انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة، صباح اليوم السبت، أعمال المنتدى السنوي لفلسطين في دورته الثانية، الذي يُنظّمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، والذي يُعقد في "فندق الشيراتون" بالدوحة بين العاشر والثاني عشر من فبراير/ شباط الحالي.
ويأتي المنتدى هذا العام في مرحلة حرجة من تاريخ القضية الفلسطينية، وتُكرَّس ندواته العامّة لتناول الأبعاد المختلفة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، والتحديات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني.
وستُقدَّم في الدورة الثانية قرابة سبعين ورقة علمية محكَّمة، اختيرت من ضمن 520 طلباً للمشاركة، قُبل منها 200 مقترح، تُعرض في ستّ جلسات متخصّصة تُوزّع في مسارات متوازية، إضافةً إلى عدد من الندوات العامّة.
وانطلقت الجلسة الأولى بعد محاضرة افتتاحية ألقاها المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" المفكر العربي عزمي بشارة، سبقتها كلمة افتتاحية لرئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، طارق متري.
وقال بشارة في المحاضرة إن تعقيد قضية فلسطين يعود لتداخلها مع قضايا المسألة اليهودية في الغرب، والمسألة العربية في الشرق، مشيراً إلى أن استمرارها هذه المدة الطويلة دون حلّ أدّى إلى تداخلها مع قضايا إقليمية ودولية يصعب حصرها، وقد طرح العدوان على غزة تحديات جديدة على مستويات القضية الفلسطينية كلّها، وأيضاً على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية والأبعاد الثقافية والسياسية والقانونية التي تتداخل معها.
واعتبر بشارة أن الحرب كشفت على نحو أوضح من أي وقت مضى الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية، ليس فقط للعلاقة بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني، بل لطابع دولة إسرائيل ذاتها، مشيراً إلى أن المجتمع الإسرائيلي تصرّف مثل قبيلة موحّدة، كما في كلّ الأزمات الكبرى، بحيث تشدّه عصبية تنبذ أي رأي مخالف، وطغت غريزة الانتقام على تفكيره.
وأشار إلى أن عمليات التدمير والإبادة في قطاع غزة عبارة عن تمادي هذا النهج إلى درجة التوحش.
بدوره، اعتبر رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، طارق متري، في كلمته الافتتاحية في المنتدى، أن الضغوط المعنوية والسياسية لا تزال قاصرة في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفرض وقف لإطلاق النار، مشيراً إلى أن التدمير يهدف إلى جعل قطاع غزة غير قابل للعيش، معتبراً في الوقت نفسه أنه بات جلياً أن تهجير أهل غزة غير مستطاع، رغم كلّ ما حلّ بهم، وذلك بسبب إصرارهم على البقاء في أرضهم.
وقال: "نشهد بالتزامن مع العنف الواسع ومنقطع النظير في غزة، تعرّض فلسطينيي الضفة الغربية لاعتداءات متصاعدة من قبل المستوطنين الذين يحظون بدعم الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية".
وأضاف: "نسمع كلاماً كثيراً عما بعد غزة من القول الملتبس حول حل الدولتين، والذي يتردد هنا وهناك، ويبدو الاهتمام بلون من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل أولى عند الولايات المتحدة من وقف الحرب، ومن العمل الجاد من أجل حل الدولتين المذكور".
وهذا، وفق ما قاله، يدفع إلى الخشية من أن يأتي الوعد الجديد بدولة فلسطينية، أو تأتي استعادة وعود قديمة لم يتحقق منها شيء، وهماً لا يعيش طويلاً، أو ذريعة للتطبيع المذكور.
وخلص إلى أننا "لسنا اليوم أمام تصديق الوعود أو الوفاء بها من قبل الولايات المتحدة، بل نحن أمام اختبار المواقف العربية والدولية، ولعل المدخل إلى ذلك هو الضغط الفعلي على إسرائيل، الذي لم يمارس بعد، لإرغامها على وقف النار".
وتتوزّع الجلسة الأولى بين أربعة مسارات، يحمل أوّلُها عنوان "فلسطين وحركات التضامن العربية"، والثاني عنوان "فلسطين في السياق الدولي"، في وقت يُخصَّص المسار الثالث لمحور "حقّ العودة الفلسطيني"، أمّا الرابع فيحمل عنوان "استعادة الأرشيف المسروق".
والمؤتمر الذي يشكل فضاءً أكاديمياً انطلق أواخر عام 2022 في دورته الأولى يتيح لباحثين فلسطينيين، وغير فلسطينيين من أنحاء العالم كافة، تقديم أوراق بحثية تتعلق بفلسطين وتاريخها، والقضية الفلسطينية، والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل الاحتلال، ونظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني، والصهيونية، وحركات التحرر الوطني، وفلسطين في العلاقات العربية، وفلسطين في العلاقات الدولية، وقضايا الرأي العام وغيرها من القضايا ذات الصلة.
وتتناول أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية راهناً ومستقبلاً، بالإضافة إلى أنظمة الرقابة الاستعمارية والسيطرة على السكان، وجثامين الشهداء المحتجزة، وقضايا التعليم العالي في فلسطين، وآثار الحصار في غزة، وقضايا اللاجئين والهجرة، وحركات التضامن مع فلسطين، والسجون والحركة الأسيرة، وحق العودة، وتحليل السياسات والاستراتيجيات (المحلية والإقليمية والدولية)، وأنماط المقاومة الفلسطينية، وغيرها.