استمع إلى الملخص
- تحديات وفرص حزب الحلم الجورجي: فوز الحزب في الانتخابات يعزز سياساته المؤيدة لتطبيع العلاقات مع روسيا، رغم تفضيل الجورجيين للارتباط بأوروبا، مع التركيز على السيادة والقيم التقليدية.
- التحديات الأوروبية: يواجه حزب الحلم الجورجي ضغوطًا من الاتحاد الأوروبي بشأن مزاعم التزوير الانتخابي، مما قد يؤدي إلى تعليق المساعدات، بينما يظل الحزب متمسكًا بمواقفه تجاه روسيا.
لم تمر أيام على فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية، مع بقاء نحو شهرين حتى تنصيبه، حتى بدأت القوى السياسية المحافظة والمناهضة للعولمة بجني مكاسبها، ولعل في مقدمتها حزب الحلم الجورجي الداعم لتطبيع العلاقات مع روسيا، والذي فاز بالانتخابات التشريعية نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على واقع انقسام مجتمع البلاد إلى شقين، يدين أحدهما بالولاء لروسيا والآخر للغرب. ومع ذلك، سارعت مختلف القوى السياسية الجورجية، التي تعيش انقساماً بين الرئيسة الجورجية الموالية للغرب سالومي زورابيشفيلي وحزب الحلم الجورجي الحاكم المحافظ، لتهنئة ترامب إدراكاً منها للدور المحوري الذي سيؤديه سيد البيت الأبيض في رسم السياسات الغربية عموماً والأميركية خصوصاً في جنوب القوقاز وغيره من مناطق الجوار الروسي.
وهنأت زورابيشفيلي ترامب بعد تقدمه في الولايات المتأرجحة حتى قبل إكمال عملية فرز الأصوات، مشيدة بالصداقة والشراكة الاستراتيجية الممتدتين منذ أكثر من ثلاثة عقود، والتي رأتهما ضروريتين أكثر من أي وقت مضى لـ"دعم التكامل الأوروأطلنطي لجورجيا، وتعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين، وصون حريتنا واستقلالنا". في المقابل، أعرب رئيس الوزراء المنتمي إلى حزب الحلم الجورجي إراكلي كوباخيدزه عن أمله أن يساهم حكم ترامب في تحقيق السلام العالمي والإقليمي وإعادة إطلاق العلاقات الأميركية الجورجية. وتوقع رئيس البرلمان الجورجي شالفا بابواشفيلي، هو الآخر، أن تعيد نتائج الانتخابات الأميركية "العقل السليم إلى السياسة العالمية وتضع حداً لتغلب الرؤى على الوقائع". واستبقت السفيرة الأميركية لدى جورجيا روبين دانيغان، هي الأخرى، تولي ترامب زمام الرئاسة بالتأكيد أن "العلاقات بين الولايات المتحدة وجورجيا ستجتاز أي تغييرات سياسية" رغم تلويحها مؤخراً بمزيد من العقوبات بحق تبليسي وتشكيكها في نتائج الانتخابات التشريعية.
توقعات بتخفيف الضغوط على حزب الحلم الجورجي
ألكسندر كريلوف: جورجيا قد تصبح حليفاً جديداً لترامب في سياساته الانعزالية في أوروبا الشرقية
تعليقاً على هذه التطورات، توقع ألكسندر كريلوف، كبير الباحثين في قطاع القوقاز في مركز الدراسات ما بعد السوفييتية التابع لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بأكاديمية العلوم الروسية، أن تخفف واشنطن ضغوطها على حزب الحلم الجورجي الحاكم في جورجيا، التي قد تصبح حليفاً جديداً له في سياساته الانعزالية في أوروبا الشرقية إلى جانب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بتوجهاته المحافظة والداعية إلى الحوار مع موسكو.
وقال كريلوف لـ"العربي الجديد": "من المرجح أن تخفف الولايات المتحدة ضغوطها على جورجيا. على عكس الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يسعى لإقامة عالم جديد بلا دول قومية وقيم تقليدية، فإن ترامب يشكل التوجه نحو الانعزالية، ولذلك يمكن الجزم بأن الأزمة في العلاقات بين تبليسي وواشنطن توشك على الانتهاء. يولي ترامب أهمية أكبر للشرق الأوسط والصين مقارنة مع جنوب القوقاز". واعتبر أن حزب الحلم الجورجي كان على صواب عند اختياره الدفاع عن القيم التقليدية الجورجية على الرغم من العواصف، حتى يحصل بعد انتهائها على حليفين مهمين متمثلين بترامب وأوربان، مضيفاً: "سيكون بإمكان ترامب بناء سياساته في أوروبا وفضاء الاتحاد السوفييتي السابق مع الاعتماد على المجر وجورجيا. في المقابل، منيت بالهزيمة المعارضةُ الجورجية التي اختارت مغازلة أنصار العولمة، متجاهلة أمزجة قطاع كبير من المواطنين".
نتائج الانتخابات ألحقت هزيمة بالغرب
من جهته، توقع الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب كامران غسانوف أن يترجم فوز حزب الحلم الجورجي باستمرارية لسياسات مؤسسه بيدزينا إيفانيشفيلي، الداعم لتطبيع العلاقات مع روسيا، معتبراً أن نتائج الانتخابات ألحقت هزيمة بالغرب باستثناء القوى المحافظة المتمثلة بترامب العائد إلى البيت الأبيض وأوربان ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو. وقال غسانوف لـ"العربي الجديد": "بالنسبة إلى جورجيا، تعني نتائج الانتخابات امتداداً لسياسات فريق إيفانيشفيلي التي لقيت قبولاً لدى أغلبية سكان البلاد على مدى 12 عاماً. صحيح أن الجورجيين يرون مستقبل بلادهم مع أوروبا، ولكن من دون التخلي عن سياسة خارجية براغماتية تتسم بإعلاء السيادة والقيم المحافظة، ولعل الأهم عدم تكرار سياسات الرئيس الأسبق ميخائيل ساكاشفيلي التي أدت لانجرارهم إلى النزاع مع روسيا في العام 2008".
الحفاظ على العلاقة مع روسيا
حول رؤيته لموقف الجورجيين من العلاقات مع روسيا، قال: "صحيح أن الجورجيين لا يحبذون الكرملين كثيراً بسبب دعمه إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ولكنهم يتمنون الحفاظ على العلاقات مع روسيا باعتبارها الوجهة للصادرات ورحلات الطيران، بعد أن زاحمت التطلعات للسلام والاستقرار أجندة الديمقراطية ورهاب روسيا". وجزم بأن فوز حزب الحلم الجورجي شكل هزيمة للغرب قائلاً: "باستثناء القادة المحافظين أمثال فيتسو وأوربان وترامب، يمكن الإقرار بأن نتائج الانتخابات تعني هزيمة الغرب، بعد أن بذل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قصارى جهودهما من أجل ضمان هزيمة حزب الحلم الجورجي ووصل الأمر إلى تعليق عملية التكامل الأوروبي، وحتى فرض عقوبات على خلفية انتهاج الحزب الحاكم سياسة تطبيع العلاقات مع روسيا وإظهاره استقلالاً عن الغرب".
كامران غسانوف: نتائج الانتخابات في جورجيا ألحقت هزيمة بالغرب
وقلل من أهمية مزاعم التزوير خلال الانتخابات الجورجية، مضيفاً: "حتى إذا كانت هناك حوادث تزوير وحشو صناديق الاقتراع باستمارات التصويت، فإنها لم تكن على نطاق من شأنه تغيير النتيجة. إلا أن المعارضة تسعى لاستثمار مزاعم التزوير لإثارة أمزجة سلبية في المجتمع وحشد أنصارها للتظاهر بغية إسقاط الحكومة، إدراكاً من رموزها أنهم سيواجهون مصيراً مجهولاً في حال صمود حزب الحلم الجورجي قد يتراوح بين إقالتهم من مناصبهم وسجنهم".
وعلى الرغم من تحسن آفاق حزب الحلم الجورجي بعد فوز ترامب، إلا أنه لا يزال يواجه مشكلات مع الاتحاد الأوروبي، وسط مطالبة عدد من الدول الأوروبية بإجراء تحقيق دولي في مزاعم التزوير، ملوحة بإلغاء نظام إعفاء المواطنين الجورجيين من تأشيرات الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وتعليق المساعدات المالية لتبليسي، وفرض عقوبات على وجوه النخبة الحاكمة، بمن فيهم إيفانيشفيلي. وكان الأخير قد وعد خلال الحملة الانتخابية بأن تبليسي ستعتذر في حال فوز الحزب بالانتخابات البرلمانية عن "حرب الأيام الخمسة" مع روسيا في إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي المدعوم من موسكو في أغسطس/آب 2008، ما زاد من اليقين بأن "الحلم الجورجي" الحاكم يراهن على شق السكان المحافظ لا الموالي للغرب. من جانب آخر، سارع كوباخيدزه فور تقدم حزبه في الانتخابات للتأكيد أن جورجيا لا تعتزم استعادة العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، مرجعاً ذلك إلى "احتلال روسيا الاتحادية 10% من الأراضي"، في إشارة إلى إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين اللذين اعترفت موسكو باستقلالهما عن تبليسي في 2008.