسان، مثل أن تتكون السلطة التشريعية من غرفتين بمقرين محددين في طرابلس وبنغازي، وكذلك اختصاصات المجلسين والسلطة التنفيذية، وغيرها من النقاط الواردة في التعديل".
ترحيل للأزمة
من جهته، يرى المحلل السياسي فرج فركاش الهدف من هذا التعديل "انتقال المجلسين من مرحلة العرقلة والمماطلة إلى دسترة هذه العرقلة والمماطلة"، معتبراً ذلك "هروباً إلى الأمام، ومحاولة للالتفاف على الضغوطات الداخلية، وخاصة الدولية التي يتعرض لها صالح ونوابه، ومحاولة لامتصاص هذه الضغوطات الواضحة في تصريحات صالح والمشري، وكذلك استباق إحاطة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي المرتقبة أمام مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري".
وباعتقاد فركاش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه ليس هناك تعديل دستوري "بقدر ما يُعتبر ترحيلاً للأزمة إلى الفترة المقبلة"، معززاً رأيه بإحالة مواد التعديل المتعلقة بالقوانين الانتخابية على لجنة مشتركة من المجلسين، معبّراً عن استغرابه من أن القوانين الانتخابية "هي ذاتها التي فشل المجلسان في الاتفاق عليها، سواء قبل تاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أو طوال الفترة السابقة، رغم الجولات والاجتماعات الماراثونية في الرباط والقاهرة لرئيسي المجلسين".
ولفت فركاش إلى وجود مواد في التعديل تشير إلى إلغاء الانتخابات البرلمانية في حال عدم النجاح في إجراء الرئاسية، معتبراً أن "صالح ونوابه يحاولون دسترة نسف الانتخابات برمتها".
وخلال قراءته لشكل التعديل، يرى فركاش أن صالح "يسعى لإحداث تغيير في السلطة التنفيذية بشقيها الحكومي والرئاسي"، ويتوقع أن يُقابَل ذلك بـ"معارضة من أعضاء من مجلس الدولة، وأيضاً من بعض الدول المتنفذة في الملف الليبي التي استثمرت في رئيس حكومة طرابلس، ومن بينها أميركا وإيطاليا وتركيا، بالإضافة إلى بريطانيا، وربما ألمانيا أيضاً".
وفي ظل غياب رد فعل رسمي على التعديل من مجلس الدولة، أو أي ترحيب من الدول المتدخلة في الملف الليبي أو من البعثة الأممية، يعتقد فركاش أن مصير هذا التعديل "أحد أدراج رئيس مجلس النواب"، معلقاً بالقول: "سيتراكم عليه الغبار كما حصل في القرارات العبثية السابقة التي اتخذها مجلس النواب، وسيجد باتيلي صعوبة في تسويق تعديل أقرّه عقيلة ونوابه كخطوة متقدمة اتجاه الانتخابات"، مضيفاً: "ما يفعله عقيلة، وبتواطؤ من بعض أعضاء مجلس الدولة، محاولة استنساخ التجارب الفاشلة السابقة".
وعن رؤيته لتجاوز عراقيل إجراء الانتخابات، يرى فركاش ضرورة "توسيع حكومة الوحدة الوطنية الحالية، ومحاولة استيعاب المعارضين، وربما دمج بعض الوزارات الخدمية في حكومة فتحي باشاغا، وإنهاء الانقسام التنفيذي، من أجل إفساح المجال أمام إجراء انتخابات في القريب العاجل بقوانين وقاعدة دستورية من لجنة قد يشكلها المجلس الرئاسي"، هذا مع التركيز على "أخذ خطوات جدّية للبناء على أي خطوات جرت في السابق في اتجاه توحيد المؤسسة العسكرية، وكذلك ملف المصالحة الوطنية، وتحديد أطر زمنية واضحة للانتخابات".
وغير بعيد عن هذا التوجه، أبدت الباحثة الأكاديمية والعضو السابق بحزب "الجبهة الشعبية" فيروز النعاس، رفضها لأي مبادرة من المجلسين.
واعتبرت، في حديثها لـ"العربي الجديد"، المجلسين "منتهيَي الولاية والصلاحية"، وأن الانتخابات المقبلة يجب أن تحصل "بمعزل عنهما"، وذلك وفق خطة كشفت النعاس عن أن التباحث حولها "يجري بين الأحزاب السياسية، وستُعرَض على المجلس الرئاسي والبعثة الأممية، أملاً في اختيار لجنة جديدة على غرار ملتقى الحوار السياسي، تعكف على إعداد قواعد وقوانين تنظم على أساسها الانتخابات".